حين تكون البهائم أكرم!
أبو محمد بن عبد الله
«.. ولولا البهائم لم يمطروا.. » بقدر ما تُبَيِّن هذه الجملة عظيم رحمة الله تعالى وسعتها حتى شملت البهائم العجماوات، بقدر ما ألقت في روعي معنى مُرعِبًا مُحزِنًا، ذلك المعنى هو حالة سقوط البشر من عين الله!!
- التصنيفات: التوبة - قضايا إسلامية معاصرة -
مع أن الله تعالى يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء:70]، إلا أنَّ هؤلاء الْبَني آدم؛ الذين أكرمهم الله تعالى، وكرَّمهم وفضَّلهم على البهائم وعلى كثير ممن خلق، هاهم أولاء تُوصِلهم أفعالهم المشينة وتفريطهم في هذا التكريم، إلى درجة أن الله تعالى الكريم لا يعطيهم من قطر البحار والمحيطات وسُحب السموات إلا رحمة بالبهائم..
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «الألباني في الصحيحة، برقم:[106]، وصحيح الجامع برقم:[ 7975]).
» (ابن ماجة في سننه، برقم:[4019]، الطبراني، المعجم الكبير، برقم:[ 13619]، وصححه«.. رحمة الله تعالى وسعتها حتى شملت البهائم العجماوات، بقدر ما ألقت في روعي معنى مُرعِبًا مُحزِنًا، ذلك المعنى هو حالة سقوط البشر من عين الله!! فحين نسقط من عين الله، تكون البهائم أكرم، وأولى بالرحمة منا، وهي التي شرع الله لنا رَكوبها وذبحها تقديمًا لرحمتنا على رحمتها، وكرامتنا على كرامتها!: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[النحل:5-8]، ومع كل ذلك: « »
فهذه حصائد أفعالنا، قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[الأعراف:179]، إلى هذه الدركة ينزل المستوى ببني آدم حين يتخلَّون عن الوظيفة التي خُلِقوا لأجلها، وحين يتنكبون الطريقة التي أُمِروا أن يستقيموا عليها، ويزهدون في التكريم الذي حُبُوا به.
وهكذا يعيشون معيشة ضنكًا، متمثلٌ بعضُها في أزمات وبلايا ذكرها الحديث السابق، ولخَّصها القرآن الكريم: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}[طه:124-127].
لا كرامة للبشر إلا بالتوبة إلى الله تعالى والاستقامة على طريقته، والتجافي عن البهيمية الأرضية والشيطانية النارية..
4/ 2/ 2016