[71] الجنة
الجنة هي الجزاء العظيم والثواب الجزيل والدار الأبدية التي أعدها الله لأوليائه وأهل طاعته، وهي نعيم كامل لا يشوبه نقص ولا يعكر صفوَه كدر، يقول الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل:30].
- التصنيفات: خطب الجمعة -
الخطبة الأولى:
أما بعد: فقد خلقنا الله تعالى لعبادته، ومن أراد النعيم الدائم فليغتنم هذه الحياةَ الدنيا بالعمل الصالح، وليغتنم الشباب والصحة والغنى والفراغ بصالح الأعمال، فالواجب أن نعمل في هذه الحياة الدنيا القصيرة، لنسعد في الحياة الآخرة الأبدية، {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} [التوبة:38].
وإن الجنة هي الجزاء العظيم والثواب الجزيل والدار الأبدية التي أعدها الله لأوليائه وأهل طاعته، وهي نعيم كامل لا يشوبه نقص ولا يعكر صفوَه كدر، يقول الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل:30].
عباد الله، نقف مع بعض الآيات والأحاديث عن الجنة وما فيها من نعيم، ليزداد شوقنا إلى الجنة، فيكون ذلك حافزًا لنا بإذن الله للعمل بجدٍ بالأعمال التي تقرب منها، والابتعاد عن الأعمال التي تبعد عنها. فالأمر جِدٌّ فالآخرة إما جنة وإما نار. يقول الله تعالى في الحديث القدسي: «البخاري؛ برقم: [4780]).
» (صحيحالجنة عالية ودرجاتها عالية؛ في الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: «
» (صحيح الترمذي؛ برقم: [2531])، أعلى هذه الدرجات الوسيلة؛ التي نرجو ونسأل الله بعد كل أذان أن تكون لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.وأعلى أهل الجنة منـزلة هم الذين غرس الله كرامتهم بيده وختم عليها فلم ترَ مِثلَها عينٌ ولم تسمع مثلَها أذنٌ ولم يخطرْ على قلب بشر، وأما أدناهم منـزلة فهم من يعطى مثل مُلك مَلك من ملوك الدنيا عشر مرات كما في حديث المغيرة عند مسلم.
ودرجاتها تتفاوت حسبَ إيمانِ أهلِها؛ وإخلاصِهم، وكثرةِ أعمالِهم الصالحة، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: «صحيح مسلم؛ برقم: [2831]).
» (وفي الجنة قصورٌ مبنية من الذهب والفضة تَسُرّ الناظرين ويَتَنَعم بها الساكنون، قال صلى الله عليه وسلم عن بنائها: الجنةُ بناؤها «
» (صحيح الجامع؛ برقم: [3116])، وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح الجامع؛ برقم: [2123])، وقال صلى لله عليه وسلم: « » (صحيح مسلم؛ برقم: [2838])، وتراب الجنة المسك والزعفران كما في حديث أنس رضي الله عنه.وللجنة رائحةٌ عَبِقَةٌ زكيةٌ تملأ جنباتها، وهذه الرائحة يجدها المؤمن من مسافات شاسعة، ففي الحديث أنها توجد من مسيرة أربعين سنة، وفي رواية من مسيرة سبعين سنة. وفي الجنة الحدائقُ والأعناب والنخيل والرمان والفاكهة والسدرُ المنضودُ وغيرُها. وثمر هذا الشجر لا ينقطع، بل أُكُلُها دائم وما له من نفاد، ومن أشجار الجنة شجرةٌ يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائةَ عامٍ وما يقطعها كما في حديث أبي سعيد المتفق عليه، ومنها سدرة المنتهى التي رآها صلى الله عليه وسلم عند معراجه.
وسيقان أشجار الجنة من الذهب كما في حديث أبي هريرة، قال صلى الله عليه وسلم: «ذكر الله. ويأكل ويتفكه أهل الجنة في الجنة، ففيها ما تشتهيه الأنفس من المآكل والمشارب، والطيور والدواب، ويقال لهم: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24].
» (صحيح الترمذي؛ برقم: [2525]). وكثرة أشجار الجنة للمؤمن بإكثاره منوفي الجنة أنهار متعددة، قال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد:15]. وفي الجنة عُيونٌ عذبةٌ؛ منها عينُ الكافور، وعين التسنيم، وعين السلسبيل، كما وردت بذلك الآيات.
عباد الله، إنَّ فضلات الأكل والشرب في الجنة مسكًا؛ فكيف بطعام وشراب الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: «
» (صحيح مسلم؛ برقم: [2835]).ولأهل الجنة في الجنة زوجات عفيفات جميلات، منهن نساء الدنيا، ومنهن الحور العين، فأما نساء الدنيا فزوجة المؤمن في الدنيا زوجته في الآخرة إذا دخلت الجنة، وتكون مع الحور العين؛ وتكون أجملَهن، قال تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف:70].
وأما الحور العين فهن حورٌ عينٌ؛ كواعبٌ؛ أبكارٌ؛ عربًا أترابًا؛ كأنهن الياقوت والمرجان، وفي الحديث المتفق عليه قال صلى الله عليه وسلم: «صحيح البخاري؛ برقم: [2796]).
» (صحيح مسلم؛ برقم: [2834])، وروى البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: « » (ويعطى المؤمن في الجنة قوةَ مائة رجل، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (المعجم الأوسط: [3/72]). وجَمَالُ أهل الجنة يفوق الخيال، قال صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح البخاري؛ برقم: [3327]).
وأخبر صلى الله عليه وسلم «الجمعة؛ ويعودون منه بجمال أشد من جمالهم الأول، كما في حديث أنس رضي الله عنه عند مسلم.
» (مسند أحمد: [15/74])، وأخبر صلى الله عليه وسلم عن خِلقتهم أنها « » (صحيح البخاري؛ برقم: [3327]). وفي الجنة سوق يتمتع أهل الجنة فيها يوموفي الجنة الألبسة الجميلة الناعمة من الحرير من السندسُ والإستبرقُ، والحلي الغالية من الذهب والفضة واللؤلؤ، والأواني من الذهب والفضة؛ في البخاري من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: «
» (صحيح مسلم؛ برقم: [2834]).وثياب أهل الجنة وحليهم لا تبلى ولا تفنى، ففي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: «
» (صحيح مسلم؛ برقم: [2836]).اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل.
الخطبة الثانية:
كل الجنة نعيم عظيم لا يَمل منه أهل الجنة، ألا وإنّ أفضل ما يُعطَونه فيها رضوان الله تعالى عليهم، ففي حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
» (صحيح مسلم؛ برقم: [2829]).ألا وإنّ أحب شيء إلى أهل الجنة النظرُ إلى وجه الله الكريم، قال صلى الله عليه وسلم: «
» (صحيح مسلم؛ برقم: [181]).إخوة الإيمان، إنّ من دخل الجنة لم يخرج منها، بل يخلد فيها أبد الآباد، قال تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [ق:34]، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه: ينادي منادٍ لأهل الجنة: « {ونودوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (الأعراف:43)» (صحيح مسلم؛ برقم: [2837]).
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك نعيمًا لا ينفد، ونسألك قرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك؛ والشوق إلى لقائك؛ في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين.