[22] إدانة الخوارج في بلادنا الغالية
أنعم الله علينا بأن أخرجنا من ضلال الجاهلية وظلامها إلى نور الإسلام وعدله، فإن الجاهلية كانوا يعيشون في ضلالات جاء الإسلام بكشفها وبيانها، فمن أمور الجاهلية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أنهم متفرقون في دينهم كما قال تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون} [المؤمنون:53]
- التصنيفات: خطب الجمعة -
الخطبة الأولى
نظرًا لخطورة أمر هذه الفئة الضالة الخارجة على ولاة أمرنا وعلى جماعة المسلمين، فقد جمعت لكم مقتطفات من البيان الذي أصدره سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ ووفقه الله في البيان الذي أصدره حول الأحداث الأخيرة.
عباد الله، إن الله عز وجل قد امتن على عباده بمنن عظيمة وآلاء جسيمة وأعظم نِعم الله عز وجل على المسلمين أن هداهم لدين الإسلام؛ وبعث فيهم نبيه محمدًا عليه الصلاة والسلام؛ يقول الله عز وجل: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران:164].
وأنعم الله علينا بأن أخرجنا من ضلال الجاهلية وظلامها إلى نور الإسلام وعدله، فإن الجاهلية كانوا يعيشون في ضلالات جاء الإسلام بكشفها وبيانها، فمن أمور الجاهلية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أنهم متفرقون في دينهم كما قال تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون} [المؤمنون:53]، وكذلك في دنياهم ويرون ذلك هو الصواب، فأتى بالاجتماع في الدين بقوله: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام:159]، ونهانا عن مشابهتهم بقوله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:105]، ونهانا عن التفرق في الدين بقوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103].
ومن مسائل الجاهلية أيضًا أن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة والسمع والطاعة ذل ومهانة، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالصبر على جور الولاة؛ وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة.
أيها المؤمنون؛ إن القبض على خلايا إفسادية ارتكبت أمورًا عظيمة هي من كبائر الذنوب ومن ضلالات المبتدعة التي شابهوا فيها أهل الجاهلية، وأيضًا أعدّوا العدة وعزموا على أمور أخرى هي من كبائر الذنوب عياذًا بالله. وهذه أمور نقف معها بهذا الخصوص:
الأمر الأول: إن ما قام به هؤلاء من مبايعة زعيم لهم على السمع والطاعة وإعداد العدة والاستعداد البدني والمالي والتسليح؛ هذا كله خروج على ولي الأمر وهو مطابق لفعل الخوارج الأوائل الذين نبغوا في عهد الصحابة رضوان الله عليهم فقاتلهم الصحابة وأمروا بقتالهم امتثالًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال عنهم: « » [صحيح البخاري:6930]
وفي بعض الروايات يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صحيح مسلم:1067]، قال الإمام محمد بن الحسين الآجرى رحمه الله في كتابه الشريعة: "لم يختلف العلماء قديمًا وحديثًا إن الخوارج قوم سوء عصاة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وإن صلوا وصاموا واجتهدوا في العبادة فليس ذلك بنافع لهم وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس ذلك بنافع لهم لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهون؛ ويموهون على المسلمين. وقال عنهم أيضًا: والخوارج هم الشراة الأنجاس الأرجاس ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج يتوارثون هذا المذهب قديمًا وحديثًا؛ ويخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمين".
» [عباد الله؛ من هذا يتضح خطورة هذا المذهب وتحريم الانتساب إليه بل وجوب قتال أهله لما يترتب عليه من مفاسد دينية ودنيوية واختلال للأمن وضياع لبلاد الإسلام وإدخال الوهن على المسلمين وتسليط الأعداء عليهم. ومنه يعلم أن من خرج على إمام المسلمين واستحل قتل المسلمين فإنه خارجي وإن صلى وصام وادعى ما ادعى.
ثانيًا: من المعلوم في دين الإسلام أن اتخاذ الإمام واجب على أهل الإسلام يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء:59]. وعلى هذا جرى إجماع الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم من سائر المسلمين.
ثالثًا: إن إمامة المسلمين تنعقد بأمور منها أن يبايع أهل الحل والعقد الإمام فإذا بايعوه صحت إمامته ووجبت على سائر المسلمين طاعته ولزمتهم بيعته. يقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه: "دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا؛ وعسرنا ويسرنا؛ وأثرة علينا؛ وإلا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحًا عندكم من الله فيه برهان" أخرجه الشيخان.
وفي حديث أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل حبشي كان رأسه زبيبة» [صحيح البخاري:693]. وقال علي رضي الله عنه: "إن الناس لا يصلحهم إلا إمام بر أو فاجر، إن كان فاجرًا عبد المؤمن فيه ربه وحمل الفاجر فيها إلى أجله". وقال الحسن في الأمراء: "والله ما يستقيم الدين إلا بهم وإن جاروا وظلموا؛ والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون".
هذا وإننا بحمد الله تعالى نعيش في هذه البلاد السعودية المباركة في ظل ولاية عادلة قد انعقدت لها البيعة وصحت إمامة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على هذه البلاد وأهلها؛ ولزم الجميعَ السمعُ والطاعة بالمعروف؛ والبيعة ثابتة في عنق أهل البلاد السعودية كافة لإجماع أهل الحل والعقد على إمامته.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، اللهم سدده في أقواله وأفعاله، اللهم ارزقه البطانة الصالحة الناصحة. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله ..
الخطبة الثانية
رابعًا: من هذه الأمور التي نقف معها بشأن الفرقة الضالة الخارجة، إن من الكبائر العظيمة والآثار الجسيمة؛ نقض البيعة ومبايعة آخر مع وجود الإمام وانعقاد البيعة له وهذا خروج عن جماعة المسلمين وهو محرم ومن كبائر الذنوب، يقول أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية» [صحيح مسلم:1848].
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «
» [صحيح البخاري:7053]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: « » [صحيح مسلم:1852].وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسويد بن غفلة: "لعلك إن تَخلُف بعدي فأطع الإمام؛ وإن كان عبدًا حبشيًا؛ وإن ضربك فاصبر؛ وإن حرمك فاصبر؛ وإن دعاك إلى أمرِ منقصةٍ في دنياك فقل: سمعًا وطاعة دمي دون ديني" أخرجه مسلم. وعلى هذا سار السلف رضوان الله عليهم، كلهم يوجب السمع والطاعة لإمام المسلمين ويُحرِّم الخروج عن جماعة المسلمين.
خامسًا: مما ظهر استعداد هؤلاء بالسلاح وتخطيطهم للخروج على المسلمين بذلك السلاح، ومعلوم أن حمل السلاح على أهل الإسلام من كبائر الذنوب يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «
» [صحيح مسلم:101].سادسًا: ومما ظهر في البيان تخطيطهم لقتل شخصيات عامة في البلاد وهذا من قتل المسلم بغير حق والله تعالى يقول: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93].
سابعًا: ومما ظهر أيضًا تخطيطهم لإحداث فوضى في البلاد وتدمير الممتلكات وهذا من الإفساد في الأرض الذي قال الله عنه: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33].
ثامنًا: ومما ظهر أيضًا من البيان أن هذه الفئة تكفر المسلمين وتستحل دماءهم وهذه من أخطر جرائمهم وأشدها وطئًا، ذلك أن تكفير المسلم ورد فيه وعيد شديد يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «
» [صحيح البخاري:6103].تاسعًا: التواطؤ مع الجهات الخارجية ضد بلاد الإسلام، هو كصنيع المنافقين مع اليهود ضد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المدينة؛ وكذلك تواطؤهم مع المشركين ضد أهل الإسلام، ومن كان في قلبه إيمان صحيح فلا يمكن أن يتعاون على أهل الإسلام وبلاد الإسلام.
وبعد هذا البيان النصيحة إلى من تأثر بهذا الفكر الدخيل الخبيث أن يتقوا الله في أنفسهم وفي أمتهم وفي بلاد المسلمين وليتقوا الله فلا يقحموا أنفسهم في أنواع من كبائر الذنوب وليتقوا الله فلا يفتحوا على بلاد الإسلام وأهل الإسلام أبوابا من الشر؛ من تسلط الأعداء المتربصين علينا وتمكنهم من بلادنا.
والنصح للجميع بالحرص على أمن البلاد والجد في هذا الأمر والتعاون مع الجهات المختصة في الإبلاغ عن كل ما من شانه زعزعة الأمن، فإن هذا من أوجب الواجبات؛ يقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّوَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2].
اللهم احفظ الله بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، اللهم قنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.