وما من شدة إلا سيأتي!
لأن الحياة دار ابتلاء، والإسلام ممتحن على كل الأحوال {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت من الآية:3]. ويجب أن يوقن داخله بظهور المسلمين وغلبة القوم المستضعفين {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا} [الأعراف من الآية:137].
- التصنيفات: الدعوة إلى الله - الواقع المعاصر - الطريق إلى الله -
يشتد الواقع عليكم بقضه وقضيضه، فتختنق معه الأنفاس الحزينة، فتذهب مذاهب الكآبة المتحيرة، وقد غصّت غما وضيقة، فتُلبسكم لباس الهون واليأس، حتى لتحسه في أنفاسك، وتنشب فيك ضعضعة داخلية، أو هزة نفسية من جراء مرارة متوحشة، وغمة متزايدة!
واقع مرير، تتدفق مرارته مع الطعام، وتعكر حلو العيش والشراب، فيتراجع الهناء، وترفرف علينا رايات الشقاء، ولكن المؤمن يستقبله بقلب كبير واثق بوعد الله ونصره {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا} [غافر من الآية:51].
لأن الحياة دار ابتلاء، والإسلام ممتحن على كل الأحوال {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت من الآية:3]. ويجب أن يوقن داخله بظهور المسلمين وغلبة القوم المستضعفين {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا} [الأعراف من الآية:137].
ولكن لهم آماد تجري، وسنن تمضي {فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم:84].
وكما قال أبو تمام:
وما من شدةٍ إلا سيأتي لها *** من بعد شدتها رخاءُ!
وثمة وسائل وطرق، منحها الله تعالى لأهل الإيمان يدرؤون بها غمتهم وحزنهم، وكما قال موسى عليه السلام {عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف من الآية:129].
ومن ذلك:
1. الاستعصام الإيماني: فبه الوقود المتجذر، والقاعدة الصلبة، والتدفق الحيوي الذي يبعث النفس على العمل والتحرك والانطلاق، ويقيها مغبة الضعف والانهيار والإحباط ، قال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم من الآية:47]، والمؤمنون أناس صح دينهم، واكتمل يقينهم، ولم تحترقهم الهواجس ولا الأراجيف {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139].
2. الدعاء الصادق: مستمسك إيماني ورحمة إلهية، وعُدّة مذخورة، تورث الفتح، وتعلي الهمة، وتخرق التحديات {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر من الآية:60]، وصح حديث « »، وقال في دعائه: « » كما في الصحيح.
3. العمل الدعوي: لا تنقطع المسيرة، ولا يوقف العمل، بسبب حزن جثم، او غاشم غلب، أو محنة وقعت! بل نجتهد ونجاهد، وندفع وندافع، وكذا هي الحياة {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج من الآية:78]. وبرغم مآسي المسلمين الفائتة لم يدع العلماء تدريسهم، ولا الدعاة وعظهم، ولا الشعراء حفزهم، ولا القضاة دورهم، وكل في ثغر، يدفع وبعمل ويتحرك!
4. الإعلام التثقيفي: من خلال رسالته التنويرية والمحاطة بسياج الأمانة والدقة والموضوعية، وكشف أعداء الإنسانية، والحريات المزعومة، فقد أُتينا من أكاذيب الغرب، وترهاته التي يضحك بها على السذج والمغفلين! وصح ذلك حين انعدام الإعلام، واستحواذهم عليه، وأما الآن فبات لنا إعلام وطفحت التقنية وثورة الفضائيات، ونستطيع المواجهه، وغرز معالم التبيين والتصحيح.
5. المقالات التوعوية: أقلام ذات احتراف وعمق، ونقد وتبصير، تنساب انسيابا تشق الأفئدة، ويحدث قبولا وقناعات فريدة! فلا تبخل بالنصح المحقق، والكشف المدقق، معذرة إلى الله، وقياما بواجب الحق، {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران من الآية:187].
6. التبصير الفضائي: والمعني به قنوات ذوات ميثاق شرف إعلامي، تعلن الحقيقية، وتظهر الصورة الحلية لمخدوعي الغرب، وسذج البلاد العربية، ولا تغسل أدمغتهم بمنجزات وهمية، أو تصريحات هلامية، محدودة الغاية والتأثير.
7. التعاون الإسلامي: توحدًا وتناصحًا، وتواصلًا وتعاضدًا، كما قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ} [المائدة من الآية:2]، والحرص على نبذ الفرقة والاختراق والتنازع، وأن الأعداء إنما يستفيدون من ذلك الشقاق {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال من الآية:46].
8. التراحم المجتمعي: وهو أن يشعر المسلم بأخيه، ويتحرك لمصابه، ويغضب لأذاه، ويجود من ماله، كما قال تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة من الآية:71]. وتحقيق مبدأ الجسد الواحد.
9. الإعداد الشرعي: ماديًا ومعنويًا وإيمانيًا وفكريًا وعسكريًا {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال من الآية:60]. وفي هذا الإعداد من الهيبة والرهبة والتلويح، وتحقيق الاستقرار ما لا يخفى على كل ذي لب.
10. الثبات القلبي: ولو هزل الجسم، وارتخت الأعضاء ، حين يمتلئ بالإيمان واليقين ومحبة الله ورسوله، {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق من الآية:37].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في (الاستقامة): "الشجاعة ليست هي قوة البدن، فقد يكون الرجل قوي البدن، ضعيف القلب، وإنما هي قوة القلب وثباته".
وإن أحدكم ليؤجر على حُزن وضعه في سبيل دينه وإخوانه، ولكننا نريد حزنا يصنع عملًا، ويبعث أملًا، ولا يفرق أو يوهن ويثبط، والله ناصر دينه وأولياءه ولو كره الكافرون..!
ومضة العزوف والتحزن السلبي لا يصنع إلا مزيد الوهن والتفكك، فكن إيجابيًا..!
د. حمزة آل فتحي
6/8/1437