دراسة حول إدخال مادة التربية البدنية لمدارس البنات

محمد بن عبد الله الهبدان

  • التصنيفات: أحكام النساء -

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :

فقد تباينت وجهات النظر في مسألة إدخال التربية البدنية في مدارس البنات ما بين مؤيد ورافض ، وأصبحنا على مفترق طرق في هذه القضية ،وحيث كثر الجدل فيها ومدى شرعية هذا الأمر رأيت أن أكتب للقراء ما يجلي لهم حكم إدخال  هذه المادة في مدارس البنات ،وقد قسمت الموضوع إلى تمهيد وخمسة فصول :

التمهيد يتناول :  تحرير محل البحث

الفصل الأول : المصالح المرجوة من إدخال التربية البدنية .

الفصل الثاني : المفاسد المتوقعة من حصة التربية البدنية .

الفصل الثالث : البدائل المناسبة .

الفصل الرابع : الحكم الشرعي لإدخال التربية البدنية .

الفصل الخامس : شبهات حول الحكم .

والله أسأل أن ينفع بهذا البحث وأن يجعله سبباً لدرء الشر عن هذه البلاد وغيرها والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

وكتبه

محمد بن عبد الله الهبدان

إمام وخطيب جامع العز بن عبد السلام سابقا

15/11/1424هـ

 

تمهيد

 تحرير محل البحث

 

هذه القاعدة المعرفية المهمة وهي قبل أن نحكم على هذه المادة لابد أن نتصورها جيدا حتى نطلق الحكم الشرعي المناسب فيها ، وحيث إننا قد سبقنا إليها في دول عربية مسلمة ، وخاضوا غمار التجربة فإننا سنذكر فيه المصالح والفوائد المرجوة وما يقابلها من المفاسد والمحاذير الواقعة أو المتوقعة ، كما سنذكر البدائل الخالية من هذه المفاسد ، وسنتطرق لذكر شيء من واقع هذه الدول ومن ثم يصبح عندنا تصور لما سيحدث لو طبقت في بلادنا .

علماً أن محل البحث الأساسي هو إقرار مادة التربية البدنية في مدارس البنات ، دون النظر إلى حكم الرياضة النسائية في مراكز التدريب الخاصة أو ممارسة المرأة للرياضة في نفسها أو مع محرمها داخل منزلها وإن جاء الحديث عنها عرضا فليست المقصودة في هذا البحث . 

 

الفصل الأول

المصالح المرجوة من إدخال التربية البدنية

 

من خلال اطلاعي على ما كتب تبين أن هناك عدة مصالح من خلالها طالب من طالب بإدخال التربية البدنية في مدارس البنات ، فمن تلك المصالح :

المصلحة الأولى : ( تهيئة المرأة لتقوم بدورها في الجهاد وحماية مقدسات الأمة وأرض الوطن )

  ومما قالوه في ذلك : ( المرأة قديما مما توفر لنا من معلومات في التاريخ الإسلامي كانت تشارك في المعارك لنشر الإسلام والدفاع عنه ولم يمنعها الدين فهي الفارسة التي دافعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرحت وطعنت لإعلاء كلمة الله ) ([1])

والجواب :

لقد حرص نساء الصحابة أن يتقلدن دور الجهاد الذي أنيط بكاهل الرجل ؛ فجاء التوجيه النبوي لهن كما يلي : عن عائشة رضي الله عنها قالت : استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال : جهادكن الحج " رواه البخاري ، وعن  عَائِشَةُ قَالَتْ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَخْرُجُ فَنُجَاهِدَ مَعَكَ فَإِنِّي لَا أَرَى عَمَلًا فِي الْقُرْآنِ أَفْضَلَ مِنْ الْجِهَادِ ، قَالَ : " لَا وَلَكُنَّ أَحْسَنُ الْجِهَادِ وَأَجْمَلُهُ حَجُّ الْبَيْتِ حَجٌّ مَبْرُورٌ " رواه النسائي .

قال ابن بطال : ( دل حديث عائشة رضي الله عنها على أن الجهاد غير واجب على النساء ، ولكن ليس في قوله :" جهادكن الحج " أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد ، وإنما لم يكن عليهن واجبا ؛ لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر و مجانبة الرجال ، فلذلك كان الحج أفضل لهن من الجهاد ) [2]،  بل إن بقائها في بيتها وحفظها لعفافها تدرك بهذا فضل المجاهدين في سبيل الله تعالى كما أخرج البزار عن أنس رضي الله عنه قال : جئن النساء إلى رسول اللهصلى الله عليه وسلم فقلن : يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله تعالى فهل لنا عمل ندرك به فضل المجاهدين في سبيل الله تعالى ؟ فقال صلى الله عليه وسلم  : " من قعد منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله تعالى " .

 وما ورد من قتال بعضهن إنما كان على سبيل الضرورة والدفاع عن النفس أو الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء عن أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ خِنْجَرًا فَكَانَ مَعَهَا فَرَآهَا أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خِنْجَرٌ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَذَا الْخِنْجَرُ قَالَتْ اتَّخَذْتُهُ إِنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بَقَرْتُ بِهِ بَطْنَهُ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ .." رواه مسلم .والضرورة كما هو معلوم تقدر بقدرها .

بل لقد جاء في مصنف ابن أبي شيبة [3]عن سعيد بن عمرو القرشي أن أم كبشة امرأة من بني عذرة قضاعة قالت : يا رسول الله ائذن لي أن أخرج في جيش كذا وكذا ، قال : لا ، قالت : يا رسول الله إني لست أريد أن أقاتل إنما أريد أن أداوي الجريح والمريض أو أسقي المريض ، فقال : لولا أن تكون سنة ويقال فلانة خرجت لأذنت لك ولكن اجلسي .

فهذا الحديث يفيد أن المرأة لا تشارك حتى في سقاية الجرحى ومداواة المرضى فهل يبقى بعد هذا لقائل مقالا ؟!!

ثم أين الجهادالذي يُحتج بمشاركة المرأة فيه في هذا الزمان والله المستعان ، ولو ارتفعت راية الجهاد لولى هؤلاء الكتاب ومن ظاهرهم النفاق الأدبار ، كما قال الله تعالى عن أسلافهم : {وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ }(الحشر: من الآية12) 

=============================

 

المصلحة الثانية : أن الرياضة لها أثرها الكبير في عقل الإنسان وفكره .

ومما قالوه في ذلك قولهم ( جميعنا يعرف أن العقل السليم في الجسم السليم ..والتي لا تقتصر على الرجال فقط .. ) [4]

والجواب :هذه المقولة يرددها الكثير ،ولكن لو تأملها ذوو العقل السليم لعرفوا أنها مغالطة للحقيقة ، وليست قاعدة ثابتة ، فكم من أناس أجسامهم هزيلة ، وأبدانهم عليلة ومع ذلك عقولهم تزن أمة ؟ وماذا نفعت الأجسام وصحة الأبدان أولئك المجانين الذين امتلأت المشافي بهم ؟ لو أن أحدهم وكزك بيده لقضى عليك ؟وهل صحة أجسام البغال والحمير زادت من عقولها ؟! لم يضرب الله مثلا لليهود بأسوأ من الحمار في بلادته : {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً }(الجمعة: من الآية5) .

ولو استنطقنا التاريخ ليحدثنا عن أناس استطاعوا ـ بفضل الله ـ أن يحولوا عجزهم قدرة ، ونقصهم عطاء فأصبحوا  يعدون قمما سامقة ، ومنارات عالية لحدثنا عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود فقد كان رضي الله عنه قصير القامة ، كانت قامته طول الرجل أثناء قعوده ، وكان الصحابة يعجبون من دقة ساقيه ، فهل عاش بدون عقل !! نظرا لقصر قامته وخفة وزنه ، عجبا لمن يهرف بما لا يعرف !!

وحدثنا عن الإمام عطاء بن أبي رباح ـ رحمه الله ـ التابعي الجليل فقد كان ـ رحمه الله ـ أعور ، أشل ، أفطس ،  أعرج ، أسود ،ثم عمي  وقطعت يده مع عبد الله بن الزبير هكذا قال عنه مترجموه ولكن ماذا قالوا عن علمه وجلالته يقول أبو جعفر :  ما بقي على ظهر الأرض أحد أعلم بمناسك الحج من عطاء ،   وقال علي بن المديني سمعت بعض أهل العلم يقول : كان ثقة فقيها عالما كثير الحديث .[5]

وكم من العلماء في قديم الدهر وحديثه من فقد بصره وعمي في صغره وما ضره ذلك فإذا هو العالم الذي يشار إليه بالبنان ،كالشيخ الإمام محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ مفتي الديار السعودية سابقاً ، والشيخ العلامة عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ مفتى المملكة العربية السعودية ، والمفتي الجديد الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ـ وفقه الله وحفظه ـ وغيرهم كثير  وترى منهم الخطيب المصقع الذي يزمجر على أعواد المنابر فتصل كلماته سويداء القلوب كأمثال الشيخ عبد الحميد كشك ـ رحمه الله ـ  فعجبا لمن يتكلم بما لا يعلم ، ويهذي بما لا يدري !! يقول الشاعر :

     فرب ضرير قاد جيلا إلى العـلا        وقائده في السير عود من الشجر ْ

وكم من كفيف في الزمان مشهر         ليالـيه أوضـاح  وأيامه غـررْ

ومن الأمثلة أيضاً التي تدل على ضعف هذه القاعدة ما نراه من أحمد ياسين منظم حركة حماس فهو رجل مشلول شللا كليا ومع ذلك هو يدير أمة ويحرك شعبا !!

وقد قرأت مقالا في المجلة العربية[6] تحت عنوان ( الصاعدون إلى القمة بلا قدم ) ذكر صاحب  المقال أمثلة رائعة لأناس غدوا معاقين بالمفهوم الدارج ، إلا أن الأمر يختلف عندما نتناوله بعين نافذة بصيرة ، عندما نرى أعمال هؤلاء وقد فاقت كثيراً ما ينتجه الكثرة من الأصحاء!! من هؤلاء :

الشاب الإيرلندي  ( كريستوفر كولان )البالغ من العمر 22 عاماً الذي فاز بجائزة الكتاب في بريطانيا لعام 1987م ..وقد حضر حفل تكريمه أكثر من أربعمائة أديب بريطاني ، وهل ستندهش إذا قلت لك أن الشاب أصم وأبكم لا يتكلم ومشلول ، عاجز عن الحركة وأنه للتغلب على إعاقته الجسمية لجأ إلى الكتابة على الآلة الكاتبة بواسطة ذراع صناعية مثبتة في جبهته !!

هل سمعت عن حكاية شابين معاقين في مصروهما توأمان ولدا مشلولين ولم يمنعهما الشلل من أن يذهب كل منهما إلى الدراسة في كرسي بعجلات وقد تفوقا في الدراسة وحصلا على النجاح في الجامعة بامتياز مع مرتبة الشرف وحصل كل منهما على الدكتوراه مع التقدير وصارا عضوين في هيئة التدريس بالجامعة  هناك ؟!

وهذا غيض من فيض ، فهل بعد كل ما تقدم وغيره كثير يستطيع أصحاء الأجسام أن يدعو أنهم الأكثر اقتدارا وملكة وموهبة وإبداعاً ..؟وهل بعد هذا نقول : العقل السليم في الجسم السليم  ؟!!

============================

المصلحة الثالثة  : إدخال التربية البدنية من أجل الحد من ارتفاع نسبة البدانة بين الفتيات.

والجواب : من عدة وجوه :

أولاً : هل نفعت حصة التربية البدنية للبنينفي الحد من ظاهرة السمنة ؟

الواقع يثبت عدم ذلك ،بل الملاحظ ارتفاع نسبة السمنة في صفوف الشباب ، "إحدى الدراسات أظهرت أن 52% من البالغين في المملكة يعانون من البدانة، ويعاني منها أيضا 18% من المراهقين و15% من الأطفال دون سن المدرسة!!!"[7].  وأي أثر لحصة لا تتجاوز النصف ساعة في الأسبوع الواحد ؛ في الحد من هذه السمنة .

ثانياً : مسيرة التعليم في هذه البلاد وضعت ما يزيد على خمسين عاما ، وهذا الارتفاع في ظاهرة السمن لم تظهر إلا في الآونة الأخيرة مما يدل على أن الخطة الدراسية لمدارس التعليم لا علاقة لها بارتفاع هذه النسبة .

ثالثاً : إن أسباب ظهور حالات السمن هي :

ـ وجود الخادمات في المنزل مما سبب الخمول والكسل عند الكثير من الفتيات .

ـ كثرة تناول الطعام مع قلة الحركة ؛ يقول النبي  صلى الله عليه وسلم : « ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه ، فإذا كان لا محالة فاعلا ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه »رواه أحمد ([8]) 

رابعاً : يمكن أن تمارس المرأة الرياضة في بيتها وقد أجريت مجلة أسرتنا في عدد (40) استفتاء جاء فيه :

        ـ ما رأيك : إذا كانت المرأة حريصة على الرياضة فهل يمكنها ممارستها في بيتها بنجاح  ؟ فأجاب 91% بنعم ، و7% لا ، 2% ربما .

فيمكن للمرأة التي تعاني من هذه السمنة أن تمارس الرياضة في بيتها . 

 

الفصل الثاني

المفاسد المتوقعة على حصة التربية البدنية

هناك مفاسد عديدة من جملتها :

1 ـ خلع ملابسها في المدرسة ولبسها لملابس الرياضة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : «ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى »رواه أبو داود.

2 ـ قد تسبب زوال أو ضعف الحياء لدى الطالبة ، خاصة وهي تلبس تلك الملابس أمام زميلاتها وجمال المرأة هو في حيائها .

3 ـ قد تكون هذه الحصة عاملا مساعدا في انتشار ظاهرة الإعجاب المتزايدة في مدارس البنات ، خاصة وهي ترى زميلاتها التي تعجب بها بتلك الملابس الجميلة ، والقوام الجذاب فتزداد الفتنة فتنة والبلاء بلاءا .

4 ـ من المعلوم أنه لن يشارك جميع الطالبات في ممارسة الرياضة كما هو الحاصل عند الطلاب مما يساعد على كثرة الأحاديث الجانبية بين الطالبات وربما دارت أحاديث الإغراء والفساد وترويج لبعض الأفكار والأرقام والتشجيع عليها في تلك الفترة والتي لا يمكن للمدربة أن تراقب الجميع .

5 ـ قد تفقد الفتاة بكارتها بسبب بعض الحركات الرياضية ، فمع شدة الحماس وكثرة الحركة لا تشعر الفتاة إلا وقد فقدت أغلى ما تملك مما يسبب لها حرجا كبيرا .

6 ـ الاسترجال ؛ فدخول حصة التربية البدنية قد يفقد الفتاة أنوثتها ورقتها ويميل بها إلى الصلابة وطبيعة الرجال ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال ، والمترجلات من النساء " رواه البخاري (5436) والمترجلات من النساء يعني اللاتي يتشبهن بالرجال في زيَّهم وهيئتهم فأما في العلم والرأي فمحمود . 

7 ـ إن اعتماد مادة التربية البدنية في مدارس البنات هو البذرة الأولى للمشروع الرياضي النسائي الكبير ، على غرار المجتمعات الغربية ،والعربية المتغربة ، إذ سيتبع ذلك وبشكل متسارع الرياضة في التعليم العالي ، حيث تفتح التخصصات والكليات التي تعنى بتخريج المدربات والمعلمات للرياضة البدنية وغير البدنية ، ثم يتبع ذلك إقامة البطولات المدرسية والجامعية ..وبهذا نعلم أن ذلك المدخل ليس المراد به تنشيط أبدان الفتيات وتحصيل البنية الصحيحة لهن ، ولكنه سيخرج عن نطاقه ، كما خرج في مجالات أخرى .

8 ـ من سيتولى تدريب الطالبات ؟ هل ستكون من أهل هذا البلد ؟ وإن كان كذلك ؛ فما مدى خبرتها ؟!!وهل عندنا العدد الكافي للقيام بهذه المهمة ؟!! وإن كانت من بلد آخر فما مدى تمسكها بآداب الإسلام وشعائره خاصة ونحن ندرك وضع المجتمعات الأخرى ومدى التساهل في قضية العورات وكشفها فهل من الأمانة أن يتولى بنات المسلمين أمثال تلك النسوة ؟!!

9 ـ إرهاق أولياء الأمور بالمصروفات المالية ، فالفتاة تحتاج إلى ملابس رياضية والأبناء كذلك ،علما أن الفتاة شديدة الاهتمام بلباسها ومظهرها ،  وحالة الناس اليوم إلى الضعف والفقر أقرب منها من حالة الغنى واليسر .

10 ـ الإفراط في الرياضة لـه عواقب سيئة على صحة المرأة يتمثل باضطراب الحيض ونقص الخصوبة ، كما يؤثر على كثافة العظام [9].

11 ـ قد تصور الفتاة وهي بلباس الرياضة أو أحيانا وهي تنزع لباسها لتلبس ملابس الرياضة وآلات التصوير في هذا الوقت تعددت فيمكن أن تلتقط الصورة من خلال جهاز الجوال دون أن تعلم الفتاة ، وكم سيحدث من ضياع أعراض بسبب هذه الصورة؟وربما مورس مع الفتاة المصورة الضغط عليها لتخرج مع شاب أو تفضح بهذه الصورة نسأل الله تعالى السلامة والعافية .

12 ـ لبس الطالبة لملابس ضيقة أو شفافة أو قصيرة ؛ مما يتحقق عليها وعيد النبي صلى الله عليه وسلم المتقدم : « صنفان من أهل النار ..»الحديث .

13ـ قد تصاب الطالبة بالعين ، فقد تكون رشيقة البدن ، جميلة المنظر ، فإذا رأتها غيرها قد تصيبها بالعين ، والعين حق ، وهذا أمر لا يقلل من شأنه ، ولا يستهان بأمره فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أكثر من يموت من أمتي بالعين " رواه أحمد بإسناد حسن . وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْعَيْنُ حَقٌّ " رواه البخاري وغيره .

14 ـ إرهاق ميزانية الدولة دون أن يكون له الأثر الكبير ، فستنفق أموال على المدربات وعلى أدوات الرياضة وعلى تهيئة المدارس لممارسة مختلف أنواع الرياضة ونحوها من العقبات الموجودة الآن فهل تستحق كل هذه الأموال لتنفق في أمر نرى الآن في مدارس الطلاب عدم جدواه على أبناءنا ؟!!

ثم أليس هناك ما هو أهم من هذه المادة ؟ فهل وفرت الوزارة الوسائل التعليمية للطالبات ؟!! وهل استغنت عن المدارس المتهالكة ؟!! وهل فكرت الوزارة في كيفية تطبيق هذه المادة في المدارس المستأجرة ؟!! وهل بنات المسلمين في مأمن من أن يطلع عليهن أحد في تلك المباني أو أن هذا الأمر ليس له كبير اهتمام ؟!!

·   واقع مؤلم :

لقد سبقت هذه البلاد بلاد أخرى في إدخال التربية البدنية في مدارس البنات ، وحصل فيها من الصور المؤلمة ، والأحداث المؤسفة ، ما يتفطر له قلب الغيور ، ويعلم علما يقينيا أننا لسنا بمعزل عن هذا الواقع ، وأن تلك المجتمعات ربما جاءتها وعود بعدم حصول تلك المخاطر ولكنها وقعت وحصلت ، خاصة إذا علمنا أن ما نتحدث عنه الآن تطالب به المنظمات الغربية والتي تدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة ،فهل نتصور أنهم سيقفون عند حد إدخال هذه المادة لتؤدى الطالبات حركات سويدية فقط ؟!! أم سيتطور الأمر إلى وجود مباريات وتصفيات وأندية ومنتخبات  فنسأل الله تعالى أن يكفينا إياهم بما يشاء ؟!

الواقع يثبت أنهم لن يكتفوا بإدخال التربية البدنية في المدارس فقط وإليك نموذج على ذلك : ذكر  الأديب الكبير علي الطنطاوي في ذكرياته (8/270) أنه سبق أن درس في مدارس البنات في بداية تعليم الرجال للنساء ..وفي ذات يوم حصل له موقف قال فيه : ( ..حتى سمعت يوماً وأنا ألقي درسي أصواتاً ألتفت بلا شعور إلى مصدرها ، فإذا أربعون من الطالبات في درس الرياضة وهن يلبسن فيه ما لا يكاد يستر من نصفهن الأدنى إلا أيسره ، وكن في وضع  لا أحب ولا أستجيز أن أصفه فهو أفظع من أن يوصف ..)

ـ وقال أيضا في ذكرياته ( 5/ 226-227): ( سمعت مرة صوتاً من ساحة المدرسة ، فتلفت أنظر من النافذة ، فرأيت مشهداً ما كنت أتصور أن يكون في ملهى ، فضلاً عن المدرسة ، وهو أن طالبات أحد الفصول ، وكلهن كبيرات بالغات ، قد استلقين على ظهورهن في درس الرياضة ورفعن أرجلهن ، حتى بدت أفخاذهن عن آخرها ..).

وهذا الواقع الذي يتحدث عنه الشيخ ليس موجودا في بلده فحسب بل كل البلاد التي أدخلت هذه المادة يحصل فيها مثل ما ذكره الشيخ وأكثر .  

 

الفصل الثالث

الـــبـــدائــــل الـــمــنـــاســـــبـــة

1 ـ القيام بالأعمال الرياضية داخل المنـزل والمكتبات الإسلامية تزخر بالكتب التي يمكن الاستفادة منها في بعض التمارين الرياضية المهمة للمرأة [10].

مع العلم أن المرأة مطالبة بأعمال كثيرة جدا في بيتها  قد تأخذ وقتها كاملا، ومن العجيب أن عمل المرأة في بيتها يصنف في ضمن الأعمال الشاقة فهو يتطلب مجهودا كبيرا ..[11] وهذه الأعمال تعد وسيلة لتفريغ الطاقات الزائدة وقد ( أكد فريق من الباحثين الأمريكيين أن الأعمال العادية التي يقوم بها الشخص يوميا في منـزلة كالكنس والغسيل والعمل بالحديقة والمشي ..لها فوائد التمارين الرياضية ، فهي تقي من انسداد الشرايين والإصابة بأمراض القلب .)[12]

بل إن ممارسة التمرينات الرياضية في المنزل أكثر فائدة منها بالأندية، وقد ( أظهرت دراسة أن ممارسة التمارين الرياضية في المنزل قد يكون أكثر فائدة من التمرين في ناد رياضي . وقد اكتشف الباحثون أن النساء اللواتي يمارسن الرياضة في المنزل يفقدن وزنا أكثر ويصبح شكلهن أحسن من النساء اللواتي يمارسن التمارين في النوادي الخاصة .

وقد جاء في الدراسة التي نشرت في مجلة ( الاستشارات ) التي تصدر عن الجمعية الأمريكية لعلم النفس أن النساء السمينات الخاملات بوسعهن مباشرة وتنفيذ برنامج للتمارين الأيروبية في المنزل .

وقال العلماء أن الدراسة تحمل أنباء طيبة للنساء اللواتي لا يجدن الوقت الكافي أو يجدن صعوبة في الذهاب إلى الأندية الصحية .

وقال الباحث موئيل سيرز : ( لقد أظهر البحث الذي أجريناه أنه على المدى البعيد النساء اللواتي يبدأن ممارسة التمارين الرياضية في أجوائهن المنزلية لكون ذلك يناسبهن أكثرهن أكثر احتمالا للاستمرار ببرنامج التمارين والمحافظة على خفة الوزن ، من اللواتي يتجهن إلى الأندية الرياضية ) وقد تناولت الدراسة التي أجراها الباحثون في جامعة فلوريدا (49) امرأة سمينة وغير نشطة بحدود (190) رطلا و (49) سنة من العمر ، وطلب من النساء ممارسة المشي المعتدل لمدة ساعة كل يوم ولخمسة أيام في الأسبوع ، وقدمت للنساء مشورة حول تخفيف الوزن وخطة للحمية الغذائية الوزن وخطة للحمية الغذائية مع التشجيع على المواظبة على التمارين.وتم في الدراسة تقسيم النساء المشاركات إلى مجموعتين تمرن أعضاء المجموعة الأولى على أجهزة المشي في أحد الأندية ، فيما مارس أعضاء المجموعة الثانية بالمشي في الطرق . وبعد ستة أشهر كانت نسبة تخفيف الوزن متساوية تقريبا في المجموعتين وكذلك نسبة المشاركة في التمارين والحالة الصحية العامة .

ولكن بعد مضي سنة كاملة كانت المجموعة التي تمارس التمارين في المنزل متقدمة كثيرا وبعد (15) شهرا كان أعضاء هذه المجموعة قد خففوا وزنهم أكثر بكثير مما خففه أعضاء الفريق الآخر ، حيث بلغ متوسط الخسارة (25) رطلا في المجموعة لأولى و 15 رطلا في الثانية . وبعد 12 شهرا كانت سبع أعضاء قد انسحبن من ممارسة التمارين فيما انسحبت امرأة واحدة من مجموعة التمارين المنزلية . وقال الخبير الفيزيولوجي ريتشارد كوتن الناطق باسم ( مجلس الأمريكي للتمارين ) إن المغزى القوي للدراسة هو أن ممارسة التمارين في المنزل لها قيمتها فعلا ، وأن الذهاب إلى النادي الرياضي يجده كثيرون غير مناسب )[13] وقد ( أكد استفتاء أمريكي أجري في ست ولايات أن 34 % من الفتيات والنساء لا يفضلن ممارسة الرياضة بشكل منتظم اعتقاداً منهن أنها تؤثر على أنوثتهن ، وتؤكد التقارير الصحية أن أعمال المنـزل العادية أفضل أنواع الرياضة التي تناسب تكوين المرأة )([14])  فهذه دراسات ميدانية حقيقية أجريت على شريحة من المجتمع وتبين من خلالها الحق من الباطل ـ والحق حق ـ فكيف إذا شهدت به الأعداء ، ولكن كما قال الله تعالى : {  فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور } (الحج: من الآية46) 

2 ـ  إذا كانت المرأة ترغب في رياضية المشي فيوجد الآن في الأسواق الآت للمشي عليها  يمكن للمرأة الاستفادة منها ووضعها في المنـزل فتحقق بذلك رغبتها وهي في قعر بيتها بدون مضايقات المعاكسين ولا أضرار الشمس ولا غير ذلك وهي في أثناء ذلك يمكن لها أن تستمع إلى شريط هادف فتجمع بذلك بين مصلحتين التربية البدنية والتربية العقلية والنفسية .

3ـ الاستغناء عن الخادمات والقيام بالأعمال المنـزلية ومزاولتها لما لها من الأثر الفعال على جسم المرأة كما تقدم إثبات ذلك من خلال الدراسات التي أجريت .

4 ـ الاعتدال في الطعام والشراب فتصيب منهما ما تقيم به صلبها ، ويحفظ عليها صحتها ونشاطها ولياقة جسمها ، مستهدية بقول الله تعالى :{ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } [ الأعراف :31] وبقول النبي صلى الله عليه وسلم وهديه في الاعتدال بالطعام والشراب : " ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه ، فإذا كان لا محالة فاعلا ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه " رواه أحمد ([15])  ويقولعمر رضي الله عنه : إياكم والبطنة في الطعام والشراب ، فإنها مفسدة للجسد ، مورثة للسقم ، مكسلة عن الصلاة ، وعليكم بالقصد فيهما ، فإنه أصلح للجسد ، وأبعد عن السرف ، وإن الله تعالى ليبغض الحبر السمين ، وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه " ([16])

5 ـ لمزاولة رياضة المشي يمكن أن تزاولها في منـزلها ـ إن كان متسعاً ـ فإن لم يكن كذلك فيمكن مزاولتها في المنتزهات البرية البعيدة عن المدينة ، والبعيدة عن مضايقة الفضوليين .

 6 ـ المواظبة على صيام النوافل إذا كانت بلا زوج ، وإذا كانت ذات زوج فلا تصوم وهو شاهد إلا بإذنه .

 

الفصل الرابع

الحكم  الشرعي لإدخال التربية البدنية

إذا علم هذا تبين أن إدخال مادة التربية البدنية في مدارس البنات لا يجوز لما يلي :

1ـ روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صنفان من أهل النار لم أرهما ..وذكر : ( ونساء كاسيات عاريات ، مميلات مائلات ، رؤسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا )

ووجه الدلالة من الحديث: أن الفتيات في حصة التربية البدنية سيطالبن بارتداء ملابس إما أن تكون ضيقة تحدد حجم الأعضاء أو تكون قصيرة أو شفافة فتدخل في هذا الوعيد الشديد الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ،والواقع الموجود في بعض الأندية القائمة في بعض المستشفيات والمراكز الطبية ومشاغل الخياطة[17] ونحوها تؤكد هذه القضية ، ففي مجلة أسرتنا عدد (40) ص 36 : تقول : ( أقولها بصراحة متناهية وبلا تردد أن أسوء ما في تلك الأندية هو اللباس الذي ترتديه عاملات وعضوات النادي ، فهو في أبسط صورة : عار للغاية ، وهي صفة عامة لكل الموجودات ، بنطلونات ضيقة وخفيفة وبلايز عارية وضيقة كذلك ، أما في المسابح والسونا فالأمر أشد وطأة ، غياب تام ..تام ..تام للحياء والستر ..!! كل شيء باللباس يشير إلى الاشمئزاز ويستفز النفس السوية ويخدش الحياء !! لا أخفيكم سرا أنني في بدء جولتي الميدانية دخلت ناديا وشاهدت منظر النساء وهن يسبحن فلم أستطع إكمال الجولة بنفس اليوم لعظم ما رأيت !!!! ومما يحز في النفس ويضاعف معدل الأمر أن بعضها تضع لوحات تؤكد على مسألة الاحتشام والالتزام بالستر داخل النادي ، فإذا دخلت علمت أن القضية مجرد تغطية وتضليل ليس إلا ..فالكلام في واد والواقع في واد بعيد كل البعد . )  يقول الإمام النووي رحمه الله : ( هذا الحديث من معجزات النبوة ، فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان ، وفيه ذم هذين الصنفين ، قيل معناه : كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها ، وقيل معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا لحالها ونحوه . وقيل معناه تلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها . وأما (مائلات ) فقيل معناه عن طاعة الله وما يلزمهن من حفظه ، ( مميلات ) أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم . وقيل ( مائلات ) يمشين متبخترات مميلات لأكتافهن . وقيل ( مائلات ) يمشطن المشطة المائلة وهي مشطة البغايا . ( مميلات ) يمشطن غيرهن تلك المشطة . ومعنى رؤسهن كأسنمة البخت : أن يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها .

2ـ  لما روى أبو داود عن أبي المليح رحمه الله قال : دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله عنها فقالت : ممن أنتن ؟ قلن من أهل الشام ، قالت : لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمامات ؟ قلن : نعم ، قالت : أما أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى " 

ولا شك أن المرأة في هذه القاعات تنـزع من ثيابها ما يمكنها من أداء الحركات بخفة وسهولة .

3ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال ، والمترجلات من النساء " رواه البخاري (5436)

وجه الدلالة من الحديث : أن المرأة التي تمارس أنواع الرياضة الموجودة الآن في العالم العربي والغربي تخالف فطرتها وأنوثتها وتتشبه بالرجال في لباسهم وهيئاتهم وأخلاقهم وتصرفاتهم مما يعني دخولها في هذا الوعيد ، قال ابن الأثير : ( المترجلات من النساء يعني اللاتي يتشبهن بالرجال في زيَّهم وهيئتهم فأما في العلم والرأي فمحمود .)[18]  .

4ـ القاعدة الشرعية تقول : ( درء المفسدة الراجحة مقدم على جلب المصلحة المرجوحة ) وهي من مقاصد الشريعة ، وصورتها : إذا رجحت المفسدة على المصلحة في الشيء الواحد يجب تقديم درء المفسدة ، وتغليب حكمها على جلب المصلحة ، وهذه القاعدة متفق عليها بين أهل العلم دون خلاف ، والأصل فيها قول الله تعالى : {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما}  [البقرة:219] فالله تعالى ذكر في هذه الآية أن في الخمر منافع إلا إن الحكمة الإلهية والمصالح الشرعية تحرمها ، لأنها تشتمل على مفاسد وآثام أضعاف تلكم المنافع اليسيرة ،ولو سلمنا بوجود مصالح في التربية البدنية للفتيات إلا أننا بالنظر إلى ما يترتب عليها من مفاسد نجده أضعافا مضاعفة بالنسبة لتلكم المصالح القليلة النسبية التي لا تكاد تذكر ، لأن مفاسدها قد بلغت من الخطورة ما لا ينكره عاقل ممن يستطيع أن يفرق بين التمرة والجمرة !! خاصة مع وجود البدائل المناسبة .

5ـ ومن الأدلة قاعدة ( سد الذرائع ) وقد أجمعت الأمة على سد الذرائع ، والذريعة ما أفضى إلى الحرام ، وكذلك ما كان مظنة للحرام ، ودليلها قوله تعالى :{ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} فمنع من سب الأصنام عند من يعلم أنه يسب الله تعالى حينئذ ، وقد استدل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على سد الذرائع بـ أربعة وعشرين وجهاً [19]، وكذا ابن القيم رحمه الله بـتسعة وتسعين دليلا[20] ، وكذا نقل الإجماع عليها الإمام الشاطبي[21] وغيره من أهل العلم .

 ولا يخفى ما عليه واقع التربية البدنية في المجتمعات المسلمة ولذا يقال بالمنع سداً للذريعة المفضية إلى الحرام ..فمن يضمن أن يتوقف الأمر على هذه الحصة فقط ؟!! ، ومن يضمن أن هذه الحصة خالية من المحاذير الشرعية ؟ ومن يضمن ألا تصور بنات المسلمين وهن يلبسن ملابس الرياضة وتنشر صورهن في مجامع الفجار وأراذل الخلق ؟ وقد جاءت النصوص الشرعية في بيان أن المرأة فتنة للرجل بل هي أضر الفتن ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم  :" ما تركت فتنة أضر على الرجال بعدي من النساء" متفق عليه . وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها ، فناظر كيف تعملون ؟ فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " رواه مسلم .

فإذا ثبت ذلك فإن من الحكمة والتعقل أن يتريث الإنسان فيما يتعلق بقضايا المرأة وأن يتريث فيما يتعلق بها من أحكام سداً لكل ذريعة مفضية للحرام . 

6ـ من القواعد الشرعية قاعدة : ( يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام ) فيجوز للإمام أن يجبر من أحدث في الطريق العام ما يضره بإزالته وإن كان فيه ضرر عليه دفعاً للضرر العام ، وكذا يقال في مادة التربية البدنية ..يتحمل الضرر الخاص وهو عدم الحركة لدى الطالبة لدفع الضرر العام وهو ما سيحصل من مفاسد في إقرارها ، علما أنه لن يكون هناك حتى الضرر الخاص لأن الفتاة يمكن أن تمارس الحركة والتمارين المناسبة في بيتها .

 

الفصل الخامس

شبهات حول الحكم الشرعي

 الشبهة الأولى : قولهم ( لقد وجه رسولنا عليه الصلاة والسلام تعليم أولاد المسلمين السباحة والرماية وركوب الخيل  ) [22]

والجواب :

أولاً : الآثار التي تفيد هذا المعنى هي :

أ ) ما أخرجه البيهقي في الشعب 6/401 عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرماية وأن لا يرزقه إلا طيباً " والحديث ضعيف ،وقد أورده الألباني في ضعيف الجامع الصغير (2732) .

ب ) عن بكر بن عبدالله بن الربيع الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " علموا أبناءكم السباحة والرماية ، ونعم لهو المؤمنة في بيتها المغزل ، وإذا دعاك أبواك فأجب أمك " أورده السيوطي في الجامع الصغير ( فيض القدير (4/327) وعزاه لابن مندة في المعرفة و رمز له بالحسن،والصواب بطلان الحديث كما قال الذهبي في الميزان (2/231) : ( خبر باطل ) وضعفه العجلوني في كشف الخفاء (2/68) والألباني في ضعيف الجامع (3726)

ج ) عن ابن عمر مرفوعا : " علموا أبناءكم السباحة والرمي والمرأة المغزل " رواه البيهقي في الشعب 6/401 وقال : به عبيد العطار منكر الحديث .وقال الألباني في ضعيف الجامع ص546 : ضعيف جدا.

د ) عن جابر مرفوعا : " علموا بنيكم الرمي فإنه نكاية العدو " رواه الديلمي في مسنده ، قال الألباني في ضعيف الجامع ص546 : موضوع .

هـ ) عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال عمر إلى أبي عبيد أن علموا صبيانكم العوم ، ومقاتلتكم الرمي .." الحديث رواه ابن حبان (13/401) ورقمه (6037) وصححه وحسنه الأرنؤوط .

ثانياً : من خلال هذا العرض السريع للآثار تبين :

أ ـ ضعف ما رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصح منها شيئا .

ب ـ صحة ما ورد عن عمر رضي الله عنه وهو موقوف عليه .

ج ـ لو سلمنا صحة الأحاديث فإننا لا نسلم صحة الاستدلال بها لأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم موجه إلى الأبناء دون البنات  فقال : " علموا أبناءكم " والابن يراد به الذكر ومما يؤكد ذلك قوله في عقب الحديث : " ونعم لهو المؤمنة في بيتها المغزل " وهكذا الآثار الباقية . لكن قد يعكر على هذا الاستدلال الحديث الأول لأن الولد يشمل الذكر والأنثى ، فيجاب عن ذلك : بأنه يجب حمل المطلق الذي هو ( أولادكم ) على المقيد الذي هو ( أبناءكم ) حسب القاعدة الأصولية المشهورة ، كما يؤكد ذلك تفسير عمر رضي الله عنه السابق في قوله ( صبيانكم ) وأيضا يؤكد ذلك واقع سلف الأمة الذين عرف عنهم شدة تمسكهم واتباعهم .

د ـ نحن لا نمانع أن تتعلم المرأة السباحة والرماية ونحوها مما يفيد إذا تولى هذا الأمر محرمها ؛ فإن كلام عمر رضي الله عنه ـ المتقدم ـ كان موجها إلى أولياء الأمور من آباء وأمهات فكل هذه الأمور مما يحتاجه الجميع ، ولكن يمكن أن تتعلمه المرأة بدون أن نحتاج إلى إدخال هذه المادة في مدارس البنات كما سنذكره في البدائل بإذن الله تعالى .

 

الشبهة الثانية : قولهم(ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فسابقته فسبقته ويمكننا على هذا أن نقيس أن مسابقة في الجري وهو لا شك نوع من الرياضة لم يمنعه أو يحرمه الإسلام للمرأة )([23])

والجواب: نعم لم يحرمه الإسلام وهذا باتفاق العلماء إذا كان بلا عوض ،[24] وقبل الخوض في التفاصيل لابد  أن نعرف حديث عائشة الذي استدل به صاحب هذه الشبهة :  روى الإمام أحمد في مسنده[25] عن عائشة قالت خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال لي تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقته فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقني فجعل يضحك وهو يقول هذه بتلك

ومن خلال الحديث تتضح الحقائق التالية :

أولاً : أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لم تسابق إلا زوجها صلى الله عليه وسلم ولم يثبت أنها سابقت غيره .

ثانياً : أنه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يتقدموا حتى لا تقع أبصارهم عليهما .ولم يكن هذا الأمر عارضاً إنما كرره صلى الله عليه وسلم مرة أخرى عندما سابقها ثانية مما يدل على أهمية هذا الأمر ولزومه .

ثالثاً : ليس القصد من هذا السباق هو الرياضة لذاتها ، إنما  القصد هو التودد والتحبب بين الزوجين ويدل على ذلك المقصد تكرار الرسول صلى الله عليه وسلم للسباق مع عائشة عندما حملت اللحم .

رابعاً : لو كان السباق مشروعا عند الرجال الأجانب لما خُص الرجل بالرَمل في الطواف ،والسعي بقوة في بطن الوادي بين الصفا والمروة ومنعت منه المرأة إبقاء لحشمتها وحفاظا على حجابها ، وانعدام الفائدة منه.

الشبهة الثالثة: قولهم ( عند بدء تعليم المرأة في هذه البلاد واجه معارضة حادة من قبل الناس وعندما عرفوا قيمته تسابقوا إليه وسارعوا بتسجيل بناتهم ، وهكذا التربية البدنية  )

والجواب :

أولاً :هناك فرق شاسع ،وبون عظيم بين الأمرين فمعارضة الناس في ذلك الوقت للتعليم ليس لذات التعليم وإنما لأنه لم يكن يوجد في العالم الإسلامي آنذاك تعليم سالم من المخالفات الشرعية حتى يجعل قاعدة يقاس عليها ..فحصلت المعارضة بسبب ذلك ، وعندما اكتشف الجميع أن التعليم سيكون بصورة شرعية سارع الجميع لتعليم بناتهم لعلمهم بمدى أهمية العلم ومكانته .

ثانياً :أن معارضة الناس في ذلك الوقت كان لـه ثمرة عظيمة ، ومنفعة جليلة ..وهي ما تنعم به هذه البلاد من تعليم نفاخر به العالم.. ففي أي دولة في العالم يوجد تعليم لا اختلاط فيه من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الجامعية ؟!! فاعتراضهم جعلنا ننعم بهذه النعمة التي نحمد الله تعالى عليها ونسأله أن تستمر على ذلك .

ثالثا :أن أفعال الناس ليست بحجة في شرع الله تعالى فكون الناس فعلوا أو تركوا لا يعني ذلك حكماً شرعياً بالحلال أو الحرام ، فالحق ما وافق الكتاب والسنة ،والباطل ما خالفهما ولو اجتمع عليه الناس فإبراهيم عليه السلام سماه الله أمة في قوله تعالى : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }(النحل:120)

  مع أنه وحده عليه السلام لأنه على الحق وقومه على باطل ، ولو أصبحنا ننظر فيما صنع الناس لصنعنا مثلهم  لظللنا وانحرفنا ، فكم من الناس من يرتكب المعاصي والذنوب ؟z كم الذين لا يشهدون الصلاة جماعة ؟ كم الذين يأكلون الربا ؟ كم الذين يسمعون الغناء ؟ يقول الله تبارك وتعالى{ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } (يوسف:103) وقال: { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (الأنعام: من الآية116)  . ولذلك النبي صلى الله عليه وسلميربي أصحابه على أن لا يكون الرجل منهم إمعة بل تكون له شخصيته وكيانه وله آراؤه وأفكاره عن حذيفة قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم :"  لا تكونوا  إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن اساءوا فلا تظلموا"  رواه الترمذي ([26])

ثالثاً :إن أضرار هذه المادة قد بدت لكل حاضر وباد ؛ حيث إن البلاد المجاورة  قد سبقتنا إلى هذا البلاء ، وظهر أثرها على أخلاق وسلوكيات النساء مما يجعلنا في غنى عن الدخول في هذا النفق المظلم وكما قيل السعيد من وعظ بغيره والشقي من وعظ غيره   به .([27])

 

هذا ما تيسر جمعه والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 


 [1]ـ   انظر : مجلة أقرأ عدد (208) بقلم : الجوهرة العنقري . 

[2]ـ فتح الباري (6/89)

[3]ـ مصنف ابن أبي شيبة (6/538) ورقمه (33653) . وقال في المجمع (5/323) : ( رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح ) .

[4]ـ  انظر : الجزيرة عدد (9727) بقلم عبد الله العجلان ، ونفس الفكرة في مجلة أقرأ عدد (208) بقلم جيهان الحكيم . 

[5]ـ  انظر سير أعلام النبلاء (5/78) وما بعده .

[6]ـ المجلة العربية ـ ذو الحجة ـ 1415هـ

[7]ـ جريدة الرياض ، الخميس 03 شوال 1424العدد 12942

[8]ـ  رواه أحمد (4/132 ) والترمذي 4/18)

[9]ـ  انظر كلام الدكتورة هناء الزامل في مجلة أسرتنا عدد (40) ص 37 .

[10]ـ ويمكن أن يوزع على الفتيات كتيب صحي يبين لهن التدريبات المهمة التي ينبغي عليهن الحرص عليها في البيت ليكسبن الرشاقة والابتعاد عن الترهل .. ويكون ذلك بإشراف متخصصين وشرعيين .

[11]ـ تأملات في عمل المرأة ص26

[12]ـ مجلة الأسرة عدد50 ص21

[13]ـ جريدة الرياض عدد

[14]ـ    انظر : كتاب " دنيا " ص 30 مالك الأحمد .

[15]  رواه أحمد (4/132 ) والترمذي 4/18.

[16]  كنزل العمال 15/433.

[17]ـ هذه داخل بلاد الحرمين والله المستعان .

[18]ـ النهاية في غريب الحديث (2/186) .

[19]ـ انظر : الفتاوى الكبرى (3/256) .

[20]ـ انظر : إعلام الموقعين (3/147ـ171) .

[21]ـ انظر : الموافقات (4/194ـ201) .

 [22]ـ  انظر : مجلة أقرأ عدد (208) . 

[23]ـ   انظر : مجلة أقرأ (208) . 

[24]ـ انظر المسابقات وأحكامها في الشريعة الإسلامية ص 155

[25]ـ رواه أحمد ورقمه (25075) وإسناده صحيح .

[26]  رواه الترمذي ورقمه ( 2012) و قال : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه  .

[27]   انظر على سبيل المثال : مجلة ( الفرح ) عدد (81) فقد بدت صورة الفتيات بملابس رياضية فاضحة ، أضف إلا ذلك الاختلاط الموجود !!! . 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام