الاستغفار عبادة الأبرار
سمى ظلم النفس ظلمًا؛ لأن نفس العبد ليست ملكًا له، يتصرف فيها بما يشاء، وإنما هي ملك لله تعالى قد جعلها أمانة عند العبد، وأمره أن يقيمها على طريق العدل، بإلزامها الصراط المستقيم علمًا وعملاً
- التصنيفات: التوبة - تزكية النفس -
الاستغفار مأخوذ من الغفر، وهو الستر والتغطية لما يكره ويخاف منه، وهو أمر هام وعبادة مطلوبة لدى كل عابد، خاصة في هذا الزمن الذي اتسعت فيه المعاصي وتنوعت وأصبحت تدخل في كل مكان نسأل الله السلامة لنا ولكل المسلمين، ومما لاشك فيه أن المعاصي لها دور كبير في الحرمان من لذة العبادة والصلة بالله عز وجل، وجل من أجل ذلك، فلابد علي المسلم من فتح باب علاج لكل هذه الأمراض التي تحول بينه وبين ربه، ولذا كان الكلام عن عبادة الاستغفار، وربنا سبحانه يحب من العبد أن يستغفره كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: « » أخرجه مسلم.
لأن ربنا غفور يغفر الذنب سبحانه ويتوب علي عباده ويفرح بتوبتهم؛ فهو الذي وصف الله نفسه بالعفو، وبالغفور، وبالتواب، وبأنه أهل التقوى وأهل المغفرة، فقال سبحانه: {إِن اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء من الآية:23]، وقال سبحانه: {نَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء:43]، وقال سبحانه: {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}[ [النساء من الآية:149]، وقال: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب من الآية:50]، وقال: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر: 56]. ثم جاء الأمر والتكليف للنبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِن اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:106].
وأمر الله المؤمنين أولي الألباب أن يلزموا تلك العبادة، فقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِن اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:199]، ومدح المستغفرين وأثنى عليهم قائلاً: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران:16-17]. وهذا هو حال أهل الإيمان مع ربهم أنهم كل ما أخطئوا أو قصروا نادوا على خالقهم بقولهم: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23].
ومن أجل ذلك الفضل علم النبي صلى الله عليه وسلم حبيبه وصديقه أبو بكر أفضل هذه الأمة وخيرها بعد نبينا محمد يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله علمني دعاءً أدعو به في صلاتي قال: قل: « » أخرجه البخاري (رقم 834)، ومسلم (رقم 2705).
أدلة القرآن الكريم حول الاستغفار:
قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135].
قال عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 3].
قوله عز وجل على لسان صالح عليه السلام: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود:61]
وقوله سبحانه على لسان شعيب عليه السلام: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود:90].
قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19].
قال تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ . وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:1 3]. قالت عائشة رضي الله عنها: ما صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلاَةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، إِلاَّ يَقُولُ فِيهَا: « » أخرجه البخاري في (صحيحه، كتاب: التفسير، تفسير سورة النصر رقم الحديث: [4967]).
{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون} [الذاريات:17-18].
قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:110].قال السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: "أي مَن تجرأ على المعاصي، واقتحم على الإثم، ثم استغفر الله استغفارًا تامًّا، يستلزم الإقرار بالذنب، والندم عليه، والإقلاع، والعزم على ألا يعود فهذا قد وعده مَن لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة، فيغفر له ما صدر منه من الذنب، ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب، ويعيد إليه ما تقدَّم من الأعمال الصالحة، ويوفِّقه فيما يستقبله من عمره، ولا يجعل ذنبه حائلاً عن توفيقه؛ لأنه قد غفره، وكذا سائر المعاصي الصغيرة والكبيرة، وسُمي سُوءًا؛ لكونه يسوء عامِلَه بعقوبته، ولكونه في نفسه سيئًا غير حسن، وكذلك ظلم النفس عند الإطلاق، يشمل ظلمَها بالشرك فما دونه...وسمى ظلم النفس ظلمًا؛ لأن نفس العبد ليست ملكًا له، يتصرف فيها بما يشاء، وإنما هي ملك لله تعالى قد جعلها أمانة عند العبد، وأمره أن يقيمها على طريق العدل، بإلزامها الصراط المستقيم علمًا وعملاً، فيسعى في تعليمها ما أمر به، ويسعى في العمل بما يجب.
قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33]، وسبب نزول هذه الآية: لما قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك، فأمطرْ علينا حجارةً من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، فنزلت: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ}، وقد دلَّت هذه الآيةُ على فضيلة الاستغفار وبركته، بإثبات أن المسلمين أَمِنوا من العذاب، الذي عذَّب الله به الأممَ؛ لأنهم استغفروا من الشرك بإتباعهم الإسلامَ.
قال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [هود:3]، قال ابن كثير: أي وآمركم بالاستغفار من الذنوب السالفة والتوبة منها إلى الله عز وجل فيما تستقبلونه، وأن تستمروا على ذلك {يمتعكم متاعاً حسناً} أي في الدنيا {إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله} أي في الدار الآخرة قاله قتادة.
ثانياً: أدلة السنة النبوية المطهرة:
قال صلى الله عليه وسلم: « »، قَالَ: « » أخرجه البخاري في (صحيحه، كتاب: الدعوات، باب: أفضل الاستغفار، رقم الحديث: [6306]، ص: [1097].
محمد عبد العاطي الترهوني