(18) تفريقهم بين الإسلام والسنة أو السلفية!
سليمان بن صالح الخراشي
فالواقعون في هذا التلبيس يُفرقون بين الإسلام والسنة أو السلفية أو غيرها من مسميات أهل السنة، ويجعلون الإسلام مخالفًا لما عليه جميع أهل الفرق بمن فيهم أهل السنة والجماعة أو السلفيين.
بسم الله الرحمن الرحيم
يقع في هذا التلبيس صنفان من المعاصرين:
1- أناسٌ يدّعون الحياد والترفع عن التحزبات: جهلًا، أو خشية أن يوصموا بالتعصب وضيق الأفق!
2- أو أناسٌ ساءهم ما يرونه من تفرق الأمة الإسلامية إلى مذاهب وفرق، فظنوا أنهم بالوقوع في التلبيس السابق يساعدون على تحقيق وحدة الأمة، عندما ينبذون جميع الفرق – بما فيها أهل السنة!-، ويُطالبون بالعودة للإسلام.
فالواقعون في هذا التلبيس يُفرقون بين الإسلام والسنة أو السلفية أو غيرها من مسميات أهل السنة، ويجعلون الإسلام مخالفًا لما عليه جميع أهل الفرق بمن فيهم أهل السنة والجماعة أو السلفيين. فيحشرون أهل السنة مع الفرق البدعية (شيعة- إباضية- أشاعرة.. إلخ)، ويجعلون الإسلام مخالفًا لها كلها!
فتجد أحدهم يؤلف كتابًا عن (إسلام بلا مذاهب)، يضع فيه أهل السنة، والسلفية من ضمن المذاهب الكثيرة التي تقابل الإسلام.
ويُسأل آخر عن مذهبه، فيقول: "أنا لستُ سنيًا ولا شيعيًا.. أنا مسلم"!
وآخر يُسأل فيقول: "أنا مسلم قبل هذه التقسيمات"!
وهذا تلبيس بغض النظر عن نية صاحبه وقصده؛ لأن الإسلام هو السنة وهو السلفية. وما يُقابل هذا هو الانحراف والبدعة. (ليس هنا مقام الحكم على المخالف).
كشف هذا التلبيس:
أن يُقال لصاحبه: هذا الإسلام الذي وجدتَه مخالفًا لما عليه جميع الفرق -بما فيها السنة- هل له حقيقة على أرض الواقع، أو هو مجرد أمرٌ يوجد في (الأذهان)؟
فحتمًا سيقول: بل له حقيقة على الواقع، وإلا لما ارتضاه الله لنا دينًا إذا لم يمكن امتثاله.
فيُقال له: وما هي حقيقته؟
فسيقول: هذا لا يحتاج لسؤال. هو الإسلام المعروف، دين الله الذي بُعث به محمد صلى الله عليه وسلم.
فيُقال له: وأين نجده، وبفهم مَن نفهمه؟
فسيقول: في كلام ربنا عز وجل (القرآن)، وكلام نبينا صلى الله عليه وسلم (السنة)، وبفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم، الذين نزل عليهم الوحي، وقال الله عنهم: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا} [البقرة:137].
فيُقال له: وهذا هو منهج أهل السنة، وهذه هي السلفية!
لأن الإسلام المجرد الذي لا حقيقة له على الواقع أمرٌ لا يوجد إلا في الأذهان كما سبق.
وما مثل صاحب هذا الأمر الذهني إلا مثل من يُسأل: هل أنت ذكر أو أنثى أو خنثى. فيقول: يا أخي، أنا لا أؤمن بهذا التقسيمات، أنا إنسان!
وهو يعلم أنه لا يوجد إنسان مجرد إلا في الأذهان، أما في الواقع فلا بد من واحد من التقسيمات السابقة -ذكر، أنثى، خنثى-. وقس على هذا القضايا المشابهة.
شبهة وجوابها:
ستعرض لصاحب التلبيس السابق شبهة، وسيقول:
كيف تكون السنة أو السلفية -إلخ أسمائها- هي الإسلام، ونحن نرى أصحابها يقعون في أخطاء، بل أحيانًا يختلفون فيما بينهم، وكلٌ يدعيها. فسنة أو سلفية مَن تقصد؟
فيُقال له: المنهج هو المعصوم، أما الجماعات أو الأشخاص المنتسبون والممتثلون للمنهج فهم بشرٌ معرضون للخطأ، وكلٌ منهم يؤخذ من قوله ويُرد، وتوزن أقواله وأفعاله بالمنهج.
وخير ما يقطع هذه الشبهة حالًا أن يُقال لصاحبها: الأمر نفسه سيُقال لك: هذا الإسلام الذي تخيلته مخالفًا للسنة أو السلفية، إسلام مَن على أرض الواقع؟ لأننا نجد المنتسبين له يختلفون... إلخ! فسيقول: أقصد إسلام الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، أما الجماعات والأشخاص فغير معصومين! فيقال له: فقل هذا أيضًا في السنة أو السلفية!
من أقوال العلماء:
قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله في تقديمه لكتاب (صيانة الإنسان) للسهسواني رحمه الله (ص 3): "والتحقيق أن ما كان عليه السلف في الصدر الأول لم يكن مذهبًا، ولا يصح أن يُسمى مذهبًا في الإسلام؛ لأنه هو الإسلام كله، وهو وِحدةٌ لا تفرق فيها ولا اختلاف، والله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام:159]، ويقول: {أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13]، وإنما صار مذهبًَا بالإضافة إلى ما حدث من البدع التي تتعصب لها الشِيَع".
وقال الشيخ صالح الفوزان في (البيان لأخطاء بعض الكتّاب:3/ 50-52) ردًا على من وقع في شيء من هذا التلبيس: "بل السلفية الحقة هي الإسلام.. تعجبت كيف عد كاتب العنوان السلفية بأنها ليست من الإسلام، وهي تعني اتباع السلف الصالح من الصحابة والتابعين والقرون المفضلة؟ السلفية هي المنهج الحق الذي يجب علينا أن نسير عليه ونترك ما خالفه من المناهج، وأصحابه هم الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة، وهم الطائفة المنصورة إلى يوم القيامة، جعلنا الله منهم...".
وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في (تصحيح الدعاء: ص 215): "أما جماعة المسلمين، قفاة السنة والأثر، فهم لا يتخذون لقبًا يتميزون به؛ فإن ما تراه وتسمعه من ألقابهم الكريمة: أهل السنة، أهل السنة والجماعة، أهل الحديث، أهل الأثر، أهل الحديث والأثر، أتباع السلف، السلفية.. إنما جاءت لمّا نشب الافتراق، وبانت فرق الضلال، فيؤتى بواحدٍ من هذه الألقاب؛ لتميز الهداةُ عن الغواة، وإلا فهم جماعة المسلمين، وما يدعون إليه هو الإسلام".
وقال رحمه الله في (حكم الانتماء: ص 92): "تنبيه على خطأ كبير: بعض من الذين كتبوا عن الجماعات والفرق الإسلامية المعاصرة للموازنة بينها، ونقدها، يذكرون من أقسامها (أهل السنة والجماعة)، وهذا خطأ كبير في الفهم والتصور، والبعد عن الحقيقة؛ فإن (أهل السنة والجماعة) و(أهل الحديث) هم (جماعة المسلمين)، ليست في شكلها ومضمونها إلا (دعوة الإسلام) بجميع ما تعنيه هذه الكلمة، بخلاف الجماعات الأخرى فهي أحزاب وفرق، منها ما فيه دخل ومنها ما يدعو إلى شعبة من شعب الإسلام دون الأخرى. ومعاذ الله أن يكون المسلمون جميعهم جماعات وأحزاب، بل إن (الطائفة المنصورة) و(الفرقة الناجية) جماعة المسلمين الملتزمة بالكتاب والسنة والدعوة إليها، ما زالت ولن تزال باقية قائمة إلى أن يأتي أمر الله. وانظر إلى فضل فقه المتقدمين في دين الله على المتأخرين حين كتبوا عن الفرق والملل والنحل، إنما خصصوها لما تناثر من الفرق (الجماعات) على جنبتي الصراط المستقيم (طريق جماعة المسلمين) أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح فافهم".
تنبيهان:
1- لا يُغير من حقيقة السنة أو السلفية نبز خصومها من أهل البدع وغيرهم لها بألقاب يريدون من ورائها الصد عنها والتشنيع عليها؛ كالوهابية أو الحشوية أو.. إلخ نبزهم القبيح. فالعبرة بالحقائق. (يُنظر كتاب الأخ خالد الغليقة (مسائل فقهية وقضايا فكرية معاصرة: ص 73-74).
2- يُفرق بين من قال: "أنا مسلم"، ويكتفي بهذا، ويقصد الإسلام بمعناه الحق، الموافق للسنة أو السلفية. وبين من قال: "أنا مسلم"، ثم ينفي أن يكون سنيًا أو سلفيًا! فالثاني قد وقع في التلبيس السابق، أما الأول فلا يُنكر عليه، ما دام يرى أن الإسلام هو السنة وهو السلفية، ولا يُنكر هذا أو يتبرأ منه.
وفق الله جميع المسلمين للزوم السنة، وجنبهم البدعة