[55] التحرش بالمرأة
أسباب التحرش فهي كثيرة، لكن من أهمها: أولًا: ضعف الإيمان: فالمتحرِّش هو إنسانٌ ضعيف الإيمان، رقيق الدين، ليس له علاقة بالله تعصمه، ولا عبادة تشغله، ولا وِرْد من القرآن والذكر يؤنس وحشته، فلما أعرض عن الله آخاه الشيطان، فاستوحش، فذهب يبحث عن شيء يؤنس وحشته ويُذهب عن قلبه ظلمتَه، فظن أن ذلك في التحرش بالفتيات والنساء، وصدق سبحانه: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرينٌ}[الزخرف:36].
- التصنيفات: خطب الجمعة -
الخطبة الأولى:
موضوعنا اليوم عن ظاهرة سيئة للحذر والتحذير منها؛ هذه الظاهرة تحدث من بعض من تدنت أخلاقهم وضعف إيمانهم، حديثنا عن التحرش بالمرأة؛ ومحاولة بعض الأشخاص المعتدين ليفسد أخلاق من يتحرّش بهن، وإغرائهن على ارتكاب أفعال قبيحة ومرفوضة في الشرع والأخلاق والعرف. بأشكالٍ مختلفةٍ من الإيذاء، كالتحرش اللفظي؛ والتحرش الجسدي؛ والتحرش بإرسال الرسائل والمعاكسات الهاتفية، والترقيم بأنواعه، في الأسواق وأماكن الترفيه والنـزهة، إضافةً إلى أماكن العمل التي بها اختلاط بين الجنسين.
أما أسباب التحرش فهي كثيرة، لكن من أهمها: أولًا: ضعف الإيمان: فالمتحرِّش هو إنسانٌ ضعيف الإيمان، رقيق الدين، ليس له علاقة بالله تعصمه، ولا عبادة تشغله، ولا وِرْد من القرآن والذكر يؤنس وحشته، فلما أعرض عن الله آخاه الشيطان، فاستوحش، فذهب يبحث عن شيء يؤنس وحشته ويُذهب عن قلبه ظلمتَه، فظن أن ذلك في التحرش بالفتيات والنساء، وصدق سبحانه: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرينٌ}[الزخرف:36].
ثانيًا: الفراغ؛ فالفراغُ إذا لم يستغل بما ينفع فهو داءٌ قتَّالٌ للفكر والعقل والطاقات الجسمية، إذ إن النفس لا بد لها من حركة وعمل، فإذا كانت فارغةً من ذلك تَبَلّدَ الفكر، واستولت الوساوس والأفكار الرديئة على القلب.
ثالثًا: الإباحية التي تجتاح وسائل الإعلام ووسائل التقنيات الحديثة، وخاصة في الأفلام والأغاني، والتي تخصصت في إثارة الغرائز وعرض أجساد النساء لدرجة جعلت من بعض الشباب لا يفكر إلا في كيفية إشباع شهوته الجنسية.
رابعًا: تعقيد الزواج وتأخيره، وسهولة الحرام وتيسيره. مع عدم مراعاة ظروف الشباب المعيشية.
خامسًا: تبرُّجُ النساء وغياب المحرم الغيور؛ فانتشر التبرج، وتغير مفهوم الحجاب الشرعي من عبادة إلى عادة لا علاقة لها بالعبادة، فصار الحجاب موضة من الموضات، فظهرت العباءات المزركشة والملونة والضيقة والشفافة، والمفتوحة، وتجرأت كثير من الفتيات على كشف وجوههن ووضع المكياج والزينة، إضافة إلى العطور الفواحة.
سادسًا: الاختلاط بين الجنسين وخاصةً في دوائر العمل، وبعض أماكن التعليم.
وهناك أسباب أخرى للتحرش: كشربِ الخمور وتعاطي المخدرات، والصحبةِ السيئة، وضعفِ سلطة الوالدين، وتساهلِ المجتمع في النظر إلى التحرُّش باعتباره أمرًا عارضًا أو نزوة مراهق أو مراهقة؛ أو باعتباره شطارة وفهلوة عند البعض، إضافة إلى غياب دور شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند أفراد المجتمع؛ وعدم الإنكار على المتحرش أو المعاكس وغير ذلك من الأسباب.
إخوة الإيمان، إن أضرار التحرش كثيرة في الدنيا والآخرة، سواءً على المُتحرِش أو المتحَرَش بها؛ والمرأة أو الفتاة إن كانت راضيةً بالتحرش ومشارِكةً فيه، أو تتعمد التبرج والتزين والتطيب أثناء خروجها إلى الأسواق وغيرها فهي آثمة مجرمة مفسدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » [صحيح الجامع: 3330]. والغراب الأعصم هو الأبيض اليدين وهذا لا يكاد يوجد.
وإن أكثر المتحرشين والمعاكسين يمارسون التحرش وهم في انشراح، ويظنّون أن هذا العمل ما هو إلا ذنب صغير، وهؤلاء يقال له: ظنكم في غير محله؛ لأن التحرش من الفواحش والمنكرات التي تجلب على صاحبها غضبَ الله سبحانه، وتجلب له أضرارًا كبيرة في الدنيا والآخرة، منها:
أولًا: التحرش وسيلةٌ لوقوع الفاحشة، فهو خطوةٌ أولى من الخطوات الشيطانية في الطريق إلى الفاحشة والهلاك، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [النور:21].
ثانيًا: التحرش بالكلمة أو بالفعل من أسوأ ألوان التعامل مع المرأة، وقد ذم الشرع الشخص الذي يفحش في كلامه أو فعله، قال صلى الله عليه وسلم: « » [صحيح الترمذي: 2002].
ثالثًا: التحرش والمعاكسات فيها تتبُّعٌ لعورات المسلمين، وقد توعد رسول الله المتتبعين للعورات بقوله: «
» [صحيح الجامع: 7984]رابعًا: التحرش فيه اعتداء على عرض المسلم، وقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: «صحيح مسلم: 2564].
» [خامسًا: التحرش إيذاء للمؤمنين والمؤمنات، واستحلال لأعراضهم، وهذا من أقبح الذنوب.
سادسًا: قد يكون التحرش بامرأة متزوجة ، فيكون التحرش بها سعيًا في إفسادِها على زوجها ، وهذا يستجلب غضب الله على المتحرش أو المعاكس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «
» [صحيح الجامع: 5437]سابعًا: التحرش يسبب حدوث الشقاق والجرائم في المجتمع. وما أكثر القضايا في هيئات التحقيق والمحاكم بسبب التحرش.
ومن أضرار التحرش على المتحرش نفسه أنه يعاجل بعقوبة نفسية تُفقده الثقةَ تمامًا بالنساء، حتى لو تزوج مستقبلًا بفتاةٍ عفيفة فإنه ربما سيقارن بينها وبين من عرفهن في السابق، فيبدأ بالشك في كل سلوك تقوم به زوجته، فإن نظرت زوجته يمينًا أو شمالًا شك في أنها تبحث عن صديقٍ لها، وإذا تحدثت بالهاتف فربما تتحدث مع صديقٍ لها بصيغة المؤنث كما كانت تفعل الفتيات معه سابقًا، إلى آخره، وهذا كله بسبب شؤم المعاصي التي ارتكبها قبل الزواج.
وهناك عقوبة أخرى يجدها المتحرش في حياته الزوجية في المستقبل، وهي الشعور بالحنين الفاجر إلى العلاقات السابقة مع الفتيات، فيشعر ربما بوحشة شديدة بينه وبين زوجته؛ لأنه اعتاد على إقامة العلاقات قبلها من واحدة إلى أخرى، فتظهر المشكلات بينه وبين زوجته، ويختل الميزان بينهما، وربما يحدث الانفصال بسبب ذلك، فلا هو استقر في حياته الزوجية، ولا هو سلم من تبعات علاقاته السابقة المحرمة.
عافانا الله وإياكم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله.
الخطبة الثانية:
حَرَصَ الإسلامُ على تربية أتباعه على الأخلاق والمثل العليا، وأن يقيم فيهم القيم الفاضلة؛ وصان المرأة وحافظ عليها، وحذرنا ربنا من القرب من الفواحش وعدم الوقوع في مقدماتها؛ قال عز وجل: {وَلا تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام:151].
ولا بد من وقوفنا جميعًا ضد التبرج والسفور الذي انتشر، وذلك من خلال مراجعة الفهم الصحيح للحجاب ونشره بين الناس، فالحجاب ليس زيًا أو لباسًا يُرتدى أو يلبس كيفما اتفق أو على رغبة المرأة وهواها! لا، الحجاب منظومة أخلاقية وإيمانية متكاملة ومتوازنة، إن الحجاب الذي لا يحجب الأنظار وإنما يجلب الأنظار لهو حجاب يحتاج إلى حجاب. وهذا من تبرج الجاهلية الأولى الذي نهينا عنه، ويتسبب في فتنة الشباب ووقوع التحرشات والاعتداءات. ومسؤولية تعليمهن ونصحهن والأخذ على أيديهن تقع على أيدي الرجال الذين جعل الله سبحانه القِوامة بأيديهم. كما أن مرافقة المحرم لمحارمه حال خروجهن حمايةٌ لهن وأمان واطمئنان.
وإن تيسير الزواج والتعجيل به إن أمكن أمر حسن، فإن في الزواج المبكر حفظ للشباب والبنات. ولا بد من القضاء على أوقات الفراغ في حياة الشباب، ولا يشترط أن يقضي الشباب فراغه في الحفظ وتعلم العلم؛ بل كل حسب وجهته، حتى لو في الأمور المباحة كالرياضة وغيرها.
ولا بد من زيادة الجرعات الإيمانية وتوجيه الشباب لاختيار الصحبة الطيبة ومعالجة البطالة المتفشية، ووجود الرقابة المنضبطة من قبل الوالدين، ولا بد من متابعة ومراقبة وسائل الإعلام كل حسب مسؤوليته، كذلك لابد من وجود العقاب الرادع بالجهات الرسمية لمن تسول له نفسه الوقوع في التحرش والمعاكسات؛ لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
ختامًا؛ نقول لكل متحرش أو معاكس: اعلم أن من أشد الأذى أذى العرض، وإذا كنت لا ترضى أن يؤذيك أحد في أمك أو أختك أو زوجتك، فكذلك الناس لا يرضونه لأهليهم. كذلك، عليك أن تعلم أن الله معك في خلواتك، وأنه يراك في حركاتك وسكناتك، وأنه يسمعُ كلَّ كلماتك، ويرى كلَّ أفعالك؛ بل ويعلمُ ما توسوس به نفسُك. بماذا ستجيبُ الله سبحانه إذا وقفت بين يديه فسألك عن كل كلمةٍ حرام، أو خطوةٍ حرام، {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الرخرف:80].
اللهم قنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، واغننا اللهم بحلالك عن حرامك.