ركّـز

محمد علي يوسف

للأسف كثيرا ما نتعامل مع القرآن على أنه فقط كتاب شعائري تعبدي أو أنه وسيلة لتحصيل الحسنات وجمع الثواب في المواسم التعبدية وحسب، بينما ننسى أو نتغافل عن تلك الحقيقة العظمى.

  • التصنيفات: الزهد والرقائق - أخبار السلف الصالح - دعوة المسلمين -

عارف إيه الفرق بيننا وبين الصديق رضي الله عنه حين سمع قول الله: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور:22] فقال: "بلى والله يارب نحب أن تغفر لنا"؟

عارف إيه الفرق بيننا وبين الفضيل بين عياض اللي حياته اتغيرت بالكامل بعد أن سمع آية واحدة {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد:16] فصاح باكيا: "بلى يا رب قد آن؛ بلى يا رب قد آن؟"

عارف إيه الفرق بيننا وبين سيدنا أبي الدحداح اللي تصدق ببستانه لما سمع قول ربه " {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}[البقرة:245].

عارف ليه الجن لما سمعت سؤال الرحمن {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:13] أجابت من فورها: "لا بشىء من آلائك نكذب ربنا ولك الحمد" واستحسن النبى صلى الله عليه وسلم إجابتهم؟

وعارف ليه لما قال الله: {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة:91] بعد أن ذكر بشاعة الخمر والميسر؛ صاح المجيبون: "انتهينا يا رب؛ انتهينا يا رب؛" وأريقت الخمر في شوارع المدينة أنهارا؟

عارف إيه الفرق بيننا وبين هؤلاء وغيرهم كثير؟

الفرق إنهم تعاملوا مع القرآن أنه كلام الله لهم؛ تفاعلوا مع القرآن بفكرة مشتركة كانت واضحة تماما بالنسبة لهم:

ربنا بيكلمنا.

هذه الآية كلام الله لي.

ملك الملوك يكلمني أنا.

يبقى إزاي ما أردش؟!

إزاي ما أتفاعلش ؟!

كيف لا أستجيب؟!

هو ده الفرق الأساسي بيننا وبينهم؛ أنهم تفاعلوا مع القرآن ونظروا إليه نظرة سديدة دقيقة؛ ظهر أثرها جليا في ردود أفعالهم التي ذكرت في السطور السابقة طرفا يسيرا منها.

نظرة مفادها وخلاصة أثرها: هذه النداءات والسؤالات والأوامر والنواهي والتوجيهات موجهة لنا؛ لك ولي...؛ هل يسعني أن أعرض وألا أجيب ولا أستجيب؟

هذا هو الفارق المحوري بيننا وبينهم.

للأسف كثيرا ما نتعامل مع القرآن على أنه فقط كتاب شعائري تعبدي أو أنه وسيلة لتحصيل الحسنات وجمع الثواب في المواسم التعبدية وحسب، بينما ننسى أو نتغافل عن تلك الحقيقة العظمى.

حقيقة أنه كلام الله؛ أنه حبله الممدود طرفه بأيدينا كما وصفه رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ورغم أن حل كثير من مشكلاتك ومفاتح نفسك وتذكرة أوبتك قد تكمن في آية واحدة؛ في كلمة أو كلمات ربانية تقرؤها أو تسمعها فتشعر أنها موجهة لك أنت.

أنت.. أنت
تنتشلك معانيها..
وتشفيك موعظتها..
وتضىء طريقك توجيهاتها

حاول كدة تتعامل مع القرآن من هذا المنطلق؛ حاول تتفاعل معاه؛ تجيب عن سؤالاته؛ وتمتثل لأمره؛ وتنتهي عن نهيه.

حاول تحس إن أنت المخاطب؛ أنت؛ أيوة أنت..
حاول تستشعر إن اسمك مكان كل كلمة عبادي أو الذين آمنوا أو الناس وسائر تلك الكلمات التي تأتي بعد النداء؛ واستمتع بشعور جديد؛  شعور أن ربك يناديك؛ حاول تحسها كدة وتستشعرها.

ربك بيناديك
خالقك بيكلمك
ببيسألك
يستبطئك
يدعوك ليغفر لك
حاول
و‫‏ركز‬

وصدقني ستلمس بإذن الله فارقا كبير وتغيرا واضحا في علاقتك بالقرآن؛ فقط إذا ترسخت في نفسك تلك القيمة ونبت ذلك ‫‏الشعور الجديد‬؛ شعور بإنه بيكلمك.. أنت..