ذكريات الشيخ أحمد ياسين في سجون الاحتلال
ملفات متنوعة
السجن كان عملية عزل وانقطاع عن كل الناس، وأنا كنت موجوداً في السجن
وحدي ومعي مرافقان، وقد كانوا يُغيّرون كل شهرين أو ثلاثة، ويأتي
غيرهم..
- التصنيفات: فقه الجهاد -
مع حلول الذكرى الأولى لاستشهاده، هذا حوار مطوّل أُجري مع الشيخ
أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وإليكم الجزء الأول
من هذا الحوار.
- كيف تصفون لنا حياتكم داخل السجن؟ وكيف كنتم تقضون هذه الأوقات
الطويلة؟
طبعاً السجن كان عملية عزل وانقطاع عن كل الناس، وأنا كنت موجوداً في
السجن وحدي ومعي مرافقان، وقد كانوا يُغيّرون كل شهرين أو ثلاثة،
ويأتي غيرهم، وفي الفترة الأخيرة استمر بعضهم معي لمدة سنة، أو سنة
وأربعة أشهر، كانت عملية عزل تماماً، وأنا كنت أعيش هذه الفترة مهتماً
بالعبادات في أوقاتها، والاهتمام بعملية الدراسة والمطالعة، وحفظ
القرآن الكريم والتفسير، والاهتمام بمن معي، ورعايتهم سلوكياً
وأخلاقياً وثقافياً، كانت المرحلة كلها فيها مرض، وخاصة كانت عندي
الأذن دائماً ملتهبة والحساسية في الصدر، كنت باستمرار أذهب للمستشفى
للعلاج، وفي النهاية أصبحت لا أسمع بالأذن اليمنى شيئاً، أما اليسرى
فنسبة السمع فيها 20%، والآن لا أستطيع السمع إلا بالسماعات - والحمد
لله - كنا داخل السجن رغم الحصار إلا أننا كنا نعيش بأجواء روحيّة
عالية، ومعنويات كبيرة، وهي فترة خلوة مع الله، ودراسة واطلاع وحفظ
للقرآن الكريم وتفسيره، أما عن تعامل السجانين وأسلوبهم فكان مختلفاً،
كان هناك يهودي متعصب يشدّد علينا بشكل كبير، وهناك آخر أخفّ قليلاً،
كان منهم المتشدّد ومنهم المتساهل، مثلاً تُمنع عنّا المعلومات، وعند
حصول أي حادثة في الخارج يسحبون منا التلفاز أو (الراديو) أو الأجهزة
الموجودة حتى يمنعونا من الاطلاع على الحوادث التي في الخارج مثل
حادثة اختطاف الجندي (نخشون) أو غيره، وبناء عليه قرّرت أن أترك
الخارج يشتغل، وهو يتحمل مسؤولية العمل، ولم يكن لي اتصال بهم، وربما
كان هناك - مثلاً- ظروف صعبة، ولنا رأي فيها كنا نبعث للخارج عن طريق
الزّوار، نبعث ما نريده، إنما أنا لم أكن أتصل بالخارج، واتخذت قراراً
أن أهتم بالدراسة وبنفسي وبالداخل، وأترك الخارج يتصرف بحريته وإرادته
حسب المناسب في الأوضاع.
- ما الطريقة التي كنتم ترسلون بها رسائلكم إلى خارج السجن؟
هناك طريقتان، إما برسائل شفوية عن طريق المحامين، أو رسائل مكتوبة
رسمية عن طريق المساجين والزوار.
- لكن ، أليس هناك أجهزة تصنّت غير مرئيّة؟
صحيح، لكن طبعاً الرسائل الشفوية تكون في أمور عامة لا يوجد فيها
أسرار، يعني مثلاً "نريد أن نرسل لكم كتباً"، لكن القضايا السرية
تُكتب برسائل لا تصل شفوياً، كما أنه ليس كل محامٍ تثق به.
- مَن من قادة "حماس" لازموك في السجن؟
الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، صلاح شحادة ، وغيرهم (ي . س) ، و(ك .
م)، و(خ . د)، كان عندي شاب من قرية من قرى نابلس مكث حوالي سنة ونصف
عندي في السجن.
- من أكثر شخص ارتحت معه؟
جميعهم كنت مرتاحاً لهم، لكن أنت تشعر أن له حقوقاً ولك حقوق، لكنك
تشعر بتعاون البعض معك أكثر، يعني أول واحد ابتكر لي عمل علاج طبيعي
كان(م. م)، وهو شاب من نابلس وهذا الشاب كان لطيفاً جداً، ذهب وأحضر
حبلاً وعلّقه في سقف السجن حتى يعمل لي رياضة، وعمل رياضة ليديّ، كان
كل يوم يمسكني ونمشي في الساحة، كان ممتازاً جداً.
- كيف كنت تقرأ ، هل كان أحد يقرأ لك أم ماذا؟
أنا كل يوم كنت أقرأ في البيت، كان هناك خشبة أضع عليها الكتاب وأقرأ،
وأقلب الصفحات بفمي، وكان هناك إخوان لا يرضون بهذا ويقولون لي: لماذا
أنا جالس؟ أنا أريد أن أُقلب لك، أقول له دعك مني وارتح فلا يقبل، وفي
السجن كنت أضع على الكرسي بطانيات ومخدات، وأضع عليها الكتاب، وأقلب
الصفحات، ومازلت أفعل هذا، فكان عندي خشبة، وأنا نائم على السرير أقرأ
عليها، وعندي خشبة، وأنا جالس على الأرض أقرأ عليها، من الممكن أن
يقلّب لي الذين حولي، ومن الممكن أن أستخدم فمي كي أقرأ وأكتب.
- ما هي أبرز القراءات التي قرأتها؟
في كل الاتجاهات قرأت، مثلاً قرأت في التاريخ البداية والنهاية لابن
كثير، قرأت كمية كبيرة من الكتب البسيطة الملخصة، وحتى القرآن أكملت
حفظه، وقرأت تفسير ابن كثير داخل السجن، قرأت في الفقه كتاب (المجموع)
للنووي وهذا يقع في (24) مجلداً، قرأت في أصول الفقه "لأبو زهرة"،
قرأت في اللغة العربية كتاب شذور الذهب في النحو، وكنت أدرسه لبعض
الشباب، وأيضا أصول الفقه كنت أعطي دروساً منه في السجن، قرأت كتباً
كثيرة في النحو والتاريخ والتفسير والفقه والعقائد وهذا من فضل الله
تعالى علي. طبعاً لم يكن متوفراً لدينا علم سياسة مثلاً أو علم
اجتماع.
- وأنت في السجن حدثت أحداث سياسية كثيرة، مثل مؤتمر مدريد، كيف
تلقيتم نبأ هذا المؤتمر؟
طبعاً صارت أحداث كثيرة ، كحرب الخليج مثلا وقبل الخليج توجد محاولات
(جيمس بيكر) كنا نتابعها كلها، لكن دائماً موقفنا الشرعي والإسلامي،
وانطلاقنا من مبادئ واحدة وعقيدة واحدة ولأننا نحمل هما مشتركا تجد
مفاهيمنا متقاربة جدا داخل السجن.
- هل أثار مؤتمر مدريد قلقك على الانتفاضة والشعب الفلسطيني؟
الإنسان الواعي يرى كل حركات العدو من حرب الخليج، وقبل حرب الخليج هي
توجيه ضربة قاضية و وضع نهاية للقضية الفلسطينية في عملية تصفية شاملة
، ومدريد كانت محاولة في هذا الطريق، لكن العدو الإسرائيلي هو الذي
يخلط المعادلة عمداً، هو دائماً يسعى إلى أن يحصل على الأمن ويعيش
مستقراً، ويبني هذه الدولة للأبد في هذه المنطقة، إذا فُقد الأمن سوف
يؤثر ذلك على الاقتصاد والاجتماع، ويؤثر على كل أوضاع البلد، وبناء
عليه سعى الاحتلال لتوقيع الاتفاق حتى يوقف المقاومة والانتفاضة، لكن
استمرت مقاومتنا لأننا لم نحصل على حقوقنا المغتصبة .
- بالنسبة لإبعاد (400) من حماس إلى جنوب لبنان، ما هو شعورك عندما
سمعت بهذا الخبر؟
أنا طول عمري ودائماً أشعر وأقول: إن الضربات تحدث هزة مؤقتة، يعني
فترة شهر، اثنين، ثم تستعيد القيادات المبادرة، وتجمع بعض العناصر
التي تستعد لتأخذ مكانها ودورها وتسير، ليس معنى ذلك أنه هو ضرب
فعلاً، هو خسر؛ لأنه أولا أبرز (400) قيادة في الخارج، ثانياً أبرز
(400) قيادة جديدة ، وأوجد بدلاً منهم (400) قيادة جديدة تأخذ تجربة،
ودوراً ومعرفة، ووسع قاعدة الحركة .
- كيف قيّمت الخطوة التي أقدم عليها المبعدون، وهي مكوثهم في الجنوب
ورفضهم الدخول إلى لبنان أو في أي بلد آخر؟
كانت خطوة ذكية، وطبعاً إخواننا في الخارج كلهم قيادات، وعلى مستوى
عالٍ فهم لو ذابوا في الوطن العربي لانتهت قضيتهم، ولما كانت هناك
عودة، لكن كونهم أصروا أن يبقوا في هذا المكان، ولا يدخلوا في الوطن
العربي، هذا فرض على العالم مشكلة كي يحلها، وبناء عليه صدر قرار
بإعادتهم وفعلاً عادوا.
- بالنسبة للخروج من السجن كانت قضية مرتبطة بحادثة محاولة اغتيال
خالد مشعل في الأردن، هل تصف لنا عملية الخروج من السجن؟
كان عندي المحامي الخاص بي، وقال: لقد عملنا عريضة ووقعناها من (40)
عضو كنيست حتى تخرج، قلت له: لا يمكن أن أخرج؛ لأن أمْنهم ضدي، وفي
الكنيست قالوا: إذا هو لم يغير أفكاره مش ممكن نعطيه O. K) )، هذا
الكلام العصر الساعة الرابعة ، وغادر المحامي الساعة الثامنة، جاؤوا
وقالوا: نريدك، فقال لهم الشباب الذين عندي: الشيخ متعب، ثم عادوا بعد
ربع ساعة وقالوا: نريد الشيخ فوق، فقال الشباب: الشيخ متعب، الذي
يريده يأتي له إلى هنا.
- من الذي كان عندك؟
كان عندي شاب من بيت لحم والثاني من الخليل، وثالث مرة جاءت إدارة
السجن، وأنا لا أسمع كل الكلام لأن السماعات سيئة، وقلت لهم: يا أولاد
ما هو الموضوع ؟ فأخبروني بأنهم يريدونني، ويقولون: هذا لمصلحة الشيخ
نريد الشيخ لمصلحته، قلت لهم: أحضروا حذائي، ودعوني أنزل لأرى ما
يجري، وجدت أربع ضباط دخلوا، قلت: أهلا وسهلاً. قالوا: أمامك فرصة،
قلت: ماذا؟ خير إن شاء الله، قالوا: تخرج من السجن، قلت: هذا شيء
ممتاز! كيف؟ قالوا: تسافر إلى الأردن، قلت لهم: لا، لا أذهب إلى
الأردن، لا أريد أن أخرج من السجن، جلست فيه ثماني سنين ونصف، وأنتم
تحاولون أن تبعدوني، وتريدون إبعادي هذه المرة، قالوا: اتفقنا مع
الملك أن تخرج من السجن، قلت لهم: ولو اتفقتم، أنا لا أوافق، قالوا:
اخرج. و الذي يريده الملك، وتتفق معه عليه نحن موافقون عليه، قلت لهم:
لا أسلّم لأحد ، أنا أقبل بشرط واحد أن أخرج وأوافق على كلامكم، وبعد
أسبوع أو عشرة أيام أرجع، وهذا عليكم أن تكتبوا تعهداً فيه بالموافقة
منكم، وتمضوا عليه، وأن أعود بعد أسبوع، لا أبقى في الخارج. طبعاً أنا
حتى تلك اللحظة لا أدري أنه أُلقي القبض على رجال الموساد في الأردن،
والقصة لم تكن مكشوفة، الحكاية أنا سمعت أن خالد مشعل تعرّض لمحاولة
اغتيال، اتصلوا اتصالات، وقالوا: ماشي، وبدأنا نكتب، أخيراً الضابط
العسكري قال: بدك "تشنقنا"، قلت له: أنا لا أشنقك، هذه حياتي لا أسلمك
إياها، ظللنا حوالي ساعة نتجادل حتى كتبنا صيغة الورقة التي سيمضون
عليها، قالوا: خلاص، قلت لهم: لا، رأيت الأمور تسير فقلت لهم: "مش"
خارج قالوا : ليش (لماذا)، قلت: أنا لا أقبل أن أخرج وحدي، أريد مرافق
معي يخدمني، فقالوا: الملك أحضر معه ممرضين وأطباء، قلت لهم: لا
يعجبونني، من يعرفني يأتي معي، وإلا لن أخرج، قالوا: طيب، انتظر،
اتصلوا وقالوا: موافقون. من الاثنان اللذان عندك؟ قلت لهم: فلان
وفلان، قالوا: خلاص وافقنا. نُخرج معك واحداً. أنا لم أكن عارفاً
بالقصة، وإلا لم أكن لأصمم على واحد، واعتبرتها مكسباً أن يخرج واحد
معي، وقالوا: خلاص نعطيك هويتك، اذهب معنا. قلت لهم: أريد أن أذهب إلى
الغرفة، وقلت للشاب أحضر أغراضك وضع حقيبتك وأغراضك في مكان، وكتبي
وحقيبتي في مكان، ظننت أنهم يريدون أن يذهبوا به إلى الضفة، وأنا إلى
غزة، ولما وصلنا المطار كانت الطيارة الأردنية هناك، وقالوا: اصعد،
قلت: أين أصعد؟ قالوا: اصعد إلى الطائرة، قلت: والاتفاق أين هو؟
فأحضروه لكن غير ممضي(موقّع)، قلت لهم: لا أصعد، فأخذه قائد المنطقة
الجنوبية، ووضعه على الطيارة، ووقّعه وأحضروه لي، وقلت لهم: أين
الهوية؟ لا أصعد قبل حصولي على هويتي ، وهذا في المطار شيء مضحك جداً،
وكان كل الأردنيين واقفين، كان هناك الوفد الذي أتى ليأخذني، فجاء
الأردنيون يرجونني، وقالوا: نرجوك يا شيخ، الملك ينتظر له ساعتان في
المطار وأنت الذي تريده، قلت لهم: من يكفل الهوية؟ أريدها، قالوا:
"نحن نكفل والملك يكفل، نحن نحضر الهوية والملك يحضرها"، قلت: يعني
أنتم الأردنيين تكفلون أن تحضروا الهوية؟ قالوا: نعم، قلت لهم: خلاص!
فعلاً كانت الساعة 12.30 في الليل، أنا وصلت المطار في الأردن فوجدت
الملك ينتظر هناك جالساً، ومجرّد ما هبطت الطائرة صعد الملك حسين
عليها وقبلني وسلم عليّ، ونقلوني إلى مدينة الحسين الطبية. بعد ذلك
بدأت تتحرك ، بعد ما خرجت من المستشفى!
أنا كنت في المستشفى لا أخرج منه ، وعدت إلى غزة في 6/10.
- حدثنا عن لقاءاتك بقادة " حماس " في الخارج؟
كان خالد مشعل في نفس المدينة يُعالج (مدينة الحسين الطبية )، وزيارته
لي كانت في نفس الغرفة، وموسى أبو مرزوق كان يأتي من الخارج
لزيارتي.