طيب كلامه صلى الله عليه وسلّم
محمد علي يوسف
- التصنيفات: السيرة النبوية - أخلاق إسلامية - محبة النبي صلى الله عليه وسلم -
ومن أوضح الجوانب في شخصيته ﷺ ذلك الجانب الذي يمكننا أن نسميه بالذوق وطيب الكلم وانتقاء أجمل الألفاظ وأرقاها.
لقد كان بأبي هو وأمي ينتقي من الكلمات أحسنها وألطفها وأرقها؛ يظهر ذلك في ما لا يحصى من المواقف والكلمات التي كان يحرص على قولها لأصحابه في شتى المناسبات.
تأمل قوله عن صاحبه الصدِّيق رضي الله عنه:
- « »؛ « ؛ »
هكذا خرجت منه تلك الكلمات الرقراقة في شأنه؛ في شأن صاحبه ورفيق دربه؛ وهكذا يكرر… صاحبي… صاحبي.
- «
»هكذا كانت كلماته الحانية تضمد جراح الصديق مرة بعد مرة وفي مناسبة تلو مناسبة؛ وليس فقط أبا بكر من خصه بذلك الحنان من أصحابه.
تحدثنا من قبل عن كلماته لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما وحرصه على تلمس حاله وقد فقد أباه يوم أحد وصار مسؤولا وحده عن تركة ثقيلة من فتيات يتيمات متعلقات بعنقه.
- « »
- نعم يا رسول الله؛ لم ينته الأمر على ذلك؛ لابد من مزيد اطمئنان وكمال حنان.
- « »
- بل ثيبا يا رسول الله
- « »
- يا رسول الله هلَك أبي فترَك تسعَ بناتٍ، فكرِهْتُ أن أَجيئَهُنَّ بمثلِهِنَّ، فتزوجْتُ امرأةً تقومُ عليهِنَّ وتُصْلِحُهُنَّ
- « » أو قال: « »
لقد بلغت درجة حرصه أن يسأله عن تفاصيل ربما لا يهتم بها أحد ويعتني بأدق شؤونه بكلمات تقطر بحنان الأبوة
وها هو يكرم جرير بن عبد الله البجلي يوم إسلامه ببردته كهدية رقيقة فرحا به وحفاوة وإكرام وما يراه بعد ذلك إلا ويتبسم في وجهه مكرما إياه.
وحين يأتيه حذيفة بخبر القوم يوم الأحزاب يقربه ويهدىء من روع هذا اليوم العصيب ووقعه عليه؛ بل و يلبسه عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم يزل نائما حتى الصباح متدثرا بثوب النبي فلما استيقظ يداعبه متلطفا وقائلا: « ».
ويوم قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة وقد صادف يوم وصوله فتح خيبر يعاجله بكلمات حانية تقطر مودة يستقبله بها قائلا : «
».كان يحرص على طيب الكلم مع أصحابه حتى عند نصحهم فيختار كلمات ونصائح تحمل رسالة واضحة
رسالة فحواها؛ أنه يعرفهم جيدا ويهتم بأمرهم.
يعرف خصالهم وخصائص كل منهم ويبين لهم ذلك؛ يقول للأشج بن عبد قيس «
»؛ يعرف خصاله ويبشره ويهديه تلك الكلمات الرائعة.ويثني على عبد الله بن عمر بين يدي نصحه بقيام الليل مقدما النصح بقول طيب: «
تأمل… .. « »؛ كانت كلماته الحانية تسبق نصحه وبيانه.
وحين أراد أن ينصح لمعاذ بن جبل قدم النصح بقول يا معاذُ ! «
»؛ ثم أردف: « ».وحين وجد عليه الأنصار لما أعطى أهل مكة من المؤلفة قلوبهم ووكل الأنصار لإيمانهم سارع لتطييب نفوسهم وجبر خاطرهم بمجرد أن سمع كلمات سعد بنُ عُبادةَ رضى الله عنه : يا رسولَ اللهِ إنَّ هذا الحَيَّ مِن الأنصارِ قد وَجدوا علَيكَ في أنفسِهِم ؟
لقد تسرب إلى نفوسهم نوع من الحزن و تردد بينهم أن رسول الله قد عاد إلى قومه و جافاهم؛ ورغم أنه أولى الناس بالثقة في أفعاله وتصرفاته إلا إنه لإدراكه طبيعة النفس البشرية التي تحتاج دوما إلى البيان و الوضوح ولإدراكه أيضا لمداخل الشيطان إلى القلوب؛ لم يفعل مثلما يفعل الآخرون؛ لم يرفض الأمر من بابه ولم يضع الحواجز بينه وبين القوم معتمدا على الثقة المفترضة والمتوقعة. ولكنه قدر مشاعرهم واختار الوضوح والبيان والكلمة الطيبة والرفق ولين القول: « ». . .
فقالوا: المَّنُ للهِ ورسولِهِ.
- « »
وضوح و شفافية كاملة حينما احتاج الأمر إليها. لقد بين العلة ولم يترك مجالا للظنون وأوضح سبب ما فعل ولم يفته أن ينزل الأنصار منزلتهم ويذكر فضلهم؛ ثم جاء موعد اللمسة الحانية والكلمة الرقراقة الرقيقة.
- «
- رَضينا باللهِ رَبًّا ، ورسولِهِ قسمًا.
هكذا قالوها وقد أخضلوا لحاهم بدمعات التأثر وعبرات الفرحة بذلك التكريم وتلك الكلمات التي تقطر بالذوق والحنان؛ هكذا كان حبيبنا؛ وهكذا فلنكن.