لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ
أبو الهيثم محمد درويش
- التصنيفات: التفسير -
سؤال : لماذا أنزل الله الكتاب بالحق على رسوله صلى الله عليه و سلم ؟؟
إجابة : للحكم بين الناس بمنهج الله الذي خلقهم و هو أعلم بما يصلحهم و ما يفسدهم و رسالته لعباده تحمل لهم خيري الدنيا و الآخرة و مخالفتها تحمل الخسارة في الدارين .
و لم يترك حياة عباده بلا منهج ينظمها و لم يتركها لأهوائهم و إنما أنزل ذلك المنهج المتكامل المحكم ليطبق في الدنيا و ليقود الناس إلى خير الآخرة و بذا يضمن العبد السعادة في الدارين .
و نهانا سبحانه أن ندافع عن الخائنين لمنهجه المحاربين لرسالته و لا نخاصم أو نجادل من أجل الخائنين .
تلخص كل هذا في قول الحق تبارك و تعالى :
{ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } [النساء 105 - 113] .
قال السعدي في تفسيره :
يخبر تعالى أنه أنزل على عبده ورسوله الكتاب بالحق، أي: محفوظًا في إنزاله من الشياطين، أن يتطرق إليه منهم باطل، بل نزل بالحق، ومشتملا أيضا على الحق، فأخباره صدق، وأوامره ونواهيه عدل { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا } وأخبر أنه أنزله ليحكم بين الناس.
وفي الآية الأخرى: { وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزلَ إِلَيْهِمْ } .فيحتمل أن هذه الآية في الحكم بين الناس في مسائل النزاع والاختلاف، وتلك في تبيين جميع الدين وأصوله وفروعه، ويحتمل أن الآيتين كلتيهما معناهما واحد، فيكون الحكم بين الناس هنا يشمل الحكم بينهم في الدماء والأعراض والأموال وسائر الحقوق وفي العقائد وفي جميع مسائل الأحكام.
وقوله: { بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ } أي: لا بهواك بل بما علَّمك الله وألهمك، كقوله تعالى: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى } وفي هذا دليل على عصمته صلى الله عليه وسلم فيما يُبَلِّغ عن الله من جميع الأحكام وغيرها، وأنه يشترط في الحاكم العلم والعدل لقوله: { بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ } ولم يقل: بما رأيت. ورتب أيضا الحكم بين الناس على معرفة الكتاب، ولما أمر الله بالحكم بين الناس المتضمن للعدل والقسط نهاه عن الجور والظلم الذي هو ضد العدل فقال: { وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } أي: لا تخاصم عن مَن عرفت خيانته، من مدع ما ليس له، أو منكرٍ حقا عليه، سواء علم ذلك أو ظنه. ففي هذا دليل على تحريم الخصومة في باطل، والنيابة عن المبطل في الخصومات الدينية والحقوق الدنيوية.
ويدل مفهوم الآية على جواز الدخول في نيابة الخصومة لمن لم يعرف منه ظلم.
أبو الهيثم