الرد على أحمد الغامدي ومن وافقه في إباحة الاختلاط
محمد بن عبد الله الهبدان
قرأت ما كتبه الأستاذ أحمد الغامدي في صحيفة عكاظ، وسأركز حديثي حول
ما ذكره من أدلة في جواز الاختلاط وأدع تهجمه وتسفيهه لغيره...
- التصنيفات: العلاقة بين الجنسين -
بسم الله الرحمن الرحيم
قرأت ما كتبه الأستاذ أحمد الغامدي في صحيفة عكاظ العدد / 3097/ ، وسأركز حديثي حول ما ذكره من أدلة في جواز الاختلاط وأدع تهجمه وتسفيهه لغيره، فأقول وبالله التوفيق:
عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «خرجت سودة بنت زمعة ليلا، فرأها عمر فعرفها، فقال : إنك والله يا سودة ما تخفين علينا، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، وهو في حجرتي يتعشى، وإن في يده لعرقا، فأنزل عليه، فرفع عنه وهو يقول: قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن» [رواه البخاري].
والجواب على ذلك من وجهين :
الوجه الأول: جاء في رواية البخاري أنه قبل الحجاب صريحاً، ففي البخاري (6240) كان عمر يقول للنبي صلى الله عليه و سلم: «احجب نساءك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه و سلم ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر ألا قد عرفناك يا سودة حرضا على أن ينزل الحجاب فأنزل الله آية الحجاب».
الوجه الثاني: لا تدخل هذه في صور الاختلاط المحرم، لأنه لقاء محدود تقتضيه طبيعة الحياة البشرية، وتلتزم فيه المرأة بالضوابط الشرعية عند تعاملها مع الرجال الأجانب ولذا نلحظ أن سودة رضي الله عنها لم ترد على عمر ولم تخاطبه بل انكفأت راجعة إلى بيتها فهل يقارن هذا بما يحدث في المستشفيات -مثلاً-سبحانك هذا بهتان عظيم.
وعن سهل بن سعد قال: «لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد ، بلت تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته، تتحفه بذلك».
قلت: أخرجه البخاري، وقد بوب عليه البخاري في صحيحه -باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس- قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه.
قلت: ومن لوازم ذلك نظر المرأة للرجال ومخالطتهم.
والجواب على ذلك :
قال الإمام النووي رحمه الله ([1]): "هذا محمول على أنه كان قبل الحجاب" ويؤكد هذا ما روي في (الاستيعاب (1/508) وأسد الغابة) (1/1138) أن أبا أسيد قد خطب على خطبة النبي صلى الله عليه وسلم عند زواجه من زينب بنت خزيمة، وكان ذلك في السنة الثالثة من الهجرة، والحجاب فرض في السنة الخامسة من الهجرة.
وعن سهل بن سعد قال: «كانت فينا امرأة، تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا ، فكانت إذا كان يوم جمعة ، تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ، ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها ، فتكون أصول السلق عرقه، وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها، فتقرب ذلك الطعام إلينا فنلعقه، وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك». [صحيح البخاري]
قلت: أخرجه البخاري، وفيه ما في الحديث السابق، وقد بوب عليه البخاري في صحيحه (باب تسليم الرجال على النساء، والنساء على الرجال) ، يعني به جواز ذلك، وفيه جواز مخالطة الرجال والنظر إليهم، فإنها كانت تقرب الطعام إليهم، وتخدمهم في دارها، كما يفيده الحديث.
وعن فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «انطلقي إلى أم شريك، وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله عز وجل، ينزل عليها الضيفان، فقلت: سأفعل قال: لا تفعلي، فإن أم شريك كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم».
قلت: أخرجه مسلم، وفيه أن أم شريك ينزل عليها الضيفان ومن لوازم ذلك الاختلاط.
والجواب على ذلك :
أولاً: أن سهل ابن سعد الذي يحكي عن نفسه الحضور إلى هذه المرأة صبي صغير كان عمره دون البلوغ، قال الزهري : كان له يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنةً، كما رواه أبو زرعة في "تاريخه"، وكيف للكاتب أن يثبت أن من معه ليسوا حُدثاء مثله، ورفيق الصبي صبيّ!.. قاله الشيخ الطريفي وفقه الله.
ثانياً: صرح سهل راوي الحديث «أنها كانت عجوزا كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تُرْسِلُ إِلَى بُضَاعَةَ » رواه البخاري (6248)، والعجائز جاءت النصوص الشرعية دالة على أن لهن بعض الخصوصية في الأحكام ، ومن ذلك قوله تعالى: { وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. [سورة النــور:60]
قال ابن كثير رحمه الله ([2]): "وقوله_{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء} قال سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان والضحاك وقتادة:" هن اللواتي انقطع عنهن الحيض ويئسن من الولد {لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً} أي لم يبق لهن تشوف إلى التزوج {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} أي ليس عليها من الحرج في التستر كما على غيرها من النساء".
قال أبو داود حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثني علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30}الآية فنسخ واستثنى من ذلك {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} قال ابن مسعود في قوله : {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} قال: الجلباب أو الرداء. وكذلك روي عن ابن عباس وابن عمر ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والزهري والأوزاعي وغيرهم. وقال أبو صالح: تضع الجلباب وتقوم بين يدي الرجل في الدرع والخمار. وقال سعيد بن جبير وغيره في قراءة عبد الله بن مسعود {أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} وهو الجلباب من فوق الخمار فلا بأس أن يضعن عند غريب أو غيره بعد أن يكون عليها خمار صفيق.
وقال سعيد بن جبير في الآية {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} يقول: "لا يتبرجن بوضع الجلباب ليرى ما عليهن من الزينة".
ثانياً: ليس في الحديث ما يدل على أنها كانت تأكل معهم فربما قدمته لهم وانصرفت .
وأما حديث أم شريك فأيضا يقال فيه كما قيل في حديث سهل رضي الله عنه ويجاب عنه بما يلي:ـ أنها كانت كبيرة في السنة قال ابن عبدالبر رحمه الله في الاستذكار (6/167) : وأما قوله : " اعتدي في بيت أم شريك، ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي في بيت ابن أم مكتوم ففيه دليل على أن المرأة المتجالّة العجوز الصالحة جائز أن يَغشاها الرجال في بيتها، ويتحدثون عندها، وكذلك لها أن تغشاهم في بيوتهم، ويرونها وتراهم فيما يَحِلّ ويَجْمُل وينفع ولا يضر.
ـ كون أم شريك تفتح بيتها للضيفان ويقوم محارمها بإكرامهم والقيام على شؤونهم فهل في ذلك حرج؟!!
ـ لم يأت في الحديث التصريح بأن الذي يقوم بالخدمة وتقديم الطعام للرجال بأنها أم شريك.
ـ أن هذا كان في أول الجهاد في سبيل الله تعالى كما قالت فَأُصِيبَ فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،مما يوحي بأنه كان قبل فرض الحجاب.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، «أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال صلى الله عليه وسلم: من يضم أو يضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت ما عندنا إلا قوت صبياني فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحك الله الليلة، وعجب من فعالكما، فأنزل الله {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون».
قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز الاختلاط، ووقوعه بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم كافٍ في جوازه.
والجواب:
أن هذا كان قبل نزول الحجاب وقبل تحريم الاختلاط، وذلك أن هذه القصة كانت سببا لنزول قوله تعالى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر:9] وهي آية من سورة الحشر، وسورة الحشر نزلت كلها في إثر جلاء بني النضير، ولذلك كان يسميها عبدالله بن عباس: سورة بني النضير، كما أخرج ذلك البخاري في صحيحه عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ سُورَةُ التَّوْبَةِ قَالَ التَّوْبَةُ هِيَ الْفَاضِحَةُ مَا زَالَتْ تَنْزِلُ وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهَا لَنْ تُبْقِيَ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا ذُكِرَ فِيهَا قَالَ قُلْتُ سُورَةُ الْأَنْفَالِ قَالَ نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ قَالَ قُلْتُ سُورَةُ الْحَشْرِ قَالَ نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ)([3])، وعندما سأل سعيد ـ بن جبير ـ ابن عباس قائلا سورة الحشر؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: قل: سورة بني النضير.
وقد أجلى النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير على أكثر الأقوال في سنة أربع، وباتفاق أهل العلم أن الأحزاب كانت بعد بني النضير، فهذا يعني أن الآية الكريمة نزلت قبل الحجاب بالإجماع، وأن القصة التي نزلت الآية بشأنها وجاءت متقدمة على نزول الآية كانت قبل سورة الأحزاب المتضمنة لآيات الحجاب، فيكون أمر هذه القصة كله قبل نزول أحكام الحجاب.
وعن عائشة أنها قالت: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟» ومعنى «كيف تجدك» أي كيف تجد نفسك، كما نقول نحن: كيف صحتك؟
قالت عائشة: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد».
قلت: أخرجه البخاري، وبوب عليه بقوله (باب عيادة النساء للرجال) قال: "وعادت أم الدرداء رجلا من أهل المسجد من الأنصار".
والجواب على ذلك:
وهذا واضح جدا أنه كان في أول مقدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمدينة والحجاب تقدم أنّه تأخر إلى السنة الخامسة فلا حجة فيه .
وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: «دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان ، تغنيان بغناء بعاث : فاضطجع على الفراش وحول وجهه» [رواه البخاري]
والجواب على ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا قبل فرض الحجاب:
قال الحافظ البيهقي في (الآداب) (207) بعد إخراج الحديث: -وكان ذلك قبل نزول الحجاب- انتهى.
وقال الحافظ ابن رجب في (الفتح): (6/73): هذا كان قبل نزول الحجاب.
وقال القاضي عياض: مبيناً أنها قبل فرض الحجاب كما في (المعلم)(3/168): "مثل هذه القصة لعائشة وهى حينئذ - والله أعلم - بقرب ابتنائه بها، وفى سن من لم يكلَفُ" انتهى، وقد تزوجت وعمرها تسع سنين يعني قبل فرض الحجاب ببضع سنين.
الوجه الثاني: كانتا جاريتين، والجارية هي البنت الصغيرة (الطفلة) التي لم تبلغ ، قال القرطبي في (المفهم): "الجارية في النساء كالغلام في الرجال، وهما يقالان على من دون البلوغ منهما".ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم «متغش بثوبه» كما في رواية البخاري (934) لا ينظر إليهما .
وتأمل قول ابن القيم: "فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر تسمية الغناء مزمار الشيطان، وأقرهما لأنهما جاريتان غير مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب، وكان اليوم يوم عيد، فتوسع حزب الشيطان في ذلك إلى صوتِ امرأةٍ جميلة أجنبيةٍ، أو صبي أمرد صوته فتنة، وصورته فتنة، يغني بما يدعو إلى الزنى والفجور وشرب الخمور مع آلات اللهو التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع التصفيق والرقص وتلك الهيئة المنكرة التي لا يستحلها أحد من أهل الأديان فضلا عن أهل العلم والإيمان، ويحتجون بغناء جويريتين غير مكلفتين بنشيد الأعراب ونحوه في الشجاعة ونحوها في يوم عيد بغير شبابة ولا دف ولا رقص ولا تصفيق ويدعون المحكم الصريح لهذا المتشابه، وهذا شأن كل مبطل، نعم نحن لا نحرم ولا نكره مثل ما كان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الوجه، وإنما نحرم نحن وسائر أهل العلم والإيمان السماع المخالف لذلك وبالله التوفيق"([4]).
وعن الربيع بنت معوذ أنها قالت: «دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، وجويريات يضربن بالدف، يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في الغد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين)» . [صحيح البخاري]
والجواب على ذلك :
- قَالَ ابن حَجَر قَوْله "كَمَجْلِسِك - بِكَسْرِ اللام - أَيْ مَكَانك, قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: "هُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ وَرَاء حِجَاب, أَوْ كَانَ قَبْل نُزُول آيَة الْحِجَاب, أَوْ جَازَ النَّظَر لِلْحَاجَةِ أَوْ عِنْد الْأَمْن مِنْ الْفِتْنَة ا ه. وَالْأَخِير هُوَ الْمُعْتَمَد, وَالَّذِي وَضَحَ لَنَا بِالأَدِلَّةِ الْقَوِيَّة أَنَّ مِنْ خَصَائِص النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَاز الْخَلْوَة بِالأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَر إِلَيْهَا, وَهُوَ الْجَوَاب الصَّحِيح عَنْ قِصَّة أُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَان فِي دُخُوله عَلَيْهَا وَنَوْمه عِنْدهَا وَتَفْلِيَتهَا رَأْسه وَلَمْ يَكُنْ بَيْنهمَا مَحْرَمِيّة وَلا زَوْجِيَّة"([5]).
واعترض القارىء في المرقاة على كلام الحافظ هذا فَقَالَ: "هذا غريبٌ فإنَّ الحَدِيثَ لا دلالة فيه على كشف وجهها، ولا على الخلوة بها، بل ينافيها مقام الزفاف، وكذا قولها: فجعلت جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ"([6]).
قلتُ: وَما قاله القاريء بينٌ واضحٌ، فأين التنصيص على الخلوة؟ وكذلك أين كشف الوجه؟
وقولها «فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي» لا يلزم منه أنّه جلس على فراشها معها، وليس فيه بيان لمجلسها من حيث القرب والبعد، بل قولها لخالد "كَمَجْلِسِكَ مِنِّي" يُشعر بالبعد لأنَّ خَالِد بْن ذَكْوَانَ ليس محرماً لها، فلا بدَّ أنْ يكون مجلسه منها بعيداً، والله أعلم". [7]
إذن لا يعني دخول النبي صلى الله عليه وسلم وجلوسه في مجلسها أنها كانت جالسة معه صلى الله عليه وسلم، لأن النصوص الشرعية قاطعة في حرمة الدخول على النساء الأجنبيات
1 ـ قوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[ الأحزاب:53] قال ابن جرير في تفسيره: "أي من وراء ستر بينكم وبينهن ولا تدخلوا عليهن بيوتهن". وقال ابن كثير في تفسيره ([8]): "أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب".
ـ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» ([9]).
عن عروة بن الزبير، عن عائشة: «أنها أخبرته, أنَّ أفلح، أخا أبي القُعَيْس، جاء يستأذن عليها. وهو عمها من الرضاعة. بعد أن أنزل الحجاب،. قالت: فأبيت أن آذن له. فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعت. فأمرني أن آذن له علي» ([10]).
فعائشة أبت عليه الدخول لأنه متقرر عندها أن هذا لا يجوز.
وعن سالم بن سريج أبي النعمان قال :« سمعت أم صبية الجهنية تقول: ربما اختلفت يدي بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد».
قلت: [أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وإسناده صحيح]، وأم صبية الجهنية ليست من محارمه صلى الله عليه وسلم، ففيه جواز الاختلاط، وجواز وضوء الرجال مع غير محارمهم من النساء، ولا يلزم منه رؤية ما لا يجوز من المرأة.
والجواب على ذلك:
- أم صبية محكومة بحكم الإماء، فهي جارية من جواري عائشة، كما رواه البيهقي في (الدعوات) (1/135) من طريق محمد بن إسماعيل عن عبدالله بن سلمة عن أبيه عن أم صبية الجهنية وكانت جارية لعائشة رضي الله عنهما.
وجارية الزوجة لا تحتجب من زوجها، وبه ينتقض فهمه .
وجاء عند الواقدي في السير قال : «حدثني عمر بن صالح بن نافع حدثتني سودة بنت أبي ضبيس الجهني أن أم صبية الجهنية قالت: كنا نكون على عهد النبي وعهد أبي بكر وصدراً من خلافة عمر في المسجد نسوة قد تجاللن وربما غزلنا فيه فقال عمر لأردنكن حرائر فأخرجنا منه».
وفي الخبر فائدتان:
الأولى: أنها متجالة يعني كبيرة .
والثانية: أنها لم تأخذ حكم الحرائر إلا زمن عمر رضي الله عنه.
وجزم مُغلطاي في شرحه (لسنن ابن ماجه) (1/217). في كونها من الموالي، والأمة ليست مأمورة بالحجاب في الإسلام، ومع ذا فقد قال: الطحاوي بعد روايته للحديث (1/25): "في هذا دليل على أن أحدهما قد كان يأخذ من الماء بعد صاحبه". [11].
عن ابن عمر قال: «كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا).
قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز الاختلاط عموما، وأنه ليس من خصوصياته عليه السلام.
وفي رواية بلفظ: «أنه ــ أي ابن عمر ــ أبصر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم، الرجال والنساء من إناء واحد، كلهم يتطهر منه».
قلت: [أخرجها ابن خزيمة، وإسنادها صحيح].
وفي رواية بلفظ: «كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله من إناء واحد، ندلي فيه أيدينا».
قلت: [أخرجها أبو داود، وإسنادها صحيح]، والمعنى في هذه الألفاظ واحد، وكلها تفيد جواز الاختلاط عموما، وقد وجهه البعض بأن القصد هو وضوء الرجل وزوجه فقط، وهو توجيه باطل، يرده منطوق تلك الروايات التي تقطع بجواز الاختلاط عموما.
والجواب على ذلك:
1 ـ أن الحادثة وقعت قبل فرض الحجاب، فلا يسوغ الاستدلال بها، قال ابن حجر ([12]): "الأولى أن يقال لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب، وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم". وذكر ابن الجوزي في تاريخ عمر ص 113 عن أبي سلامة : «انتهيت إلى عمر وهو يضرب رجالا ونساء في الحرم على حوض يتوضئون منه حتى فرق بينهم، ثم قال: يا فلان: قلت: لبيك، قال لا لبيك ولا سعديك! ألم آمرك أن تتخذ حياضا للرجال وحياضا للنساء».
2 ـ قال الشيخ الطريفي ـ وفقه الله ـ : "فلا أدري كيف يفهم ذلك، فكيف يقول النبي عن الصلاة والسلام: «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها» [صحيح مسلم ] وهو قد جمعهم قبل الصلاة يتوضؤون جميعاً، ثم يفرقهم وقت الصلاة، ولا ريب أن من فهم هذا الفَهم أساء بالنبي فهماً وتشريعاً، والمقصود به غير هذا المعنى".
يُفسر هذا الأثر ما رواه عبدالرزاق في (مصنفه) وابن جرير الطبري في (تهذيب الآثار): "عن ابن جريج، قال: سألت عطاء عن الوضوء الذي بباب المسجد، فقال له إنسان: إن أناسا يتوضئون منه، قال: لا بأس به، قلت له: أكنت متوضئا منه؟ قال: نعم، فراددته في ذلك، فقال: لا بأس، قد كان على عهد ابن عباس، وهو جعله، وقد علم أنه يتوضأ منه النساء والرجال، والأسود، والأحمر، فكان لا يرى به بأساً".
يعني يتناوبون على أواني واحدة يتوضأ منها الجميع لا تتنجس المياه بكثرتهم، ولا باختلاف أجناسهم، كما يتناوب المتأخرون على الحمامات والصنابير، وليس في ذلك دلالة على اجتماعهم في ساعة واحدة، وإنما يتناوبون، والعلماء عند الاستدلال ينظرون إلى القصد من سياق الخبر وروايته، لأن الراوي إذا قصد بيان حكمٍ في حديث لم يحترز إلا له، ولهذا لم أجد أحداً من الأئمة ممن أورد هذا الحديث إلا ويورده في أبواب عدم تنجس الماء من بقايا المرأة وفضلها، لا يخرجونه عن ذلك، لأن ذلك هو الذي تسبق إليه أفهامهم عند سماع الخبر.
وما جاء في لفظ: «كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله من إناء واحد، ندلي فيه أيدينا» يعني لا نغترف اغترافاً بأواني بل الماء تنغمس الأيدي فيه يشير إلى أنه لا يتنجس بورود المرأة فيه قبلنا وهكذا يقررها الفقهاء في جميع المذاهب الأربعة .
قال إمام المدينة الزهري مبيناً ذلك: "تتوضأ بفضلها كما تتوضأ بفضلك" وعلى هذا فسره أئمة الإسلام في القرون المفضلة.
وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة».
قلت: [أخرجه البخاري] وفيه جواز خروج المرأة في الغزو لخدمة القوم ومداواتهم، ورد الجرحى والقتلى.
والجواب على ذلك:
1 ـ قد استقر الأمر في آخر المطاف بإعفاء النساء من الجهاد والقتال وقصره على الرجال ففي الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: «نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد ؟ قال لا ، لكن أفضل الجهاد حج مبرور» [رواه البخاري] (1520) .
لما رواه ابن أبي شيبة والطبراني وغيرهما عن أم كبشة القضاعية قالت: «يا رسول الله ائذن لي أن أخرج في جيش كذا وكذا، قال: لا، قلت يا رسول الله: إنه ليس أريد أن أقاتل إنما أريد أن أداوي الجرحى والمرضى و أسقي المرضى، قال: لولا أن تكون سنة وأن يقال فلانة خرجت لأذنت لك ولكن اجلسي» ([13])
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: "وأخرجه ابن سعد عن ابن أبي شيبة وفي آخره: (اجلسي لا يتحدث الناس أن محمدا يغزو بامرأة) ويمكن الجمع بين هذا وبين ما تقدم في ترجمة أم سنان الأسلمي أن هذا ناسخ لذاك؛ لأن ذلك كان بخيبر وقد وقع قبله بأحد كما في الصحيح من حديث البراء بن عازب وكان هذا بعد الفتح" ([14])
2 ـ أن هذا محمول على الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها،قال ابن حجر ([15]) "وفيه جواز معالجة المرأة الأجنبية الرجل الأجنبي للضرورة"، قال ابن بطال "ويختص ذلك بذوات المحارم ثم بالمتجالات منهن لأن موضع الجرح لا يلتذ بلمسه بل يقشعر منه الجلد فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة ولا مس" ويدل على ذلك اتفاقهم على أن المرأة إذا ماتت ولم توجد امرأة تغسلها أن الرجل لا يباشر غسلها بالمس بل يغسلها من وراء حائل في قول بعضهم كالزهري وفي قول الأكثر تيمم وقال الأوزاعي "تدفن كما هي" قال بن المنير "الفرق بين حال المداواة وتغسيل الميت أن الغسل عبادة والمداواة ضرورة والضرورات تبيح المحظورات"
وقال الشوكاني ([16]): "وهكذا يكون حال المرأة في رد القتلى والجرحى فلا تباشر بالمس مع إمكان ما هو دونه".
3ـ أن غالب المواقف التي يستدل بها كانت قبل فرض الحجاب فتأمل ذلك.
4ـ أن يكون خروجها مع محرمها، ومن ذلك:
عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ: «كُنَّا نَمْنَعُ جَوَارِيَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ الْعِيدِ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ فَأَتَيْتُهَا فَحَدَّثَتْ أَنَّ زَوْجَ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً فَكَانَتْ أُخْتُهَا مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ» ([17]) [رواه البخاري].
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ قَالَتْ: «نَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَرِيبًا مِنِّي ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَتَبَسَّمُ..) إلى أن قال: (فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِيًا» ([18]) [رواه البخاري ومسلم].
قال ابن عبد البر ([19]) : حديث أنس أن النبي - عليه السلام «كان يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحى» [صحيح مسلم] وحديث الربيع بنت معوذ بن عفراء أنه قيل لها هل كنتن تخرجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو ؟ قالت: نعم كنا نخرج معه نسقي الجرحى ونداويهم، وهذا كله مقيد بقوله عليه السلام: «لا تسافر المرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع زوجها أو ذي محرم منها» [صحيح البخاري].
أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأخذ نساءه في معركة الخندق ([20]) بل جعلهن في أطم من آطام المدينة فكيف لا يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم الفاضل لنسائه ويأخذهن للجهاد لمداواة الجرحى وسقاية القوم ؟!! مما يدل على أن الأصل هو الاستغناء عن النساء في المعارك.
كراهية أهل العلم لدخول النساء في المعارك، قال ابن قدامة ([21]): "يكره دخول النساء الشواب أرض العدو لأنهن لسن من أهل القتال وقلما ينتفع بهن فيه لاستيلاء الخور والجبن عليهن ولا يؤمن ظفر العدو بهن فيستحلون ما حرم الله منهن وقد روى حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه أنها خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر سادسة ست نسوة فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إلينا فجئنا فرأينا منه الغضب فقال مع من خرجتن فقلنا يا رسول الله خرجنا نغزل الشعر ونعين به في سبيل الله ومعنا دواء للجرحى ونناول السهام ونسقي السويق فقال قمن حتى إذا فتح الله خيبر أسهم لنا، كما أسهم للرجال فقلت لها يا جدة ما كان ذلك قالت تمرا، قيل للأوزاعي هل كانوا يغزون معهم بالنساء في الصوائف؟ قال: لا إلا بالجواري، فأما المرأة الطاعنة في السن وهي الكبيرة إذا كان فيها نفع مثل سقي الماء ومعالجة الجرحى فلا بأس به لما روينا من الخبر وكانت أم سليم ونسيبة بنت كعب تغزوان مع النبي صلى الله عليه وسلم فأما نسيبه فكانت تقاتل وقطعت يدها يوم اليمامة وقالت الربيع كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم لسقي الماء ومعالجة الجرحى".
عَنْ أَنَسٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مَعَهَا مِنْ الْأَنْصَارِ يَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى» ([22])) [رواه الترمذي وصححه].
فإن قيل فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج معه من تقع عليها القرعة من نسائه وخرج بعائشة مرات قيل تلك امرأة واحدة يأخذها لحاجته إليها ويجوز مثل ذلك للأمير عند حاجته ولا يرخص لسائر الرعية لئلا يفضي إلى ما ذكرنا.
وقال : "وقد يتعلق بعض دعاة الاختلاط ببعض ظواهر النصوص الشرعية التي لا يدرك مغزاها ومرماها إلا من نور الله قلبه وتفقه في دين الله وضم الأدلة الشرعية بعضها إلى بعض وكانت في تصوره وحدة لا يتجزأ بعضها عن بعض".
ومن ذلك خروج بعض النساء مع الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات
والجواب عن ذلك:
أن خروجهن كان مع محارمهن لمصالح كثيرة لا يترتب عليه ما يخشى عليهن من الفساد لإيمانهن وتقواهن وإشراف محارمهن عليهن وعنايتهن بالحجاب بعد نزول آيته، بخلاف حال الكثير من نساء العصر، ومعلوم أن خروج المرأة من بيتها إلى العلم يختلف تماماً عن الحالة التي خرجن بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو، فقياس هذه على تلك يعتبر قياساً مع الفارق، وأيضاً فما الذي فهمه السلف الصالح حول هذا وهم لاشك أدرى بمعاني النصوص من غيرهم وأقرب إلى التطبيق العملي بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فما هو الذي نقل عنهم على مدار الزمن؟ هل وسعوا الدائرة كما ينادي دعاة الاختلاط فنقلوا ما ورد في ذلك إلى أن تعمل المرأة في كل ميدان من ميادين الرجال، تزاحمهم ويزاحمونها وتختلط معهم ويختلطون معها؟ أم أنهم فهموا أن تلك قضايا معينة لا تتعداها إلى غيرها؟
وإذا استعرضنا الفتوحات الإسلامية والغزوات على مدار التاريخ لم نجد هذه الظاهرة، أما ما يدعى في هذا العصر من إدخالها كجندي يحمل السلاح ويقاتل كالرجال فهو لا يتعدى أن يكون وسيلة لإفساد وتذويب أخلاق الجيوش باسم الترفيه عن الجنود لأن طبيعة الرجل إذا التقت مع طبيعة المرأة كان منهما عند الخلوة ما يكون بين كل رجل وامرأة من الميل والأنس والاستراحة إلى الحديث والكلام، وبعض الشيء يجر إلى بعض، وإغلاق باب الفتنة أحكم وأحزم وأبعد من الندامة في المستقبل.
أين الجهاد الذي يدعو إليه دعاة الاختلاط لمشاركة نساء المسلمين فيه وأن يفتح باب التطوع ـ ولو توافر الرجال ـ للمشاركة لمن آنست من نفسها قوة وهمة..ألا يفرق بين أن تدخل المرأة سلك الجندية النظامية لتصبح ضابطة في الجيش أو حارسة أو نحوها من الأعمال وبين أن تذهب المرأة مع زوجها ومحرمها لتشارك في الجهاد إن وجد ؟!!
جميع اللاتي شاركن في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم لا يتجاوز عددهن الثلاثين مما يدل على أن النساء ما كن يخرجن إلا تبعاً لأزواجهن كرسول الله صلى الله عليه وسلم تخرج معه من خرج سهامها وإلا فالأصل أن تبقى الأم لرعاية الأمانة الكبرى في تربية الأبناء ورعايتهم.
فممن ذكر أنهن شاركن: عائشة رضي الله عنها، وأم سليم، أم سليط، الربيع بنت معوذ، أم عطية، أم سنان الأسلمية، أم أيمن، سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كعبية بنت سعد، أم مطاع، أم عامر الأشهلية، أم الضحاك بنت مسعود، هند بنت عمرو، أم عمارة، أم العلاء الأنصارية.
_ وأخيراً .. كثيراً من هذه الإشكالات التي تورد على الأحاديث الصحيحة إنّما هي إشكالات تعرض نتيجةً لضعفِ التسليم لله ولرسوله r، أو لقلة العلم، أو لضعف الديانة، أو لنصرة مذهب وقول، وكلما بعد الزمان أثيرت شبهات وإشكالات متوهمة لم تكن عند السلف الصالح وهذا مصداق لقوله: «لا يَأْتِي زَمَانٌ إِلا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ» ([23])، ولقوله: «إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» ([24])، وقد كان العلماء السابقون يقرأون هذه الأحاديث الصحيحة ولا يقفون عندها لقوة التسليم لله ولرسوله، ومتانة العلم والبصيرة، وقوة الديانة وصلابتها، وسلامة الفطر، قَالَ تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] نسأل الله أن يرزقنا نورا يملأ قلوبنا يقينا وتسليماً.
ولله در الشاطبيُّ حيث قَالَ: "ولذلك لا تجد فرقةً من الفرقِ الضالة ولا أحد من المختلفين في الأحكام لا الفروعية ولا الأصولية يعجز عن الاستدلال على مذهبه بظواهر من الأدلة"، وقد مرّ من ذلك أمثلة، بل قد شاهدنا ورأينا من الفساق من يستدل على مسائل الفسق بأدلة ينسبها إلى الشريعة المنزهة، وفى كتب التواريخ والأخبار من ذلك أطراف ما أشنعها في الافتئات على الشريعة، وانظر في مسألة (التداوي من الخمار في درة الغواص للحريري) وأشباهها بل قد استدل بعض النصارى على صحة ما هم عليه الآن بالقرآن ثم تحيل فاستدل على أنهم مع ذلك كالمسلمين في التوحيد سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.
-----------------------------
[1]- في شرحه على صحيح مسلم (13/177)
[2]- (3/304)
[3]-ورقمه (4882)
([4]) إغاثة اللهفان (1/257).
([5])فتح الباري (9/203).
([6]) مرقاة المفاتيح (3/419).
[7] ـ ينظر : كتاب إشكال وجوابه ص 46 للدكتور علي الصياح ـ مهم ـ .
[8]- (3/506)
[9] ـ رواه البخاري ورقمه (5232) ومسلم (2172) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه .
[10]- رواه مسلم ورقمه (1445)
[11] ـ قاله الشيخ عبدالعزيز الطريفي في رده على الكاتب المذكور .
[12]- في الفتح (1/300)
[13] ـ رواه ابن أبي شيبة (32987) والطبراني في الكبير (20428) قال في المجمع (5/324): (رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح ) .
[14] ـ الإصابة (8/283) .
[15] ـ في فتح الباري (6/ 80)
1- في نيل الأوطار (8/ 63)
1- ورقمه (980)
2 ـ البخاري (2800) ومسلم (1912)
[19]- في الاستذكار (1/302)
[20]- رواه الحاكم (4/56) من حديث صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
[21]- في المغني (9/174)
[22]- ورقمه (1575)
([23])أخرجه: البخاري في صحيحه، كتاب الفتن، باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه (6/2591رقم6657) من حَدِيث أنس بن مالك رضي الله عنه .
([24])أخرجه: البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم (1/50رقم100)، ومسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم (4/2058رقم2673) من حَدِيث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه .
[1]- في شرحه على صحيح مسلم (13/177)
[2]- (3/304)
[3]-ورقمه (4882)
([4]) إغاثة اللهفان (1/257).
([5])فتح الباري (9/203).
([6]) مرقاة المفاتيح (3/419).
[7] ـ ينظر : كتاب إشكال وجوابه ص 46 للدكتور علي الصياح ـ مهم ـ .
[8]- (3/506)
[9] ـ رواه البخاري ورقمه (5232) ومسلم (2172) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه .
[10]- رواه مسلم ورقمه (1445)
[11] ـ قاله الشيخ عبدالعزيز الطريفي في رده على الكاتب المذكور .
[12]- في الفتح (1/300)
[13] ـ رواه ابن أبي شيبة (32987) والطبراني في الكبير (20428) قال في المجمع (5/324): (رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح ) .
[14] ـ الإصابة (8/283) .
[15] ـ في فتح الباري (6/ 80)
1- في نيل الأوطار (8/ 63)
1- ورقمه (980)
2 ـ البخاري (2800) ومسلم (1912)
[19]- في الاستذكار (1/302)
[20]- رواه الحاكم (4/56) من حديث صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
[21]- في المغني (9/174)
[22]- ورقمه (1575)
([23])أخرجه: البخاري في صحيحه، كتاب الفتن، باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه (6/2591رقم6657) من حَدِيث أنس بن مالك رضي الله عنه .
([24])أخرجه: البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم (1/50رقم100)، ومسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم (4/2058رقم2673) من حَدِيث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه .
المصدر: موقع الشيخ محمد الهبدان