ميتافيزيقا طبيب!!

رحاب حسَّان

فالطبيب كي يكون طبيبا فعليه تثبيت عرش عالمه الخاص وتأمين حاله الداخلي قبل النقش على جدارن المهنة بالبذل والعطاء

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

لا أتخيل شعارًا للأطباء سوى ظهر منحنية حانية تُرَبِّتُ على رأس كليل وتعطيه من فيض الأمل في حياة أفضل ولو تبقي كان المتبقي منها لحظات، أو شعارًا ليدٍ بيضاء ناعمة باردة تمسح حر الألم والمعاناة ما يعين المريض على مجابهة احباط السرير وكسر مرارته.

ولا أتخيل شعارًا كهذا إلا في عالم مثاليّ يعبُر خلال "ميتافيزيقا طبيب"؛ تديره زوجة موسوعية، القدرات متعددة المهارات، خفاقة بالمشاعر والعواطف ما تحتوي به عذابات مرضاه.

زوجة مرنة الجانب، مرحة الروح ما يجعلها تتحمل ضغوط زوجها وتمتص نهاره الممتلئ بجراحات المرضى لتعيدها إليهم ابتسامات على وجه زوجها صباح كل يوم جديد.

قوية الأعصاب متبتلة لرب الأرباب أن يحميها وأسرتها من شر كل وخذة بالخطأ قد تصيب زوجها جراء حقن مصابي الدم والعدوى.
طيبة النفس فلا تتأفف من معطفه الأبيض المليء بالميكروبات وبقايا دماء المرضى وأحيانا بولهم وقرحهم.

لديها شجاعة جأش -بالوراثة- وإن سقطت بالتقادم ففي بداية عمره سيغدق عليها بالكثير من الوسادات الخالية وتتمرن على المبيت وحدها مرات كل أسبوع.

طويلة النَفَس فسبع الامتياز الخوالي ليسوا نهاية المطاف ولا حتى أوله؛ بل هناك تخصص وتخصص دقيق ستنفق فيه من عمرها وأعصابها لتعينه على بحوثه الخاصة ودراسته الشاقة.

عصامية الطباع، غنية الأخلاق بالرضى، لا تمد عينيها إلى ما مُتع به أقرانها من زينة الدنيا، فالمشوار طويل من أجل زفر ما حبسته السنون من أنفاس الحرمان.

فكيف إذا كانت الزوجة هي الطبيبة أو كانا طبيبين؟!!
هذه الميتافزيقا لا يعلم عنها الكثير شيء، ولا يراها غير ذات الطبيب ولا يراعيها مريض ولا وزارات ولا مؤسسات بل هي نفسها باتت ضاغطة لا مدعمة وهدّامة أكثر منها بناءة.
فالطبيب كي يكون طبيبا فعليه تثبيت عرش عالمه الخاص وتأمين حاله الداخلي قبل النقش على جدارن المهنة بالبذل والعطاء، وحتى يستطيع من خلاله الانطلاق من أجل الوفاء بالقسم.
وهذه المثالية قد تنحدر إلى لا أخلاقية وتنقلب كسلاح ذي حدين –  لتكون مسمارا من ضمن مسامير نعش شرف تلك المهنة، فالاهتمام بكل مهنة لابد أن يكون بقدر أهميتها في حياة المجتمع فقد تنقلب هذه الميتافيزيقا إلى كابوس في صورة طبيب ليكون عارًا على مهنته ووطنه وسيفًا مسلطًا على رقاب مرضاه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الميتافيزيقا: مصطلح يستخدمه الفلاسفة بمعنى " ما وراء الطبيعة" أو "الحديث عن الغيبيات" واستخدم بالمقال مجازًا في إشارة إلى ما يغيب عن الناس من حياة الطبيب.