آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا

أبو الهيثم محمد درويش

  • التصنيفات: التفسير -

لما نزل القرآن على محمد و معه المنهج الكامل الخاتم الذي يضمن للبشرية السعادة في الدنيا و الآخرة أمر الله تعالى أهل الكتاب و دعاهم للإيمان بما نزل على محمد صلى الله عليه و سلم فهو الامتداد الحقيقي لما أنزل عليهم قبل أن يحرفوه .
وقد أنذرهم سبحانه و حذرهم أن يصيبهم من نقمته ما أصاب غيرهم من المعرضين عن الهدى فحذرهم من الطمس و اللعنة المستحقة للمعاندين المعرضين .
فأجابه البعض و استمرت البقية على عنادها فاستحقوا لفظ (الكافرين).
و السؤال الأهم الآن : هل هذا النداء ينطبق أيضاً على أمة محمد صلى الله عليه و سلم في عصرنا الحاضر بعد أن أعرضت بغالبيتها عن تطبيق كتاب ربها و تبنت غيره من المناهج ؟؟؟؟!!!
ألا نخاف أن تصيبنا لعنة المعرضين المعاندين .
على كل منا أن يقف مع نفسه و يبحث : أين هو من كتاب الله و سنة النبي صلى الله عليه و سلم ؟؟؟؟!!! أين هو من التطبيق الحقيقي للشرع في حياته ؟؟؟ و أين هو من المطالبة بتحكيمه ؟؟؟!!!! 
اللهم حكم فينا شرعك و اهدنا سبلك و توفنا و أنت راض عنا غير غضبان .
قال الله تعالى : 

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا } [النساء 47] .
قال السعدي في تفسيره : 
يأمر تعالى أهل الكتاب من اليهود والنصارى أن يؤمنوا بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل الله عليه من القرآن العظيم، المهيمن على غيره من الكتب السابقة التي قد صدقها، فإنها أخبرت به فلما وقع المخبر به كان تصديقا لذلك الخبر.
وأيضا فإنهم إن لم يؤمنوا بهذا القرآن فإنهم لم يؤمنوا بما في أيديهم من الكتب، لأن كتب الله يصدق بعضها بعضا، ويوافق بعضها بعضًا. فدعوى الإيمان ببعضها دون بعض دعوى باطلة لا يمكن صدقها.
وفي قوله: { آمِنُوا بِمَا نزلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ } حث لهم وأنهم ينبغي أن يكونوا قبل غيرهم مبادرين إليه بسبب ما أنعم الله عليهم به من العلم، والكتاب الذي يوجب أن يكون ما عليهم أعظم من غيرهم، ولهذا توعدهم على عدم الإيمان فقال: { مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا } وهذا جزاء من جنس ما عملوا، كما تركوا الحق، وآثروا الباطل وقلبوا الحقائق، فجعلوا الباطل حقا والحق باطلا جوزوا من جنس ذلك بطمس وجوههم كما طمسوا الحق، وردها على أدبارها، بأن تجعل في أقفائهم وهذا أشنع ما يكون { أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ } بأن يطردهم من رحمته، ويعاقبهم بجعلهم قردة، كما فعل بإخوانهم الذين اعتدوا في السبت { فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } { وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا } كقوله: { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } .
أبو الهيثم