[2] استئذان الزوج في الخروج

خولة عبدالقادر درويش

وإن خرجت: فبالحدود المشروعة وبالطريقة المشروعة، تستأذن الزوج المسلم ولا تخرج بغير إذنه، وإلا اعتبرت عاصية لله ولرسوله، وبالمقابل فزوجها المسلم يرعى الله فيما ائتمنه، فيحرص على أن يبعدها عن الشبهات ومواطن الزلل. ويأخذ بيدها إلى كل خير، ليشاركها أجرها، سواء كان زيارة أقاربها وصلتهم أو بر والديها، أو صلة أخواتها في الله، أو العلم المشروع.

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - قضايا المرأة المسلمة -

إن الإسلام يأمر بالنظام في كل الحالات، في العادات والمعاملات، في السفر والحضر، فإذا خرج ثلاثة في سفر دعا إلى تأمير أحدهم، لذلك وتنظيماً للمجتمع فقد جعل قوامة الأسرة للرجل، فهو أقدر على القيام بهذا الاختصاص من المرأة، إذ جعل مجالها الطبيعي يتناسب مع فطرتها النفسية وتكوينها الجسمي، وهو إمداد المجتمع المسلم بالأجيال المؤمنة المهيأة لحمل رسالة هذا الدين.


ولا أحد ينكر فضل الاختصاص من حيث قلة الجهد، وجودة المردود، سواء في النواحي المادية أو الإنسانية، هذه الرئاسة والقوامة تقتضي وجوب طاعة المرأة لزوجها، وقد جاء في الفتاوى لابن تيمية: "والمرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها أوجب، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة، إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسك و مالك» (وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه)".

وفى الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة ماتت وزوجها راضٍ عنها دخلت الجنة» (وقال الترمذي: حديث حسن).

وقد ورد أيضاً في المسند وسنن ابن ماجة وصحيح ابن حبان عن ابن أبى أوفى قال: "لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما هذا يا معاذ؟»، قال: "أتيت الشام فوجدتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك يا رسول الله"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تفعلوا ذلك، فإني لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهى على قتب لم تمنعه».

وإذا أراد الرجل أن ينتقل بها إلى مكان آخر، مع قيامه بما يجب عليه وحفظ حدود الله فيها، ونهاها أبواها عن طاعته في ذلك فعليها أن تطيع زوجها دون أبويها.

وإذا نهاها الزوج عما أمر الله أو أمرها بما نهى الله عنه لم يكن لها أن تطيعه في ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (الفتاوى لابن تيمية [32] من [260-264] بإيجاز).

هذا، وطاعة الزوج ليست تسلطاً منه، ولا امتهاناً للمرأة، وانتقاصاً لشخصيتها، إنما هي من طاعة الله والقربات إليه التي تثاب عليها ويجب أن تعتز بها.. وهذا ما يميز المسلمة الواقفة عند حدود الله عن العابثة المتسيبة، التي لا أب يردها ولا زوج يمنعها، تخرج من البيت متى تشاء وحيث تشاء، فتزرع هذا الشر لتحصد الندامة فيما بعد بمشاكل لا تنتهي، واتهامات كثيرة، وواقع مرير، ونتائج وخيمة، ولا ينجي من ذلك إلا العودة إلى تحكيم شرع الله: {ولَهُنَّ مِثْلُ الَذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ولِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة من الآية:228]، وهذه الدرجة هي قوامة الأسرة.

"ولا يحل للزوجة أن تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، سواء كان ذلك لكونها مرضعاً أو لكونها قابلة أو غير ذلك من الصناعات، وإذا خرجت من بيت زوجها بغير إذنه كانت ناشزة عاصية لله ورسوله ومستحقة للعقوبة" (الفتاوى لابن تيمية [32/281]).

وهكذا فخروجها للعمل بغير إذن زوجها نشوز عن طاعة زوجها وعصيان لله ولرسوله، فكيف إذا خرجت للتزاور أياً كان السبب؟!! ولو كان ذلك لزيارة والديها المريضين.

"للزوج منعها من الخروج من منزلها إلى ما لها منه بد، سواء أرادت زيارة والديها، أو عيادتهما، أو حضور جنازة أحدهما. قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها، إلا أن يأذن لها" (المغني [7/20]).

وحتى الخروج للعبادة تحتاج معه إلى إذنه، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد للعبادة فأذنوا لهن» (صحيح البخاري [865]).

وعن ابن حبان من حديث زيد بن خالد: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» (صحيح ابن حبان [2211])، قال القسطلاني: "أي إذا أمنت المفسدة منهن وعليهن، وذلك هو الأغلب في ذلك الزمان، بخلاف زماننا هذا الكثير الفساد والمفسدين"، الكلام للقسطلاني عن زمانه.. فكيف بزماننا؟!

وقد ورد في بعض طرق الحديث ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وذلك في رواية حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر بلفظ: «لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن» (سنن أبي داود [567])، وحديث عائشة رضى الله عنها في منع النساء علقته على شرط: "لو رأى رسول الله ما أحدثته النساء".


وفى رواية عند البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: «إذا استأذنت امرأة أحدكم - أي أن تخرج إلى المسجد أو ما في معناه كشهود العيد وعيادة المريض - فلا يمنعها».

قال القسطلاني: "وليس في الحديث التقييد بالمسجد، إنما هو مطلق يشمل مواضع العبادة وغيرها".

ومقتضى الحديث: أن جواز خروج المرأة يحتاج إلى إذن الزوج (عون الباري [2/285-287] باختصار).

أما قول القائل: إنهن لا يخرجن من بيوتهن مطلقاً؛ لقوله تعالى:{وقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب من الآية:33]، فليس بحجة له، بدليل قوله تعالى بعدها: {ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب من الآية:33]، والمقصود به: عند خروجهن.

"ومعنى هذه الآية: الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى هذا لو لم يرد دليل يخصص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة؟" (أحكام القرآن للقرطبي [14/179]).

"وليس معنى هذا الأمر ملازمة البيوت فلا يبرحنها إطلاقاً، وإنما هي إيماءة لطيفة إلى أن يكون البيت هو الأصل في حياتهن، وهو المقر وما عداه استثناء طارئ لا يثقلن فيه ولا يستقررن وإنما هي الحاجة وتقضى وبقدرها" (في ظلال القرآن، سيد قطب، [5/2859]).

وقد عرف عن أمهات المؤمنين والصحابيات أنهن كن يخرجن في حوائجهن وللمشاركة في الغزو.

"فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا فيسقين الماء ويداوين الجرحى" (شرح صحيح مسلم [12/88]).

وفيه خروج للنساء في الغزو والانتفاع بهن في السقي والمداواة لمحارمهن وأزواجهن وغيرهم مما لا يكون فيه مس بشرة إلا موضع الحاجة.

وهذه أم عمارة تحدثنا حديثها يوم أحد: "خرجت أول النهار ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والريح والدولة للمسلمين، فلما انهزم المسلمون، انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أباشر القتال، وأذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف وأرمى بالقوس حتى خلصت إليّ الجراحة.

وعن عمر رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما التفت يوم أحد يميناً ولا شمالاً إلا ورأيتها تقاتل دوني»" (الإصابة [4/457]).

وتستأذنه صلى الله عليه وسلم أم سنان الأسلمية في الخروج إلى خيبر للسقيا ومداواة الجرحى، فقال لها عليه الصلاة والسلام: «فإن لك صواحب قد أذنت لهن من قومك ومن غيرهم فكوني مع أم سلمة» (الإصابة [4/443]).

وفي خيبر أيضاً عن امرأة من بني غفار قالت: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من بني غفار فقلنا: يا رسول الله، قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا - وهو يسير إلى خيبر - فنداوي الجرحى ونعين المسلمين بما استطعنا. فقال: «على بركة الله»، فخرجنا معه" (البداية والنهاية لابن كثير).

"حتى المُقعدة فلها الخروج في حوائجها نهاراً، سواء كانت مطلقة، أو متوفى عنها؛ لما روى جابر قال: "طُلقتْ خالتي ثلاثاً فخرجت تجذ نخلها فلقيها رجل فنهاها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " «اخرجي فجذي نخلك لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيراً» (السلسلة الصحيحة [2/349])".

وروى مجاهد قال: "استشهد رجال يوم أحد فجاءت نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: يا رسول الله، نستوحش بالليل، أفنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا بادرنا إلى بيوتنا؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تحدثن عند إحداكن حتى إذا أردتن النوم فلتؤب كل واحدة إلى بيتها»" (المغني [7/226]).

ويدخل الرسول صلى الله عليه وسلم على عائشة رضى الله عنها وعندها امرأة، قال: «من هذه؟»، قالت: "فلانة، تذكر من صلاتها"، قال: «مه، عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا»، فكان أحب الدين إليه مادام عليه صاحبه" (أخرجه البخاري في كتاب الإيمان).

كما طلب من الشفاء - وهى من المهاجرات الأول وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت من عقلاء النساء وفضلائهن - قال لها صلى الله عليه وسلم: «علمي حفصة رقية النملة كما علمتها الكتابة» (الإصابة [4/333]).

وكيف يكون تعليمها إلا بلقائها معها وخروجها إليها؟

فهذه كلها حالات تخرج فيها المرأة بمعرفة الرسول صلى الله عليه وسلم وإقراره بخروجها، أو أمره وإذنه الصريح به، فلو كان المقصود بالقرار في البيت عدم الخروج المطلق لنهى عن الخروج ولما أذن به.

ثم إن الحبس الدائم للمرأة في البيت ما هو إلا عقوبة شرعية - كان قبل أن يشرع حد الزنا، فنسخت هذه العقوبة بالحد الشرعي، أقول: كان الحبس في البيوت للمرأة التي تأتي الفاحشة؛ وذلك لقوله تعالى: {واللاَّتِي يَأْتِينَ الفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ في البُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ المَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء: 15].

أما المرأة العفيفة الملتزمة بأحكام دينها، والتي تراقب الله تعالى في حركاتها وسكناتها، فهي تقدر شرف مهمتها وعظم مسئوليتها: إنها إن قرت في بيتها فهي في عمل واعٍ يقظ، لا فراغ اللاهيات ولا تفاهة العابثات من ربات الفيديو والأزياء والسينما.

إنها تعد لأمتها الإسلامية أبطالها الذين يستعيدون مجدها، فتربيهم على الاعتزاز بقيم الإسلام؛ ليفدوه بأنفسهم إن واجههم الخصوم، ويعملون وسعهم لإعلاء كلمة الله.

وإن أرادت الخروج من بيتها فلن يكون ذلك إلا إن كانت المصلحة الشرعية في الخروج راجحة عنها في البقاء.

وإن خرجت: فبالحدود المشروعة وبالطريقة المشروعة، تستأذن الزوج المسلم ولا تخرج بغير إذنه، وإلا اعتبرت عاصية لله ولرسوله، وبالمقابل فزوجها المسلم يرعى الله فيما ائتمنه، فيحرص على أن يبعدها عن الشبهات ومواطن الزلل. ويأخذ بيدها إلى كل خير، ليشاركها أجرها، سواء كان زيارة أقاربها وصلتهم أو بر والديها، أو صلة أخواتها في الله، أو العلم المشروع.

ثم إن الأصل أن ينبني البيت المسلم على المودة والرحمة، لا الغلظة والتسلط. فالزوج والزوجة كلاهما يحكم الشرع ويزن الأمور بمقياسه، فلا يتعسف الرجل في استعمال حقه الذي منحه الله إياه، ويحفظ وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالمرأة: «استوصوا بالنساء خيراً» (صحيح مسلم [1468]). وبالمقابل لا يجمح الهوى بالمرأة ولا تستكبر عن طاعة زوجها فتكون في عداد الناشزات.

أما عند عدم الزوج لوفاته، أو لعدم زواج المرأة، فتستأذن أبويها، وهذا من برهما وحسن صحبتهما، فهما أحرص الناس على حسن سمعتها وجلب الخير لها.

المصدر: موقع لها اونلاين