النبي وأصحابه
محمد علي يوسف
لقد كان ﷺ يعرف أصحابه؛ ليست معرفة عابرة سطحية كتلك التي يتعارف بها الخلق اليوم ولكن معرفة حقيقية عميقة تدفعه لأن يتلمس حالهم ويدرك صفاتهم ويتذكر خصالهم ويطمئن عليهم وليكتمل مشهد حنان وود يليق بخاتم النبيين وسيد المرسلين.
- التصنيفات: السيرة النبوية - أخلاق إسلامية -
أن يعرفه أصحابه ويحبوه تلك المحبة العظيمة؛ فذلك هو الطبيعي والمتوقع؛ لكن أن يعرفهم هو ويعلم آحادهم ويعي خصائصهم فذاك أمر آخر..
ولقد كان ﷺ يعرف أصحابه؛ ليست معرفة عابرة سطحية كتلك التي يتعارف بها الخلق اليوم ولكن معرفة حقيقية عميقة تدفعه لأن يتلمس حالهم ويدرك صفاتهم ويتذكر خصالهم ويطمئن عليهم وليكتمل مشهد حنان وود يليق بخاتم النبيين وسيد المرسلين.
- « »
- « »
هكذا صاح يوم تبوك حين تأخر عن الركب أبو خيثمة وأبو ذر الغفاري؛ فظن البعض أنهما قد تخلفا مع من تخلف
لكنه كان يعرفهما ويعلم حالهما ويحسن الظن بهما؛ ليس مثلهما يتخلف؛ لذلك لما تبدى في الأفق ظل يزول به السَّراب قالها بثقة العارف المستوثق. « »؛ « ».
وبالفعل كان أبا ذر؛ ثم كان أبا خيثمة.
حتى من لا يُعرف بين الناس ولا يأبه به أحد أو يعتني بحضوره أو غيابه؛ كان رسول الله يعرفه ويفتقده؛ ها هو يسأل مستفهما بعد إحدى الغزوات : «
- ما نفقد من أحد يا رسول الله
- « »
لم ينس ذلك الفقير الدميم الذي لا يعرفه كثير من الناس؛ بل يفتقده ويتلمس حاله ثم يبحث عنه حتى يجده مضرجا في دمائه وحوله سبعة من المشركين قد جندلهم بسيفه قبل أن يرزق الشهادة.
وحين يجده يسارع إليه بلهفة حانية قائلا: «النبي صلى الله عليه وسلّم.
» (رواه مسلم)؛ يقولُها مِرارًا ثم يضعه على ساعده المبارك ما له سريرٌ حينئذ إلَّا ذراعيإنه حنان لم ينقطع حتى بعد الموت؛ تماما كما فعل مع عبد الله ذي البجاذين؛ ذلك الفقير الآخر الذي عرفه وأحبه وحنى عليه حيا وميتا فأصر أن يدفنه بيده الشريفة ومعه صاحباه يقول لهما بحنان جارف: « »؛ حتى إذا أسجى جسده قال : « »(رواه ابن هشام عن ابن اسحاق و ضعفه بعضهم).
ما أطيبها من كلمات وما أشرفه من موقف تمنى من رواه أن يكون مكان ذي البجاذين لما رأى من حنانه به وحرصه عليه.
حرص يدفع صاحبه للاطمئنان على حياة أصحابه ودقائق أحوالهم الاجتماعية. ها هو مشهد أبوي يقطر منه الحنو والحرص والتماس الحال والمآل وهو يسير إلى جوار هذا الشاب الفقير؛ إنه جابر بن عبد الله بن حرام؛ لم ينس أنه قد فقد أباه يوم أحد وصار مسؤولا وحده عن تركة ثقيلة من فتيات يتيمات متعلقات بعنقه؛ لم يغفل عن كونه شابا يافعا بحاجة للزواج؛ وها هو يسأله بلهجة الأب الحنون المهتم بأبنائه:
- «
- نعم يا رسول الله
لم ينته الأمر على ذلك؛ لابد من مزيد اطمئنان وكمال حنان.
- « »
- بل ثيبا يا رسول الله
- « »
- يا رسول الله هلَك أبي فترَك تسعَ بناتٍ، فكرِهْتُ أن أَجيئَهُنَّ بمثلِهِنَّ، فتزوجْتُ امرأةً تقومُ عليهِنَّ وتُصْلِحُهُنَّ
- « » (رواه البخاري).
لقد بلغت درجة حرصه أن يسأله عن تفاصيل ربما لا يهتم بها أحد؛ لكنه كان بمثابة الوالد الشفوق لأصحابه
والوالد يعرف أبناءه