الظمأ للكراهية!
محمد علي يوسف
هو ليس أيضًا بالوسيم اللامع الذي يشبه نجوم السينما وأبطال الدراما ممن تشع (الكاريزما) من ملامحهم وتطل الجاذبية عبر قسماتهم. رغم كل ذلك هو يتصدر قائمة الإعلاميين الأكثر مشاهدة في مصر وتشكل سفاهاته التي يتقيأها على الخلق كل مساء توجيهاً للرأي العام وإملاءً لوجهة النظر التي على الناس تبنيها!
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
ليس لبقًا عميق الصوت بل على العكس صوته (نشاز) مزعج ذو طبقات (تسرسع) باستمرار وأسلوب ركيك مستفز لا يطيق الشخص السوي سماعه، ولا هو بالمثقف الواع الذي تأسرك معارفه وتجذبك سعة اطلاعه، بل هو باستمرار يثير الضحك والسخرية من ضحالة طرحه ويستجلب الذهول الممزوج بالشفقة لمدى سطحية بضاعته ولامنطقية وجهل وتفاهة محتواه، وهو ليس أيضًا بالوسيم اللامع الذي يشبه نجوم السينما وأبطال الدراما ممن تشع (الكاريزما) من ملامحهم وتطل الجاذبية عبر قسماتهم. رغم كل ذلك هو يتصدر قائمة الإعلاميين الأكثر مشاهدة في مصر وتشكل سفاهاته التي يتقيأها على الخلق كل مساء توجيهاً للرأي العام وإملاءً لوجهة النظر التي على الناس تبنيها!
لماذا؟!
الحقيقة أن هذا السؤال كان يشكل لغزًا بالنسبة لي
ما المقومات التي أوصلته لهذه المكانة بين طائفة كبيرة من الخلق؟!
حين تأملت خطابه بشكل جدي تحليلي بعيد عن عواصف السخرية النخبوية التي عادة ما تغلف نقد ناقديه له = خرجت برأي.
إنها الكراهية، تلك المشاعر السلبية التي يجيد الرجل بثها بكفاءة تامة، كراهية ذكرتني بذلك المصطلح الذي نحته جورج أوريل في روايته الشهيرة 1984؛ مصطلح دقيقتي الكراهية، تلك الجرعة اليومية من الحقد والكره التي كانت تُسقى لأبطال الرواية بشكل منتظم لتشبع تلك الغريزة وتطمس أي قدرة على التفكير المنطقي الذي يطيش -إن وُجد- بين صرخات الغضب وصيحات الغل الناشئة عن هذا البث الدوري للكراهية هذا الإعلامي يجيد ذلك الأمر تمامًا. سويعات يومية من الكراهية والحقد والغل والإشعار بوجود مؤامرة كونية تستهدف المشاهد وتحشد كل ذراته لمواجهة الأعداء الذين قد يكونوا مختبئين في أي مكان حتى تحت سريره كما زعم المكارثيون بأمريكا أثناء الحرب الباردة حين سرت فيهم نفس حمى الكراهية والتربص بالعدو الشيوعي الأحمر وساد بينهم ذلك الشعار
Reds under the bed
الحمر -وهو لون الشيوعية العتيد- تحت سريرك، الأعداء توغلوا حتى صاروا تحت فرشنا.
الشيوعيون اخترقوا الأمة الأمريكية الصاعدة وصار خطرهم أقرب إلى المواطن الأمريكي من نعله القابع تحت سريره.
الحلم الأمريكي في خطر داهم (الشيوعيون تحت السرير) بهذه المفاهيم أشعل السيناتور جوزيف ماكارثي المجتمع الأمريكي واستثار من خلال لجان استجوابه في الكونجرس وحواراته ومقالاته نفوس الأمريكيين وأجج نعراتهم القومية لتصل إلى حالة من التشنج الوطني تشبه كثيرا تلك التي يجيد صاحبنا الإعلامي بثها.
إنهم قريبون...
وخطرون..
إنهم يهددون القيم العظيمة التي تصنع حلمنا
إنهم سيغيرون نمط حياتنا المرفهة وطبيعة مجتمعنا المتحضر
إذاً فلتستعر نيران الخوف في القلوب أكثر فأكثر وليكن ذلك سبيلاً لإنضاج المزيد من التشنج الوطني وجنون العظمة المتعصب للوطن المبهر الذي يعاني من خطر الأعداء المختبئين خلف كل باب وتحت كل حجر وعبر كل رأي مخالف أو قلم معارض.
كل من لا يصفق أو يطبل فضلاً عن كونه يختلف أو يعارض = فهو عدو متآمر مناويء خائن وعلينا الحذر منه
والأهم علينا كراهيته، علينا كراهيته لأنه يكرهنا ويتآمر علينا.
وهو يتآمر طبعًا لأننا عظماء وفضلاء ومتقدمون ومتحضرون وأقوياء و (ماحصلناش) و(مالناش زي) بالتالي هم يتآمرون علينا ويكرهوننا لابد إذا من مزيد من الكراهية المقابلة التي ترضي غرورنا من حيث لا نشعر، وكلما استعرت الكراهية أكثر؛ كلما ازداد الخوف واستشرى التربص أكثر فأكثر، وطالبت الغرائز المتشنجة بالمزيد من الإذكاء لنيران حقدها وغضبها، هنا تلجأ لصاحبنا وأمثاله لتلقي دقيقتي الكراهية بل قل ساعتي الكراهية، ومن هنا يعلو نجمه وترتفع مشاهداته لأعلى معدلاتها، فهو يشبع تلك الرغبة ويروي ذلك الظمأ؛ الظمأ للكراهية!