(7) دراسة الاعتقاد دراسة نفسية
محمد أمين المصري
في دراسة الاعتقاد دراسة نفسية نجد بعض الباحثين يبنون الاعتقاد على الحاجة والعمل فيقولون إن الأفكار التي نصدقها هي الأفكار الناجحة في حياتنا، وعلى هذا فالعمل ميزان الاعتقاد، بمعنى أن الأفعال التي نقوم بها إذا أدت إلى النجاح تمسكنا بها واعتقدنا صحتها، ويرى هؤلاء أن الاعتقاد يتغذى بالعمل وبالحياة وأن الإيمان الذي لا يعمل قد يكون صادقاً ولكنه لا يلبث أن يصاب بالفتور والموت ثم إن الاعتقاد لا يفارق مظاهره الخارجية أبداً.
- التصنيفات: تربية النفس -
في دراسة الاعتقاد دراسة نفسية نجد بعض الباحثين يبنون الاعتقاد على الحاجة والعمل فيقولون إن الأفكار التي نصدقها هي الأفكار الناجحة في حياتنا، وعلى هذا فالعمل ميزان الاعتقاد، بمعنى أن الأفعال التي نقوم بها إذا أدت إلى النجاح تمسكنا بها واعتقدنا صحتها، ويرى هؤلاء أن الاعتقاد يتغذى بالعمل وبالحياة وأن الإيمان الذي لا يعمل قد يكون صادقاً ولكنه لا يلبث أن يصاب بالفتور والموت ثم إن الاعتقاد لا يفارق مظاهره الخارجية أبداً.
هذه النظرية تؤيد قول السلف بأن الإيمان لا يمكن أن ينفصل عنه العمل.
وهكذا ترى هذه النظرية النفسية أن الاعتقاد ليس إلا الظواهر الناجحة في الحياة التي هي مظهر للاعتقاد، وقد نقدها ناقدوها بأنها غالت في تقدير الأعمال وجعلتها هي الاعتقاد وحدها.
والنظرية الثانية ترى أن الاعتقاد مجرد من تأثير العقل تماماً، وأنه قائم على ما لقنه وما رغب فيه، فبعض الناس يعتنق مذهباً لما يرى فيه من تحقيق مصالحه، وهكذا يرى هؤلاء أن إيمان أكثر الناس بالعقائد الموروثة مبني على التقليد والتلقين لا على اليقين، ويرون أن العقل يسخر لما يريد الإنسان فلا يريد الإنسان ما يستيقن به، ولكنه يستيقن ما يريد، ونتائج هذه النظرية الريب لأن الاعتقاد في نظر هؤلاء لا يستند إلى أصول برهانية ثابتة.
والنظرية الثالثة يقول بها أنصار المبدأ العقلي الذين يقولون أن الاعتقاد تابع للعقل، وفي رأي هؤلاء أن العقل لا يستبدل بالبراهين الرغائب ولا يدع الأسباب العقلية للبواعث العاطفية، وإذا حاولت الرغائب أن تغتصب حق العقل شعر الإنسان أنه يكذب على نفسه.
أكبر دليل في نظر هؤلاء أن الذين يشككون في النظرية العقلية هم إنما يحاربون العقل بالعقل نفسه.
وقد وجد الباحثون أن كل نظرية من النظريات السابقة لا تخلو من جانب من الصواب كما لا تخلو من خطأ، والخطأ فيها كلها اعتبارها أحوال النفس منفصلاً بعضها عن بعض، والواقع ليس كذلك إذ النفس وحدة متصلة وكلاً مترابط الأجزاء متداخل، فالعقل لا ينفصل عن الانفعالات والوجدانات وهي لا تنفصل عنه، والإرادة محصلة لجميع القوى المنبعثة عن الأفكار والعواطف.
وإذا كانت الفكرة قوة دافعة كما يقول أصحاب المذهب العقلي فالعواطف أيضاً قوى محركة، والعقل محتاج إلى العمل ليمتحن المعاني، وهكذا كان الرأي الصواب أن العناصر الثلاثة تسهم في بناء كل عقيدة وهي الفكر والعاطفة والعقل والنفس بكل ما فيها تشارك في الاعتقاد، وقد يكون لبعض مظاهر النفس غلبة على المظاهر الأخرى، ويختلف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص.
ثم إن الاعتقاد لابد له من أسباب اجتماعية أيضاً فلا يعيش المعتقد ولا ينمو إلا إذا هيأ له المجتمع أسباب الحياة والنمو.
وهكذا نجد هذا البحث النفسي السابق يلتقي تمام الالتقاء مع رأي السلف في موضوع الاعتقاد، فالاعتقاد ليس تصديقاً فكرياً فحسب ولكنه يشمل النفس بكل ما فيها فهو أمر يجري في نفس المرء، ولكن ما يجري في الداخل لابد أن يترجمه السلوك وتدل عليه المظاهر.