صنائع المعروف وبديع الاختلاف والوفاء للعلماء

حسن الخليفة عثمان

كم هو مؤلم أن يموت الإنسان أو يُقهر على يد الذين يضحي بحياته من أجلهم.

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

قَلَّ أن تجد ممن أوذي في الله ولبث في المعتقل السياسي سنين عددا ولم تمتد إليه بالإحسان والندى أو الدعاء والمواساة  يدا الشيخين الجليلين: فضيلة الشيخ فوزي السعيد، وفضيلة الشيخ نشأت أحمد.

وحين تبحث المروءة أو الرجولة عن رفيع مكان يسع لوازمها وتبعاتها في مصر عند العلماء والدعاة؛ فخير منازلها عند الشيخ نشأت أحمد-حفظه الله- والشيخ حازم صلاح أبي إسماعيل-فك الله أسره- والشيخ فوزي السعيد -أتم الله عليه العافية- وإن كنت رغم ما أحمله من حب وتقدير وعرفان للشيوخ الثلاثة إلا إنني لازلت أحتفظ بأرضية غير مشتركة، ومساحة اختلاف مع سماحتهم الموقّرة في الرأي والرؤية للأوضاع في مصر ومستقبلها إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير، وحتى فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، وما تلى ذلك من الأحداث التي لم تقتصر تداعياتها على القطر المصري بل جاوزته إلى أقطار أخرى.

كنت من الذين طالهم إحسان ومروءة الشيخين الجليلين؛ إذ حين زار الشيخ نشأت سجن العقرب بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير؛ كانت تلك هي المرة الأولى التي أتشرف بلقائه ويرى حالتي الصحية فوق الكرسي المتحرك؛ وبعدها كان صاحب الفضل من كبار العلماء والدعاة ذات الشأن –بجانب العظيم الراحل د عصام دربالة وإخوانه- الذي تفضل مشكورا بحث الرئاسة على إنهاء مظلمتي والإفراج عني.

أما فضيلة الشيخ فوزي السعيد فلم يقدر الله لي شرف اللقاء المباشر به لا في المعتقل حين كان معتقلا سياسيا بسجن استقبال طرة وكنتُ بسجن العقرب؛ ولا في الحرية حيث انشغلت بإعادة تأهيل نفسي واستعادة ما يمكن استعادته من انسانيتي التي أبدع بعض أعداء الحياة في إهدارها ومحوها.

غير أن الشيخ أبى أن تغيب مروءته التي تلازمه في مسيرة حياته عن أمثالي؛ فقد وجدت فور فرج الله عليّ ومنّته بخروجي من المعتقل من بين الكرام ذوي الفضل الذين تركوا تناول الإفطار في أحد أيام شهر رمضان المبارك من عام 2012م مع أسرهم ليكونوا في استقبالي وانتظاري لحظة خروجي؛ كان من بينهم من يحمل سلاما وهدية من طرف الشيخ فوزي السعيد تناسب مروءته ونبله؛ وأنا أحفظ للشيخ هذا كما يحفظه له غيري خيرا مني.

لقد سطرت صحائف التاريخ ما تعرض له الشيخ السعيد من تنكّر لفضله وبذله؛ وهو الذي كان ضابطا مهندسا على الجبهة بالقوات المسلحة في حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر، وحمل فيها روحه على كفه ليقدمها حبا واختيارا، وتضحية وفداءً؛ دفاعا عن أرض وعرض الوطن، ثم عافاه الله من أسر وسجون الصهاينة لتضمه زنازين وسجون الوطن في غير جناية توجب ذلك!

وحقا كم هو مؤلم أن يموت الإنسان أو يُقهر على يد الذين يضحي بحياته من أجلهم، أو يرى ألا وجود لأصحاب المبادئ في دنيا الورى إلا في غياهب السجون وعتمة الزنازين؛ وإن أنسى فلا أنسى أولئك النفر من قادة حزب البناء والتنمية الموجودين بداخل مصر الذين تنكّر لهم القريب قبل البعيد؛ والذين دفعوا ثمنا غاليا لتمسّكهم بمبادئهم في مناصرة الحق ورفض الظلم مع حفاظهم على عهودهم السابقة من نبذ للعنف، والتزام بالسلمية، وحفاظ على مقومات الدولة، ورفض للانجرار والعودة إلى ممارسة العنف وتدمير المؤسسات؛ أو تحوّلهم إلى بيدق يتلاعب به الهواة والحواة.

إن التعجيل بالإفراج النهائي والفوري عن أمثال الدكتور صفوت عبدالغني ورفاقه، بل وكل من زُجّ به في المعتقل لرفضه للانقلاب مع رفضه لممارسة المواجهة المسلحة لهو من أولى القرارات التي لا ينبغي أن تخضع للتأخير والمماطلة؛ وذلك للتذكير الدائم بعافية وصحة وحيوية تجربة المراجعات؛ التي ربما كان احترام سلطة الانقلاب لها -في بعض الأحيان- أكثر من احترام بعض الذين أسرتهم الفضائيات والميكروفونات.

إن من بين خلق الله من لا يطيب يومه إلا بفتح جهنم يومية على نفسه وعلى من حوله ليصول ويجول فيها؛ منفّثا عن قدراته الكامنة، ومهاراته اللغوية من فصيح الكلم وبليغ اللسان؛ جامعا عليه من يئس من تغيير نفسه، وعجز عن تكلفة سواء المسير، وفي تقديري أن بعض الأحزاب والكيانات الاسلامية لم تعد تملك ترف التمسك بهذا الخطاب والموروث المعرفي إذا رغبت في الاستمرار وفق المزاج الكوني والقوانين الكونية وليس وفقا لأمزجتها الذاتية والحزبية؛ وإذا فرّقت بين ما تحتاج إليه ويجب أن تتبناه، وما ترغب فيه وتهواه وتتمناه.

حيا الله أهل المروءة، وبارك آجالهم، وأصلح أعمالهم ، وختم بالباقيات الصالحات أعمارهم.