حينما تكون الاختبارات.. تحت وقع الاحتلال
ملفات متنوعة
على مدار عقود من الاحتلال، استهدفت إسرائيل قطاع التعليم كأحد ركائز
المقاومة الفلسطينية الرافضة للخضوع؛ إذ يتناقض مفهوم الاحتلال
(بنيوياً) مع مفهوم التعليم، فالتعليم يهدف لبناء الإنسان في حين أن
الاحتلال يعمل على هدمه..
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
على مدار عقود من الاحتلال، استهدفت إسرائيل قطاع التعليم كأحد
ركائز المقاومة الفلسطينية الرافضة للخضوع؛ إذ يتناقض مفهوم الاحتلال
(بنيوياً) مع مفهوم التعليم، فالتعليم يهدف لبناء الإنسان في حين أن
الاحتلال يعمل على هدمه، ولم تسلم مباني وزارة التربية والتعليم
العالي والمدارس من أيدي جنود الاحتلال الذين دمروا أجزاء منها وعاثوا
فيها فساداً، وفلسطينياً كان من المنطقي أن يقابل ذلك تمسك بالتعليم
والاندفاع نحو كل ما يضيء النور ويرفع الظلم.
وعمل التعليم في فلسطين على الاتجاه نحو هدفه على الرغم من كل المعيقات، فعمل على إيجاد شخصية فلسطينية منتمية وخلاقة ومناضلة، واليوم بعد (58) عاماً من الاحتلال ما زال التعليم الفلسطيني صامداً يخرّج الأجيال وراء الأجيال، ويخوض الطلبة الفلسطينيون للسنة السادسة اختباراتهم النهائية في ظل انتفاضة عملت خلالها إسرائيل على تدمير الشجر والحجر، هذا بالتوازي مع حصار خانق تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية، ودخل شهره الثاني منذ تشكيل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) للحكومة الفلسطينية، ويخشى العديد من الطلبة الفلسطينيين من استمرار الحصار لفترة طويلة تتجاوز وقت الامتحانات المقررة في السابع من الشهر المقبل، خاصة وأن كافة شرائح المجتمع تعيش منذ شهرين حالة ترقب لم تمرّ من قبلُ لموعد صرف الرواتب، التي شكّلت عصب الحياة الاقتصادية. وفي محاولة لرصد الاستعدادات للطلبة ووزارة التربية، والاطلاع على آراء المختصين حول آثار وانعكاسات هذا الحصار والظروف على الطلاب ونفسياتهم كان هذا الموضوع.
الطلاب مستعدون.. لكن قلقون
بدأ طلبة المدارس الإعدادية والابتدائية في الأراضي الفلسطينية
اختباراتهم منذ أيام قليلة، بينما لايزال طلبة الثانوية العامة
يتأهبون استعداداً للتخرج من المدرسة والالتحاق في الجامعة، الطالب
محمود أيوب كان مشغولاً في إعداد بعض الكتب عندما سألناه عن
استعداداته للاختبارات، على الرغم مما تشهده فلسطين من حصار، فقال:
"مررنا بظروف أصعب من هذه الظروف، وتجاوزناها، فلماذا القلق؟ ورداً عن
سؤال فيما إذا كان الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض على فلسطين يؤثر
على دراسته أوضح قائلاً: "لا أخفي أن أجد نفسي أحياناً خارج الكتاب،
وأفكر بما سيحصل بعد انتهائي من مرحلة الاختبارات، هل سأستطيع
الالتحاق بالجامعة، ويتابع مبتسماً: أم سأنضم لجيش العاطلين عن
العمل".
ولكنه يؤكد في الوقت ذاته أنه يملك الإصرار على إكمال المسيرة،
على الرغم مما يعتريها من شوائب، ويضيف قائلاً: "لا نملك سوى التعليم؛
فهو سلاحنا الوحيد لكسر إرادة الاحتلال وتحقيق الانتصار إن شاء
الله".
من جانبه، الطالب أمجد القاضي يقول: "الوضع الاقتصادي المتردي لن
يمنعنا عن إكمال تعليمنا"، لكنه لا يخفي هو الآخر أن الظروف المحيطة
لها أثر كبير على طبيعة دراسته، مبيناً أنه يحاول قدر الإمكان
المساواة بين الدراسة والتفكير بما يجول حوله من ظروف".
وقد يكون خير دليل على الحالة النفسية التي يمر بها طلبة الثانوية العامة في فلسطين ما حدث مع الطالب محمد عبد الله عوض عديلي (18 عاماً) من سكان قرية بيتا جنوب نابلس في الضفة الغربية الذي قام بإشهار سلاح محلي الصنع على جندي صهيوني على حاجز عسكري وطلب منه عدم الحركة، وهدد جنود الاحتلال بأنه سيطلق النار عليهم إذا ما أقدموا على أي حركة، إلا أن جنود الحاجز تمكنوا من السيطرة عليه واعتقاله. وأكدت المصادر الفلسطينية أن الطالب محمد عبد الله يستعد لتقديم امتحان الثانوية العامة، ويعاني ظروفاً نفسية سيئة بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية في ظل العدوان الصهيوني المتواصل والحصار الذي تفرضه الإدارة الأمريكية وبعض الدوائر الغربية على الشعب الفلسطيني.
الأُسر... ماذا تقول؟
يولي الفلسطينيون أهمية كبرى لاختبارات الثانوية العامة،
ويعتبرونها المحدد الأول لمستقبل أولادهم، كون مستقبلهم التعليمي
يتوقف على نتائج هذه الاختبارات، إلا أن الأوضاع التي مر بها
الفلسطينيون، وخاصة خلال خمس السنوات الأخيرة، منذ انطلاق انتفاضة
الأقصى نهاية سبتمبر 2000 جعلتهم يخشون على مستقبل أبنائهم بسبب الجو
النفسي القاسي الذي خلّفته آلة الحرب الإسرائيلية، ولكن القلق ازداد
هذا العام بسبب الحصار المفروض أيضاً على الشعب الفلسطيني.
أبو سمير (47 عاماً) يقول: "أحاول قدر الإمكان إبعاد ابني سمير عن الأجواء التي تمر بها العائلة من ضائقة مالية خشية تأثره، ويضيف بأنه يضطر أحياناً لتقديم التطمينات له حول إمكانية إدخاله الجامعة لإكمال تعليمه، على الرغم من الظروف الاقتصادية التي تعيشها الأسرة بسبب الحصار.
أما عبد الله أبو السعيد (54 عاماً) فقد كان له حكاية أخرى مع
ابنه الذي يستعد للاختبارات؛ إذ يقول: "أحاول منذ فترة حث محمد ابني
على الدراسة وهو يرفض، وكلما أخبرته بضرورة الدراسة كون الاختبارات
اقتربت، أجابني: ما فائدة الدراسة الآن؟ ويصعقني بأسئلته: هل بعد أن
أنهي اختباراتي سأنضم للعمل معك في الدكان؟. ويضيف: "لقد حاولت إقناعه
من خلال زملائه ومعارفه دون فائدة، ولم يتبق على الاختبارات سوى أقل
من شهر ولكن دون فائدة".
ومن جانبها تقول الأم سميرة عبد الرحمن إن ابنتها متفوقة في
الدراسة منذ الصغر وما زالت، لكنها تشير إلى أنها بدأت تلاحظ منذ مدة
قصيرة شرودها أحياناً، مؤكدة في الوقت ذاته، بأنها متأكدة من نجاح
ابنتها وتفوقها كونها لديها وعي كامل بضرورة التعليم كطريق وحيد لتحدي
الاحتلال وكسر طوق الظلم.
المدرسون: آراء ومطالبات
يؤكد المدرس خالد سليم أن الحصار على الشعب الفلسطيني لن يكون له
أثر كبير على نوعية التحصيل العلمي لدى الطلبة، ولكنه قد ينعكس على
النتائج بشكل طفيف، مؤكداً في الوقت نفسه أن المدرسين يلتفون حول
الحكومة الفلسطينية، وأن الحصار في طريقه للزوال، بينما يرى المدرس
محمود جابر أن فقر فلسطين بالموارد الطبيعية جعل من رأس المال
الاجتماعي محط اهتمام للأنظار. وأصبح نظام التعليم في فلسطين يشكل أحد
أهم روافد العملية النضالية، والتي هدفت لتعزيز الشعور بالهويّة،
وترسيخ الانتماء الوطني. ولم يخفِ المدرس جابر خشيته من تمكين إسرائيل
لحصارها على الفلسطينيين يوم عقد الاختبارات، وذلك بالإغلاق غير
المسوّغ، وشبه الدائم للطرق والمدن؛ مما سيؤدي لتشويش العلمية
التعليمية.
التوتر لدى الطلبة
من جانبه يؤكد الخبير النفسي الدكتور سمير مخيمر أن العامل
الاقتصادي يشكل عصب الحياة الاجتماعية، ولا يمكن أن يستغني عنه الطالب
أو المدرس، مبيناً أن الحياة المعيشية في المجتمع تعتمد بشكل رئيس على
الرواتب، التي يؤدي تأخرها إلى حدوث شلل في الحياة الاقتصادية
والاجتماعية.
وأوضح الدكتور مخيمر في حديث صحافي أن تأخر الرواتب، سيؤثر سلباً
على التحصيل الدراسي لدى الطلبة، ومن ثم على الناحية الاجتماعية، حيث
يُصاب السلوك العام للمجتمع بحالة من التوتر والترقّب، ومتابعة
تصريحات المسؤولين حول آخر المستجدات لموضوع الرواتب، مما يولّد حالة
من عدم الاتزان والتركيز، وبالتالي عدم القدرة على أداء الواجبات
المناطة بالطلبة والمعلمين على حد سواء.
وأشار إلى أن طلبة الثانوية العامة هم الفئة الأكثر تضرراً بين الطلبة، نتيجة موضوع الرواتب؛ لأنهم بحاجة إلى أجواء نفسية مريحة تمكنهم من القدرة على التركيز في الدراسة. مشدداً أن المطلوب من المجتمع الدولي وجمعيات حقوق الإنسان، أن تنظر إلى مسألة الرواتب بجدية، بصفتها حقاً مشروعاً للشعب الفلسطيني؛ ليمارس حياته اليومية بكرامة؛ بدلاً من التحكم فيه، وفرض الأجندة الإسرائيلية، من خلال ممارسة الضغوط عليه بحرمانه من لقمة الخبز عقاباً له على ممارسة حقه الديموقراطي.
3/5/1427 هـ
30/05/2006 م
المصدر: بشار دراغمة وخلف خلف - موقع الإسلام اليوم