المنافسة بين الزوجين
إن التنافس عمومًا يمثل حافزًا إيجابيًا ويساهم في الإبداع والإنتاج والتحصيل.. وهناك التنافس المقبول الإيجابي، ولكن هناك التنافس المدمر السلبي، والصراع الذي يمكن أن يكون عامل هدم في العلاقات الإنسانية عمومًا، وفي العلاقات الزوجية خصوصًا.
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - قضايا المرأة المسلمة -
من الطبيعي أن أي توافق بين شخص وآخر في العمر والثقافة والظروف الاجتماعية والبيئية، يحقق نسبة كبيرة من نجاح العلاقة والتواصل بينهما. لأن مثل هذا التوافق يخلق بين الطرفين نوعًا من الألفة الروحية والفكرية والعاطفية والاجتماعية.
وهذا لا يتحقق بشكل طبيعي وعادي في حالة اختلاف هذه العناصر بينهما، لأن الإنسان عندما يعيش مع شخص آخر يشبهه من حيث الأجواء والموقع والانتماء لا يشعر بالغربة، ولا يحس أنه فقد شيئًا من مزاجه، أو شيئًا من حياته الاجتماعية، أو شيئًا من أوضاعه الخاصة والعامة. وقد جاء في بعض كلمات الشعراء: "كل شكل لشكله ألفُ".
ولكن عندما ندرس عمق المسألة في التفاصيل، فإننا نجد أن ذلك لا يمثل خطًا عامًا يوصل إلى تناغم العلاقة على الدوام. وذلك لأن الإنسان الذي يحتاج إلى التنوع حتى لا يشعر بالغربة قد يحس بالحاجة إلى شخص آخر مخالف نسبيا لما هو عليه، من أجل أن ينفتح على أفق جديد لا يملكه في واقعه الحالي المعتاد عليه، خاصة في الحياة الزوجية التي تطول عن أي علاقة أخرى.. فمع القليل من الاختلاف والتنوع -بل والمنافسة أحيانًا- تكتسب الحياة الزوجية المزيد من التجدد والحيوية، لكن الخطير في هذا الموضوع أن يزيد الأمر عن حده فينقلب إلى ضده.
فمما لا شك فيه أن هناك تنافسًا مستمرًا بين المرأة والرجل في الحياة الزوجية.. فالحياة الزوجية ليست كلها تعاون وتواصل إيجابي وحب وألفة.. بل هناك تنافس أيضًا، وأشكال التنافس تأخذ صورًا ظاهرة واضحة أو خفية غير مباشرة، وذلك وفقًا لشخصية الزوجين وظروفهما.. ففي العلاقة الزوجية التقليدية حيث يعمل الرجل خارج المنزل وتعمل المرأة داخله يأخذ التنافس أشكالًا تختلف عنها في العلاقات الزوجية الأخرى، حينما يعمل الطرفان خارج المنزل.
ومن أمثلة التنافس في العلاقات التقليدية: الخلاف حول الطبخ والطعام وجودته وإتقانه، حيث تتفنن الزوجة بألوان الطعام المختلفة لإبهار الزوج بقدراتها، كما أنها في ذات الوقت تنزعج كثيرًا إذا تدخل الزوج في أمور المطبخ وإعداد الطعام. وهذا التدخل تراه الزوجة نوعًا من التنافس والمنافسة، وقد تنشأ خلافات شديدة وحادة نتيجة لذلك.
والرجل عندما يعطي رأيه أو يتدخل عمومًا في مجال الزوجة فإنها تعتبر ذلك تقليلًا من شأنها، وتنزعج وربما تقاوم بتصرفات يمكن أن تكون مرضية ومبالغ فيها أحيانًَا، مما يساهم في نشوء المشكلات الزوجية أو تفاقمها.
وببساطة فإن شؤون المطبخ تمثل قيمة خاصة للزوجة تدافع عنها وتنافس الرجل فيها وتعلن تفوقها ورضاها.. وكذلك الرجل يدافع عن قوته في مجالاته وميادينه (شؤون العمل أو الإدارة مثلًا)، وأي تدخل للمرأة في ذلك يمكن للرجل أن يعتبره تنافسًا وتدخلًا، ولذلك فهو يقاوم بشدة ويحاول التفوق على منافسه وغلبته وتحطيمه في بعض الأحيان.
أما إذا كانت الزوجة عاملة فقد يأخذ التنافس موضوعات أخرى مثل: التحصيل العلمي أو المادي أو المهني أو التفوق في الثقافة والمعرفة العامة أو التخصصية وغير ذلك.
ومما لا شك فيه أن التنافس عمومًا يمثل حافزًا إيجابيًا ويساهم في الإبداع والإنتاج والتحصيل.. وهناك التنافس المقبول الإيجابي، ولكن هناك التنافس المدمر السلبي، والصراع الذي يمكن أن يكون عامل هدم في العلاقات الإنسانية عمومًا، وفي العلاقات الزوجية خصوصًا.
ولا بد من القول أن العصر الحاضر وقيمه التي تشجع على الفردية والأنانية وتقديس الذات.. لها دورها في زيادة حدة التنافس وإشعاله بين الأزواج ومن ثم ازدياد الاختلاف والصراع.. ولا يعني ذلك أن التنافس لم يكن موجودًا قديمًا، ولكن ربما كان بدرجات أقل أو أشكال مختلفة.
الزوجة الناضجة
تتصف الزوجة الناضجة المتعلمة، فضلًا عن الشهادة الدراسية التي تحملها ـسواء كانت شهادة الإعدادية أو البكالوريوس أو الدكتوراهـ تتصف بعقل متنور وثقافة واسعة. ومن هنا فهي تتجاهل بعض المعتقدات الخاطئة التي يحملها زوجها، وتحاول تنبيهه إلى ذلك في الوقت المناسب، وبالشكل الذي لا يجرح مشاعر التفوق لديه بصفته رجلًا، فالزوج يحب دائمًا أن تقول له زوجته المتعلمة إذا سألها ما هو رأيك في هذا الموضوع؟ من الأفضل لو تفكر في ما يجب عمله، وقد فكرت أنا في هذا المجال وسأعرض رأيي عليك لترى مدى صوابه، وإلا فسأتغاضى عنه.. وعلى كل الأحوال لا تشعره وكأنها تعتبر نفسها أفضل منه، بل يجب أن يشعر بأن شهادتها وأفضليتها تعود إليه.
أما إذا كانت الشهادة الدراسية التي تحملها لا تمثل إلا ورقة لا نفع فيها، وكانت امرأة خاوية العقل، فلا تنثني عن التمسك بآرائها المغلوطة، وتعمق أسباب الخلاف والنفرة بينها وبين زوجها من خلال رفضها لأفكاره ومعتقداته بحجة أنها أكبر منه شهادة وأكثر علمًا.
فالزوجة إذا حاولت اتخاذ شهادتها الدراسية ومعرفتها العقلية كأسلوب للتعالي على الزوج، فإن الزوج يفقد حينذاك ثقته بالوضع العلمي للزوجة، ولا يشعر بالارتياح والسعادة في علاقاته العائلية.
وهذا ما يوجب على الزوجة ـإن كانت ذات معرفة علمية صحيحةـ أن تتجنب إثارة الأمور التي تفوق المستوى الفكري للزوج. كما يجب على المرأة المتعلمة سواء كان زوجها متعلمًا أم أميًا أن لا تترك في ذهن زوجها ما يوحي إليه بأن لطافتها وغضبها وتمكينها وتمنعها يأتي في ظل شهادة البكالوريوس التي تحملها. بل يتعين عليها أن تعلم بأنها مجبولة على العاطفة، وهذا أمر أقرته الفطرة، فالفص الجبهي وهو القسم الفكري من مخ الرجل يظهر في التشريح أكبر مما لدى المرأة، بينما يظهر قسم (الهايبوتلاموس ، ما تحت السرير البصري) وهو الفص المختص بالشؤون العاطفية، لدى المرأة أكبر مما لدى الرجل.
وإذا كانت هذه المرأة ميالة إلى النزاع يجب أن لا يكون النزاع من باب التفاخر على الزوج بالمعلومات. كما يجب على الزوجة أن لا تنسى دورها الأساسي في الحياة وتنشغل بالجوانب الفرعية. فإن الزوج إذا رأى في زوجته ذكاءً أكثر في إدارة أعمال البيت وتربية الأبناء، تكون لديه تصور جيد عن سعة ثقافتها ورجاحة عقلها، وهذا أفضل من أن تجابهه بآراء بشكل يوحي إليه بمعارضتها لآرائه.
وإذا كان الزوج يأخذ بملاحظات الزوجة فخير، وإلا فلا يجوز لها معارضته إلا في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لأن القرآن الكريم ميز الأمة الإسلامية بهذه الصفة على سائر الأمم بقوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران من الآية:110] وهنا يحق للمرأة سواء كان زوجها متعلمًا أو غير متعلم أن تنبهه إلى ما يجب الانتهاء عنه وما يجب العمل به. ولكن بشرط أن تزن مقدار تدخلها ولا تجعل ذلك ذريعة بيد الزوج لإثارة الفتنة، ويجب عليها النظر في الخطوات الواجب اتباعها بحيث لا يترتب على نصحها فساد أكبر.
إن المرأة كائن عجيب، فهي -حتى وإن كانت متعلمة- لا تطيق إخفاء تفوقها أمام زوجها، لكن لو غاب الزوج عنها مدة معينة تدرك عجزها عن اتخاذ أي قرار أثناء غيابه، بل وترى أن المتاعب اليومية تتغلب على جميع ثقافتها وفهمها، وخاصة إذا وجدت نفسها وحيدة فريدة ولا ناصر لها في تربية الأطفال.
ولكن ما إن يعود الزوج حتى تعاود الحكم على مدى أهلية زوجها الأقل علمًا منها. ولذلك يجب على المرأة أن تدرك أثناء غيابه عجزها عن اتخاذ أي قرار، وتبين لأطفالها أن أباهم يحبهم أثناء حضوره وأثناء غيابه، وأن جميع أفراد العائلة يشعرون أثناء غياب الأب وكأنهم في حزن وأسى.
إن شعور المرأة بأنها في حاجة إلى حماية زوجها ـولا نقول سيادتهـ يؤثر على العواطف المشعة من الحب فيها تأثيرًا كبيرًا. ولا يمكن للمرأة أن تعرف السعادة إلا إذا شعرت باحترام زوجها، وإلا إذا عاملته بشيء من التمجيد والإكرام.
ويجب أيضًا أن ترى فيه مثلها الأعلى في ناحية من النواحي، إما في القوة البدنية أو في الشجاعة أو في التضحية وإنكار الذات أو في التفوق الذهني أو في صفة طيبة أخرى.
السيادة المنقوصة
ولا يمكن أن تؤدي سيادة المرأة إلى السعادة الزوجية لأن في ذلك مخالفة للحالة الطبيعية التي تقضي بأن يسود الرجل المرأة بعقله وذكائه وإرادته لتسوده هي بقلبها وعاطفتها. وقد تشبع سيادة المرأة على الرجل عاطفة الغرور في نفسها، ولكنها لا يمكن أن ترضي قلبها. ولا تجد المرأة في مثل هذه الزيجات الحب الذي كانت تنشده في خيالها. وسرعان ما يتحول شعورها إلى ألم ومرارة.
وأخيرًا.. لا بد من تأكيد قيم التعاون والمحبة والمودة والسكن والوعي بالأمور النفسية الداخلية التي تدفع الناس إلى التنافس مما يساهم في ضبط النفس والمشكلات والصراع، ضمن الحدود المقبولة الإيجابية والتي تساعد على البناء والازدهار بدلًا عن الهدم والهدر.