(12) حمل الرسالة وصفات حامليه

محمد أمين المصري

إنه لأمر خطير جداً أننا نحمل اسم الإسلام ولكننا لا نحمل رسالة الإسلام، فرسالتك أيها المسلم أن تؤمن بالله وأن تكون عبداً لله وحده لا عبداً لنفسك، وأن تحقق معنى العبودية لله في قلبك فلا يكون لك في هذه الحياة الدنيا إلا هم واحد هو: مرضاة الله وابتغاء وجهه.

  • التصنيفات: تربية النفس -

يقول الباحثون الاجتماعيون إن دور حمل الرسالة هو دور نهوض الأمة وصعودها، ودور التخلي عن الرسالة هو دور الانحدار والهبوط، ولقد ظل المسلمون يصعدون برسالتهم حيناً من الدهر ثم تخلوا عنها شيئاً فشيئاً فعاشوا فترة يسيرة بقوة الدفعة الأولى، ثم كان دور الانحدار.

وإنه لأمر خطير جداً أننا نحمل اسم الإسلام ولكننا لا نحمل رسالة الإسلام، فرسالتك أيها المسلم أن تؤمن بالله وأن تكون عبداً لله وحده لا عبداً لنفسك، وأن تحقق معنى العبودية لله في قلبك فلا يكون لك في هذه الحياة الدنيا إلا هم واحد هو: مرضاة الله وابتغاء وجهه.

ولابد أن تكون الرسالة مهيمنة على القلب ومستحوذة على النفس كلها، ولحامل الرسالة خصائص وصفات ومنها:
1- حامل الرسالة يتوجه وجهة واحدة:
صاحب الرسالة إذا هيمنت رسالته على قلبه خضعت غرائزه ودوافعه جميعها لرسالته،فهو يغضب ويخاف ويحب أبناءه ويجمع المال ويدخره ويستعلي ويتواضع،ولكنه يغضب في سبيل رسالته ويخاف من أجلها ويحب أبنائه إذا أعانوه على حمل رسالته،ويجمع المال لينفقه في سبيل رسالته ويستعلي على أعداء الرسالة ويتواضع لأصحابها، وبكلمة واحدة أصبحت قوى النفس ودوافعها جميعها جنوداً طبيعية خاضعة لقيادة واحدة وهذا ما يسمى بوحدة النفس وخلوها من التنازع الداخلي وسلامتها من أنواع الصراع النفسي،وفي مثل هذه الحال يندفع صاحب الرسالة إلى غايته أقوى اندفاع لا يعوقه صراع داخلي ولا يقف في سبيله عقبة في الخارج وستوجه بكل طاقاته إلى غايته كالسهم المريش وبذلك يكون أقوى إنسان تعرفه البشرية.

2- صاحب الرسالة لا يقر ولا يستقر:
مثل هذا الإيمان لا يقر صاحبه ولا يستقر ولا يعرف كللاً ولا مللاً، ولا يطلب راحة ولا هدوءاً، يقول غوستاف  لوبون: "إن من الخير أن أمثال هؤلاء قلة في العالم ولو كانوا كثيرين لأحدثوا كل يوم انقلاباً في العالم.

إن صاحب الرسالة تتغير مقاييسه، فالولاء لمن يوالي رسالته والعداء لمن يعاديها، والقرب ليس قرب النسب ولكنه القرب من الرسالة، وبذلك كان حمل الرسالة أقوى عامل في دعم روح الود والولاء بين أفراد الجماعة.

ثم إن حمل الرسالة يحتاج إلى غذاء دائم في الناحية الفكرية والوجدانية والعلمية، ومن الأخطاء التي تعيش فيها الجامعات الإسلامية أن أبناءها لا يجدون من هذا الغذاء شيئاً ولا سيما الغذاء العملي.

3- صاحب الرسالة لا يزحزح عن مبدئه:
حمل الرسالة ينشئ إنساناً ثابتاً في حمل رسالته لا يحيد عن مبدئه ولا يزحزح عن مكانه، ولقد كان محمد صلى الله عليه وسلم المثل الكامل لذلك،والرواية التي يرويها ابن إسحاق تمثل هذا المعنى أصدق تمثيل حين يقول عليه الصلاة والسلام: «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه» [1].

وكذلك شأن عتاب الله لرسوله في قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ} [الكهف:6].

4- صاحب الرسالة يشعر بالسعادة الكبرى:
وهذا المعنى ينبثق منه الصبر على الملمات والثبات عند مواجهة العقبات،وهذا شأن القيادة تصبر على المصائب وتثبت في مواجهة الشدائد صبراً مقروناً بالأمل والثقة بنصر الله،والطمأنينة إلى تأييده،ويقترن كل هذا بالشعور بالسعادة الكبرى،فصاحب الرسالة سعيد وإن كان يسام سوء العذاب،وهو راضٍ مطمئن النفس وإن أحدق به الجاهلون وأحاط به المستهزئون.

5- صاحب الرسالة ذو بصر بالأمور:
وينبثق عن كل هذا أيضاً دراسة الموقف دراسة كاملة مستوعبة،والإحاطة بالمشكلات التي تعترض سبيل الرسالة،ودراسة الوسائل التي تحقق أغراض الرسالة واكتشاف طاقات الأعوان والأنصار، ومعرفة مقدرة كل منهم والمجالات التي يحسنون فيها ووضع الأمور موضعها،إن معرفة الرجال أمر هام جداً ولقد قال عمر بن الخطاب يثني على أبي بكر رضي الله عنهما: "رحم الله أبا بكر كان أعرف مني بالرجال"، وقال هذه الكلمة عمر رضي الله عنه حين عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه عن القيادة فقاتل خالد جندياً، وفي معركة من المعارك فتح خالد قنسرين [2] هو وثلة من أصحابه بمعجزة حربية،فلما بلغ ذلك عمر رضي الله عنه قال كلمته: "أمَر خالد نفسه رحم الله أبا بكر كان أعرف مني بالرجال".

هذه بعض صفات القائد التي تنبثق عن صفة أولى هامة أساسية: هي حمل الرسالة،رسالة العقيدة والإيمان، وهنالك صفة هامة أخرى تنبثق أيضاً عن هذه الصفة وتلزمها تفرد بالذكر لأهميتها وهي: تربية الأفراد تربية تؤهلهم للقيادة، وبتعبير آخر تربية روح الثقة وحمل المسؤولية في الأفراد جميعاً ولا سيما الذين يحيطون بالقيادة ويرجى منهم الاضطلاع بأعباء القيادة إذا فقدت القيادة الأولى.
---------------------------

1- ذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة.
2-  معركة قنسرين:- لما فتح أبو عبيدة حمص بعث خالد بن الوليد إلى قنسرين، فلما جاءها ثار إليه أهلها ومن عندهم من نصارى العرب، فقاتلهم خالد فيها قتالا شديدا، وقتل منهم خلقا كثيرا، فأما من هناك من الروم فأبادهم، وقتل أميرهم ميناس، وأما الأعراب فإنهم اعتذروا إليه بأن هذا القتال لم يكن عن رأينا، فقبل منهم خالد وكف عنهم، ثم خلص إلى البلد فتحصنوا فيه، فقال لهم خالد: إنكم لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم أو لأنزلكم إلينا. ولم يزل بهم حتى فتحها الله عليه، ولله الحمد، فلما بلغ عمر ما صنعه خالد في هذه الوقعة قال: يرحم الله أبا بكر كان أعلم بالرجال مني، والله إني لم أعزله عن ريبة، ولكن خشيت أن يوكل الناس إليه.  البداية والنهاية – لابن كثير ج7.

المصدر: كتاب سبيل الدعوة الإسلامية بتصرف محمد المصري