ذكاء عالم، موقف الشيخ أحمد شاكر من دعاة إفساد المرأة
سليمان بن صالح الخراشي
سيقول عني عبيد (النسوان) الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين
آمنوا: أني جامد، وأني رجعي، وما إلى ذلك من الأقاويل، ألا فليقولوا
ما شاؤوا، فما عبأت يوماً ما بما يقال عنّي، ولكني قلت ما يجب أن
أقول"...
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
بسم الله الرحمن الرحيم
يُعد الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - من أبرز علماء هذا العصر الثقات؛ ممن وفقهم الله تعالى للجمع بين العلم الشرعي ونشره (لاسيما علم الحديث)، مع المشاركة النافعة النابهة في قضايا المسلمين الحادثة. ومثل هذا الجمع لانكاد نجده إلا في قليل، وهو ما تحتاجه أمة الإسلام في كل زمان؛ لكي لاينحرف مسيرها بين عالم أو طالب علم منزوٍ عن هموم الأمة، أومتصدرٍ جهول بشرع الله.
ومما تميز به الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - كذلك: ذكاؤه المشهود في
مواجهة أهل الفساد والانحراف، ومعرفته بطرقهم وأساليبهم الملتوية، ومن
طالع مؤلفاته أو تعليقاته على الكتب (لاسيما تعليقاته على مسند الإمام
أحمد) عرف هذا؛ فهو جدير بكلمة عمر - رضي الله عنه: "لستُ بالخب ولا
الخب يخدعني". وقد اخترت من "جمهرة مقالاته" التي طُبعت في مجلدين هذا
العام، موقفًا مفيدًا يشهد لهذا الأمر؛ واجه به دعاة إفساد المرأة
المسلمة ؛ ممن كانت تعج بهم بلاد مصر ذاك الحين.
يقول الشيخ - رحمه الله -:
"لا يزال كثير من الناس يذكرون ذلك الجدال الغريب الذي ثار في الصحف
بشأن الخلاف في جواز ولاية المرأة القضاء!
والذي أثار هذا الجدال هو وزارة العدل؛ إذ تقدم إليها بعض (البنات)
اللائي أعطين شهادة الحقوق، ورأين أنهن بذلك صرن أهلاً لأن يكنَّ في
مناصب النيابة، تمهيداً لوصولهن إلى ولاية القضاء!!، فرأت الوزارة أن
لا تستبد بالفصل في هذه الطلبات وحدها، دون أن تستفتي العلماء
الرسميين.
وذهب العلماء الرسميون يتبارَوْن في الإفتاء!!، ويحكون في ذلك أقوال
الفقهاء؛ فمن ذاكرٍ مذاهب أبي حنيفة في إجازة ولايتها في الأموال فقط،
ومن ذاكرٍ المذهب المنسوب لابن جرير الطبري في إجازة ولايتها القضاء
بإطلاق، ومن ذاكرٍ المذهب الحق الذي لا يُجوز ولايتها القضاء قط، وأن
قضاءها باطلٌ مطلقاً، في الأموال وغير الأموال.
ومن أعجب المضحكات في هذا الجدال الغريب: أن تقوم امرأة فتكتب رداً
على من استدل من العلماء بالحديث الصحيح الثابت: «لن يفلح قوم ولَّوا
أمرهم امرأة»[رواه البخاري]. فتكون طريفة كل الطرافة، وتدل على أنها
تكتب بعقل المرأة حقاً، فتستدل على بطلان هذا الحديث؛ بأنه لا يُعقل
أن يقوله رسوله الله الذي يقول: "خذوا نصف دينكم عن هذه الحُميراء"!!
وهي لا تعرف هذا الحديث ولا ذاك الحديث، ولا تعرف أين يوجدان أو يوجد
أحدهما، من كتب السنة أو كتب الشريعة أو غيرها؛ لأن كتابتها تدل على
أنها مثقفة ثقافة إفرنجية خالصة! ليس لها من الثقافة العربية أو
الإسلامية نصيب!
ووجه العجب المضحك في استدلالها هذا الطريف : أن الحديث الذي استدلت
به حديث لا أصل له أبداً، أي هو حديث مكذوب لم يقله رسول الله صلى
الله عليه وسلم!!، ولستُ أزعم أنها هي التي اخترعته، فإني لا أظنها
تصل إلى هذه الدرجة. ولكنه حديث ذُكر في بعض المصنفات القديمة، ونصَّ
حفّاظ الحديث ونقدتُه العارفون العالمون على أنه حديث منكر، لم يجد له
العلماء الحفاظ إسناداً قط، بل قال ابن القيم الإمام: "كل حديث فيه يا
حميراء، أو ذكر الحميراء، فهو كذب مختلق".
فاعجبوا - في بلد العجائب - أن تقوم امرأة لا تعرف عن الشريعة شيئاً،
إلا أن يكون ما يعرفه العوام، على شك في هذا أيضاً، فتردّ على العلماء
الرسميين، وتجزم بتكذيب حديث صحيح ثابت، استناداً إلى حديث مختلق
مكذوب"!!
إلى أن يقول:
"سألت وزارة العدل العلماء فأجابوا. ولستُ أدري لِمَ أجابوا؟ وكيف
رضوا أن يجيبوا في مسألة فرعية، مبنية على أصلين خطيرين من أصول
الإسلام، هدمهما أهل هذا العصر أو كادوا؟!
ولو كنتُ ممن يُسأل في مثل هذا، لأوضحت الأصول، ثم بنيتُ عليها الجواب
عن الفرع أو الفروع.
فإن ولاية المرأة القضاء في بلدنا هذا، في عصرنا هذا يجب أن
يسبقها بيان حكم الله في أمرين بُنيتْ عليهما بداهةً:
أولاً: أيجوز في شرع الله أن يُحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس
عن تشريعات أوربا الوثنية الملحدة، بل بتشريع لا يبالي واضعه أوافق
شرعة الإسلام أم خالفها؟!
إن المسلمين لم يبلوا بهذا قط، فيما نعلم من تاريخهم، إلا في عهد من
أسوأ عهود الظلم والظلام، في عهد التتار، ومع هذا فإنهم لم يخضعوا له،
بل غلب الإسلام التتار، ثم مزجهم فأدخلهم في شرعته، وزال أثر ما صنعوا
من سوء، بثبات المسلمين على دينهم وشريعتهم، وبأن هذا الحكم السيء
الجائر كان مصدره الفريق الحاكم إذ ذاك، لم يندمج فيه أحد من أفراد
الأمم الإسلامية المحكومة، ولم يتعلموه، ولم يعلموه أبناءهم، فما أسرع
ما زال أثره؛ ولذلك لا نجد له في التاريخ الإسلامي -فيما أعلم أنا-
أثراً مفصلاً واضحاً إلا إشارةً عالية محكمةً دقيقة، من العلامة
الحافظ ابن كثير المتوفى سنة 774".
ثم ذكر تعليق ابن كثير على حكم التتار بقانونهم الوضعي الذي سموه
"الياسق"، ثم قال:
"أرأيتم هذا الوصف القوي من ابن كثير في القرن الثامن؟، ألستم ترونه
يصف حال المسلمين في هذا العصر في القرن الرابع عشر؟، إلا في فرق
واحد، أشرنا إليه آنفاً: أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام، أتى
عليها الزمن سريعاً، فاندمجت في الأمة الإسلامية، وزال أثر ما صنعت؟
ثم كان المسلمون الآن أسوأ حالاً منهم؛ لأن الأمة كلها الآن تكاد
تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة، والتي هي أشبه شيء بالياسق
الذي اصطنعه جنكيز خان، يتعلمها أبناؤها، ويفخرون بذلك آباءً وأبناءً،
ثم يجعلون مردَّ أمرهم إلى معتنقي هذا (الياسق العصري) ويشجبون من
عارضهم في ذلك، حتى لقد أدخلوا أيديهم في التشريع الإسلامي، يريدون
تحويله إلى (ياسقهم الجديد) بالهوينا واللين تارة، وبالمكر والخُدَع
تارة، وبما ملكت أيديهم من السلطان في الدولة تارات.
ويصرحون - ولا يستحيون - أنهم يعملون على فصل الدولة عن الدين!!،
وأنتم ترون ذلك وتعلمون.
أفيجوز مع هذا لمسلم أن يعتنق هذا الدين الجديد؟... أعني التشريع
الجديد!َ!، أو يجوز لأب أن يرسل أبناءه لتعلم هذا واعتناقه واعتقاده
والعمل به، ذكراً كان الابن أو أنثى، عالما كان الأب أو جاهلاً؟!
هذه أسئلة في صميم الموضوع وأصله، يجب الجواب عنه إثباتاً ونفياً
أولاً، حتى إذا ما تحقق الجواب بالأدلة الشرعية الصحيحة، التي لا
يستطيع مسلم أن يخالفها أو ينفيها أو يخرج عليها، استتبع ذلك
-بالضرورة- سؤالاً محدداً واضحاً: أيجوز حينئذ لرجل مسلم أن يلي
القضاء في ظل هذا (الياسق العصري) وأن يعمل به ويعرض عن شريعته
البينة؟!
ما أظن أن رجلاً مسلماً يعرف دينه ويؤمن به جملةً وتفصيلاً، ويؤمن بأن
هذا القرآن أنزله الله على رسوله كتاباً محكماً لا يأتيه الباطل من
بين يديه ولا من خلفه، وبأن طاعته وطاعة الرسول الذي جاء به واجبة
قطعية الوجوب في كل حال، ما أظنه يستطيع إلا أن يفتي فتوى صريحة بأن
ولاية الرجال القضاء في هذا الحال باطلةٌ بطلاناً أصلياً لا يلحقه
التصحيح ولا الإجازة!!
ثم يسقط السؤال عن ولاية المرأة هذه القضاء من تلقاء نفسه.
وثانياً: أيجوز في شرع الله أن تذهب الفتيات في فورة الشباب إلى
المدارس والجامعات، لتدرس القانون أو غيره، سواء مما يجوز تعلمه ومما
لا يجوز؟ وأن يختلط الفتيان والفتيان هذا الاختلاط المعيب، الذي نراه
ونسمع أخباره ونعرف أحواله.
أيجوز في شرع الله هذا السفور الفاجر الداعر، الذي تأباه الفطرة
السليمة والخلق القويم، والذي ترفضه الأديان كافة على الرغم مما يظن
الأغرار وعبَّاد الشهوات؟!
يجب أن نجيب عن هذا أولاً، ثم نبحث بعدُ فيما وراءه.
ثم يسقط السؤال عن ولاية المرأة القضاء من تلقاء نفسه.
ألا فليجب العلماء وليقولوا ما يعرفون، وليبلّغوا ما أُمروا بتبليغه،
غير متوانين ولا مقصرين.
سيقول عني عبيد (النسوان) الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين
آمنوا: أني جامد، وأني رجعي، وما إلى ذلك من الأقاويل، ألا فليقولوا
ما شاؤوا، فما عبأت يوماً ما بما يقال عنّي، ولكني قلت ما يجب أن
أقول" انتهى كلامه - رحمه الله - (جمهرة مقالات الشيخ أحمد شاكر، جمع
الأستاذ عبدالرحمن العقل، 598-591/2).
تعليق:
رحم الله الشيخ أحمد شاكر الذي تنبه إلى مكر أهل النفاق وتلبيسهم؛
عندما يتظاهرون بتعظيم الشرع ومرجعيته في بعض الفروع، وهم ينقضون
أصوله؛ ثم يأتي بعض السُذج -مهما بلغ علمه- فيُصدقهم ويتجاوب معهم؛
ولم يدرِ المسكين أنه يعينهم على هدم الشريعة والأخلاق. وخذ مثلا
لهذا: خوض هؤلاء المنافقين في قضية كشف الوجه، وأن فيها قولين، وأنهم
كأهل الإيمان يبحثون عن القول الراجح!!، فيصدقهم بعض المتصدرين
للفتوى، ويذكرون الخلاف والأدلة.. الخ؛ وما علم هذا المتصدر وأمثاله
أن القوم لا يعبأون بأقواله ولا بشرعه!!، وأنهم إنما يجعلونه سُلمًا
وخطوة أولى لإفسادهم.
وأذكر أن امرأة تعمل في إخراج الأفلام!!، لا تظهر في الصحف والقنوات
إلا متبرجة قد أبدت شعرها ونحرها وذراعيها وساقيها، صرحت لإحدى الصحف
بأن كشف الوجه فيه قولان!!، وأنها قد سألت الشيخ الفلاني عن هذا!!
اللهم هيئ لأمة الإسلام علماء أفذاذ من أمثال الشيخ أحمد شاكر - رحمه
الله -، ممن جمعت لهم بين العلم والذكاء، وجنبهم كل مغفل ساذج، والله
الموفق..