(29) قبيل السفر إلى العمرة

أم هانئ

فجلست طويلاً على جانب الطريق، فلما يئست لم أعد أطيق؛ انتابني إعياء شديد، واشتدت حاجتي لهواء جديد؛ فتحاملت على نفسي، وفي بطء شديد أتممت الطريق وحدي!

  • التصنيفات: تربية النفس - قصص مؤثرة -

تقول صاحبتنا:

حرصنا على الذهاب إلى مسجد قباء (1)، ومررنا على جبل أحد ذلك الجبل المحبوب،الذي له ما له في كل القلوب، وددت لو أحتضن الجبل، وكل ذراته ألثمها بالقُبَل!! (2)، وبجواره كان قبر سيد الشهداء (3)، ووقفنا طويلاً عند البقيع، نردد الدعاء لربّ سميع (4).

وتقررالسفر بعد عصرالجمعة، فبكّرإلى المسجد النبوي أجمعنا، وكنت في حالة من الدوارالشديد، أستند إلى ذراع أمي في الطريق، وكان الطريق في وسط  السوق، فاستوقفتني أمي  لتشاهد ما يروق!

- قلت: أمي -فضلاً- لا أحتمل الانتظار، ولا أستطيع الوقوف لشدة الدوار!
- قالت: فقط لدقائق ،انظري هذا أم  ذاك .. لا أرى من فارق!!
- قلت: والله لا أدري، هيا بالله يا أمي!!
- فقالت: انتظري قليلاً، سأذهب لأجلب مالاً لن أغيب طويلاً!!

فجلست طويلاً على جانب الطريق، فلما يئست لم أعد أطيق؛ انتابني إعياء شديد، واشتدت حاجتي لهواء جديد؛ فتحاملت على نفسي، وفي بطء شديد أتممت الطريق وحدي!! فما إن وصلت وصليت تحية المسجد، جلست في لهفة أعب من هوائه المتجدد!!

ثم حضرت أمي، ولم تكف عن تقريعي ولومي!! فجرت من عيني الدموع، وأقسمتُ لها أني لم أستطع الانتظار، ولا إليها الرجوع!!

- فقالت متغيظة : بل أنت لا تحبين الأسواق؛ فسارعتِ إلى المسجد بالأشواق!

فأشفقت عليّ أم رفيقتي، وأخذت تربت على كتفي وتمسح دمعتي، ثم أخذت رأسي حين بدأت الصلاة ووضعتها على فخذها، وفي هذا الوضع استمعت إلى خطبة الجمعة  كلها!

وبعد تمام الصلاة، ظللنا جميعًا جالسات في أناة، حتى إذا خلا المكان، ولم يبقَ إلا القليل من الأنام، كان بيننا هذا الكلام:

- هيا نصلي العصر في جماعة وقصر، علنا نحصّل بصلاته في مسجد النبي هذا الأجر! (5)

ثم أمتنا إحدى الأخوات الحافظات، وكنا عن القول بترك الجمع إلى الجمعة جاهلات! (6)

وكانت  تلك الصلاة  آخرالصلوات في مسجد نبينا عليه السلام وأفضل الصلوات!

ويتبـع بإذن الله.
----------------------------------------------------
(1) «من تطهر في بيته، ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه، كان له كأجر عمرة» ( صحيح الجامع رقم: 6154 )

(2) « أحد جبل يحبنا و نحبه» (صحيح الجامع رقم: 191)، صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله وقال: «اثبت أحد، فما عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيدان» ( صحيح البخاري رقم: 3686)
(3) «حمزة سيد الشهداء يوم القيامة» ( صحيح الجامع رقم: 3158)
(4) «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر كان قائلهم يقول السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية» (صحيح ابن ماجه رقم: 1267)
(5) «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ، و صلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة مرة» (صحيح الجامع رقم: 3841 )

(6)- سؤال : كنت مسافرًا ونزلت في الطريق في إحدى القرى وصليت معهم صلاة الجمعة وبعد الصلاة قمت وصليت صلاة العصر أي جمعت الجمعة والعصر وكان معي بعض أصحابي فاعترض علي وقال لا يجوز جمع صلاة العصر مع الجمعة ، فما حكم ذلك ؟
                                                  الجـواب :
الحمد لله ما قاله صاحبك صحيح، أن صلاة الجمعة لا تجمع مع صلاة العصر، وإنما ورد الشرع بجمع صلاة الظهر مع العصر، وصلاة المغرب مع العشاء.
وعلى هذا فعليك أن تعيد صلاة العصر التي جمعتها مع الجمعة لأنك قد صليتها قبل وقتها، والصلاة قبل وقتها باطلة لا تصح.
وقد فصل الشيخ ابن عثيمين حكم هذه المسألة فقال: "لا يجوز جمع العصر إلى الجمعة في الحال التي يجوز فيها الجمع بين الظهر والعصر. فلو مر المسافر ببلد وصلى معهم الجمعة لم يجز أن يجمع العصر إليها.
ولو نزل مطر يبيح الجمع -وقلنا بجواز الجمع بين الظهر والعصر للمطر- لم يجز جمع العصر إلى الجمعة. ولو حضر المريض الذي يباح له الجمع إلى صلاة الجمعة فصلاها لم يجز أن يجمع إليها صلاة العصر.
ودليل ذلك قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء:103] . أي: مفروضًا لوقت معين، وقد بين الله تعالى هذا الوقت إجمالاً في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78] .
فـ (دلوك الشمس) زوالها، و(غسق الليل) اشتداد ظلمته، وهذا منتصف الليل. ويشمل هذا الوقت أربع صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، جمعت في وقت واحد؛ لأنه لا فصل بين أوقاتها، فكلما خرج وقت صلاة كان دخول وقت الصلاة التي تليها، وفصل صلاة الفجر لأنها لا تتصل بها صلاة العشاء ولا تتصل بصلاة الظهر.

وقد بينت السنة هذه الأوقات بالتفصيل في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر وغيرهما، وهو أن الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، ووقت العصر من حين أن يصير ظل كل شيء مثله إلى غروب الشمس، لكن ما بعد اصفرارها وقت ضرورة، ووقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، ووقت صلاة العشاء من غروب الشفق الأحمر إلى نصف الليل، ووقت الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، هذه حدود الله تعالى لأوقات الصلوات في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم.
فمن صلى صلاة قبل وقتها المحدد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله فهو آثم وصلاته مردودة , لقوله تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّـهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:229] . ولقوله صلي الله عليه وسلم «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد». وكذلك من صلاها بعد الوقت لغير عذر شرعي.
فمن صلى الظهر قبل زوال الشمس فصلاته باطلة مردودة وعليه قضاؤها. ومن صلى العصر قبل أن يصير ظل كل شيء مثله فصلاته باطلة مردودة، وعليه قضاؤها إلا أن يكون له عذر شرعي يبيح له جمعها تقديما إلى الظهر.
ومن صلى المغرب قبل غروب الشمس فصلاته باطلة مردودة، وعليه قضاؤها.
ومن صلى العشاء قبل مغيب الشفق الأحمر فصلاته باطلة مردودة، وعليه قضاؤها إلا أن يكون له عذر شرع يبيح له جمعها تقديما إلى المغرب.
ومن صلى الفجر قبل طلوع الفجر فصلاته مردودة، وعليه قضاؤها. هذا ما يقتضيه كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم.
وعلى هذا فمن جمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعة فقد صلاها قبل أن يدخل وقتها، وهو أن يصير ظل كل شيء مثله فتكون باطلة مردودة.
فإن قال قائل: أفلا يصح قياس جمع العصر إلى الجمعة على جمعها إلى الظهر؟
فالجواب: لا يصح ذلك لوجوه:
الأول: أنه قياس في العبادات.
الثاني: أن الجمعة صلاة مستقلة منفردة بأحكامها تفترق مع الظهر بأكثر من عشرين حكمًا، ومثل هذه الفروق تمنع أن تلحق إحدى الصلاتين بالأخرى.
الثالث: أن هذا القياس مخالف لظاهر السنة، فإن في صحيح مسلم عن عبد الله عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر، فسئل عن ذلك، فقال: أراد أن لا يحرج أمته.
وقد وقع المطر الذي فيه المشقة في عهد النبي صلي الله عليه وسلم ولم يجمع فيه بين العصر والجمعة كما في صحيح البخاري وغيره عن أنس بن مالك أن النبي صلي الله عليه وسلم استسقى يوم الجمعة وهو على المنبر، فما نزل من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته، ومثل هذا لا يقع إلا من مطر كثير يبيح الجمع لو كان جائزًا بين العصر والجمعة، قال: وفي الجمعة الأخرى دخل رجل فقال: يا رسول الله! غرق المال، وتهدم البناء، فادع الله يمسكها عنا. ومثل هذا يوجب أن يكون في الطرقات وحل يبيح الجمع لو كان جائزاً بين العصر والجمعة. فإن قال قائل: ما الدليل على منع جمع العصر والجمعة؟
فالجواب: أن هذا السؤال غير وارد ؛ لأن الأصل في العبادات المنع إلا بدليل، فلا يطالب من منع التعبد لله تعالى بشيء من الأعمال الظاهرة أو الباطنة، وإنما يطالب بذلك من تعبد به لقوله تعالى منكرا على من تعبدوا الله بلا شرع: { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } [الشورى:21]. وقال الله تعالى: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلام دينا } [المائدة:3]. وقال النبي صلي الله عليه وسلم: « من عمل عملا ليس فيه أمرنا فهو رد ». وعلى هذا:
فإذا قال القائل: ما الدليل على منع جمع العصر مع الجمعة ؟
قلنا: ما الدليل على جوازه ؟ فإن الأصل وجوب فعل صلاة العصر في وقتها خولف هذا الأصل في جمعها عند وجود سبب الجمع فبقي ما عداه على الأصل، وهو منع تقديمها على وقتها. فإن قال قائل: أرأيتم لو نوى بصلاة الجمعة صلاة الظهر ليتم له الجمع ؟
فالجواب: إن كان ذلك إمام الجمعة في أهل البلد أي أن أهل البلد نووا بالجمعة صلاة الظهر فلا شك في تحريمه وبطلان الصلاة؛ لأن الجمعة واجبة عليهم، فإذا عدلوا عنها إلى الظهر فقد عدلوا عما أمروا به إلى ما لم يؤمروا به، فيكون عملهم باطلاً مردودًا لقول النبي صلي الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».
وأما إن كان الذي نوى بالجمعة الظهر كمسافر صلى الجمعة وراء من يصليها فنوى بها الظهر ليجمع إليها العصر فلا يصح أيضًا، لأنه لما حضر الجمعة لزمته، ومن لزمته الجمعة فصلى الظهر قبل سلام الإمام منها لم تصح ظهره. وعلى تقدير صحة ذلك فقد فوت على نفسه خيرًا كثيرًا وهو أجر صلاة الجمعة.
هذا، وقد نص صاحبا المنتهى والإقناع (من علماء الحنابلة) على أن الجمعة لا يصح جمع العصر إليها ، ذكرًا ذلك في أول باب صلاة الجمعة.
وإنما أطلت في ذلك للحاجة إليه، والله أسأل أن يوفقنا للصواب، ونفع العباد، إنه جواد كريم" اهـ.


"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/371-375) .
http://www.islamway....w&fatwa_id=3453