(14) من الإعجاز التشريعي للقرآن تحريم الدماء
لقد أثبت العلم بما لا يدع مجالًا للشك أن الدماء التي أودعها الله لحوم الحيوانات تحمل من الجراثيم والمضار الكثير الكثير، ومن هنا ندرك الحكمة والمقصد الشرعي من التذكية التي أمر بها الشارع قبل تناول لحوم الحيوانات، وذلك أن في هذه التذكية إخراجًا لتلك الدماء الخبيثة الضارة.
- التصنيفات: القرآن وعلومه - الإعجاز العلمي - فقه الأطعمة والأشربة - الإسلام والعلم -
قال تعالى في محكم كتابه:
{قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام:145]، ووَصَفَ القرآن نبينا عليه الصلاة والسلام فقال: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف من الآية:157].
لقد أثبت العلم بما لا يدع مجالًا للشك أن الدماء التي أودعها الله لحوم الحيوانات تحمل من الجراثيم والمضار الكثير الكثير، ومن هنا ندرك الحكمة والمقصد الشرعي من التذكية التي أمر بها الشارع قبل تناول لحوم الحيوانات، وذلك أن في هذه التذكية إخراجًا لتلك الدماء الخبيثة الضارة.
والسر في تحريم الدم المسفوح ما أثبته العلم اليوم من أن الدم يعتبر مرتعًا صالحًا لتكاثر الجراثيم ونموها، ثم هو فوق ذلك لا يحتوي على أي مادة غذائية، بل إنه عسر الهضم جدًا، حتى إنه إذا صُبَّ جزء منه في معدة الإنسان تقيأه مباشرة، أو خرج مع البراز دون هضم على صورة مادة سوداء.
وقد أكدت جميع الأبحاث العلمية في هذا المجال، أن الأضرار الناجمة عن شرب الدم أو طبخه كبيرة للغاية بسبب ما يحويه الدم من الجراثيم، فضلًا عن أن الدم -على عكس ما يُتصور- هو عنصر فقير جدًا من الناحية الغذائية، وأن القدر البروتيني الذي يحويه الدم يأتي مختلطًا بعناصر شديدة السُّمِّية، وغاية في الضرر، الأمر الذي يجعل الإقدام على تناوله مجازفة كبرى، وإلقاء للنفس في التهلكة، بل هو فوق ذلك، يحتوي على عناصر سامة يأتي في مقدمتها غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو غاز قاتل خانق، وهذا ما يفسر تحريم المختنق من الحيوان أيضًا، وذلك أن (المختنقة) إنما تموت عن طريقة تراكم هذا الغاز في دمائها ما يؤدي إلى نَفَاقها.
ولا شك، فإن تكرار شرب الدماء لمن اعتاد عليها، وهي مشبعة بهذا الغاز القاتل، مؤدٍّ إلى أضرار صحية بالغة الخطورة قد تودي بحياة الإنسان.
وما أتينا عليه من العواقب الوخيمة المترتبة على تعاطي الدماء كافٍ -فيما نحسب- لتحريمها وتشريع القوانين المانعة لتعاطيها.
بقي أن نقول لك: إن الإسلام قد عفى عن قليل الدماء لعدم إمكانية التحرز منه، وعدم تحقق الضرر فيه، ولذلك جاء النص القرآني بتحريم الدم الموصوف بالمسفوح: {أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [الأنعام من الآية:145]، وهذا يدل على أن الدم الذي يبقى عالقًا في اللحم غير داخل في التحريم، يقول الطبري في ذلك: "وفي اشتراطه جل ثناؤه في الدم عند إعلامه عباده تحريمه إياه المسفوح منه دون غيره، الدليل الواضح على أنه إن لم يكن مسفوحًا فهو حلال غير نجس".
فسبحان الذي علَّم النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يعلم، وامتن عليه بذلك بقوله: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء من الآية:113].
وسبحان الذي أكرم العالم بهذا الدين القويم، والصراط المستقيم، والمنهج المبين: {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} [المائدة من الآية:15].