[05] نقض العهد من صفات الفاسقين

5 عواقب لنقض العهود، وقدحذر الإسلام من نقض العهد حتى مع الأعداء، وتناول المقال الدليل على حرمانيته وكونه كبيرة.

  • التصنيفات: تزكية النفس - مساوئ الأخلاق -

حين يعد الإنسان وعدًا يجب عليه أن يوفي، وحين يعلن إلزام نفسه بشيء، أو يقطع على نفسه عهدًا أو ميثاقًا سواء فيما بينه وبين الناس أو فيما بينه وبين الله عز وجل ثم لا يفي بهذا فإنه عندئذ يكون ناقضًا للعهد.

إن نقض العهد ليس من شيم المؤمنين الصالحين، بل هو من صفات الفاسقين والمنافقين قال الله تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ ۖ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف:102]. وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك أشد التحذير فقال: «أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر» (صحيح مسلم [58]).

بل عد رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان متصفا بهذه الصفة الذميمة ممن ذهبت مروءتهم ودينهم فقال: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له» (السلسلة الصحيحة [6/823]). وقال ابن الجوزي رحمه الله: "إن نقض العهد من صفات الفاسقين".

وإن هؤلاء الذين ينقضون عهودهم سيجدون عقوبة ذلك في يوم من الأيام، قال محمد بن كعب القرظي رحمه الله تعالى: "ثلاث خصال من كن فيه كن عليه: البغي، والنكث، والمكر، وقرأ {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}  [فاطر:43]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم} [يونس:23]، {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ} [الفتح:10]". وقال ابن عطية في تفسير آية الفتح هذه {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ} قال: "إن من نكث يعني نقض العهد، فإنما يجني على نفسه، وإياها يهلك، فنكثه عليه لا له".

نقض العهد حرام وكبيرة:
لقد حرم الله على المؤمنين نقض العهود، وأوجب عليهم الوفاء بها فقال:  {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء:34]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1].

وهناك الكثير من الأدلة على وجوب الوفاء بالعهد وعدم نقضه، ولهذا عد بعض العلماء نقض العهود من الكبائر، ومن هؤلاء العلماء: الإمام الذهبي رحمه الله حيث قال: "الكبيرة الخامسة والأربعون: الغدر وعدم الوفاء بالعهد". ومنهم الإمام ابن حجر رحمه الله فقد عدها أيضًا من الكبائر وقال: "عَدُّ هذا من الكبائر هو ما وقع في كلام غير واحد". وقال الإمام ابن عطية رحمه الله : "إن كل عهد جائز بين المسلمين نقضه لا يحل".

عواقب نقض العهود:
إن لنقض العهود عواقب سيئة على الأفراد والمجتمعات، فهو يؤدي إلى الخلاف والشقاق، ويزرع العداوات والأحقاد، وينزع الثقة بين أفراد المجتمع، كما يؤدي إلى فقدان الآخرين ثقتهم في هذا المجتمع، فضلاً عن ذلك فقد توعد الله من كان ناقضًا للعهد بالعديد من العقوبات، ومنها:

1- اللعنة وقسوة القلبفقد ذكر الله عن طائفة من بني إسرائيل أنهم لما نقضوا عهد الله أصابتهم اللعنة:  {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة:13]، قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: "إن من نقض العهد الذي أبرمه: يضر نفسه كما أنه يجر على نفسه اللعن".

2- الخسران العظيم في الدنيا والآخرة: قال الله عز وجل: {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّـهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة:27]. إنها خسارة حقيقية في الدنيا والآخرة، وهذا ما لفت الأنظار إليه الحافظ ابن حجر رحمه الله حين قال: "كان عاقبة نقض قريش العهد مع خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم أن غزاهم المسلمون حتى فتحوا مكة، واضطروا إلى طلب الأمان، وصاروا بعد العزة والقوة في غاية الوهن إلى أن دخلوا في الإسلام".

3- انتشار القتل وتسلط الأعداء: وهذه من العقوبات العاجلة التي تصاب بها المجتمعات حين يفشو فيها نقض العهد، وهو ما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: « ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم» (رواه ابن ماجة وصححه الألباني)، وقال أيضًا عن بعض العقوبات التي تصاب بها الأمة حين ترتكب بعض المعاصي: «ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم» (ابن ماجة وغيره).

4- الفضيحة يوم القيامة والعذاب الشديد: أما الفضيحة: فلأن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان. وأما العذاب الشديد فلأن الله عز وجل يقول:  {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّـهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۙ أُولَـٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد:25].

5- الناقضون للعهد شرار الخلق عند الله: قال الله تعالى:  {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّـهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنفال:55-56]. قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "أخبر الله تعالى أن شر ما دب على وجه الأرض هم الذين كفروا فهم لا يؤمنون: الذين كلما عاهدوا عهدًا نقضوه، وكلما أكدوه بالإيمان نكثوه، وهم لا يخافون الله في شيء ارتكبوه من الآثام".

لقد حذر الإسلام من نقض العهد حتى مع الأعداء فرأينا من المسلمين الصالحين في هذا الباب عجبًا، فعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: كان معاوية يسير في أرض الروم – وكان بينه وبينهم أمد – فأراد أن يدنو منهم فإذا انقضى الأمد غزاهم فإذا شيخ على دابة يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحل عقدة ولا يشدها حتى يمضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء» فبلغ ذلك معاوية فرجع. (تخريج مشكاة المصابيح [3908]).

ونختم بما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله: "الغدر حرمته غليظة لا سيما من صاحب الولاية العامة؛ لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثير، ولأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء".ا.هـ.

فاللهم أعنا على الوفاء، ولا تجعلنا من ناقضي العهود، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.