نداء وتذكير لمساعدة المجاهدين في فلسطين
عبد العزيز بن باز
قال عليه الصلاة والسلام: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم
وألسنتكم».
- التصنيفات: فقه الجهاد -
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
أيها المسلمون في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد..
فقد قال سبحانه في محكم كتابه: {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ
أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ
قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}
[الصف:10]، وقال عز وجل: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا
بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
[التوبة:41]، وقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ
حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ
وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ
فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
[التوبة:111].
وثبت عن المصطفى- عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «
مثل
المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو
تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى
» (1)، وقال صلى الله عليه وسلم: «
المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك
بين أصابعه» (2)، وقال صلى الله
عليه وسلم: «من جهز غازياً فقد غزا ومن خلف غازياً في أهله
بخير فقد غزا» (3)، وقال عليه
الصلاة والسلام: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم
» (4).
والآيات والأحاديث في فضل الجهاد والإنفاق فيه والتشجيع على ذلك
كثيرة معلومة. فمساعدة المجاهدين في سبيل الله بالنفس والمال من أفضل
القربات ومن أعظم الأعمال الصالحات وهم من أحق الناس بالمساعدة من
الزكاة وغيرها. ومن حكمة الزكاة في الإسلام والصدقات أن يشعر المسلم
برابطة تجذبه نحو أخيه؛ لأنه يشعر بما يؤلمه، ويحس بما يقع عليه من
كوارث ومصائب، فيرق له قلبه ويعطف عليه ليدفع مما آتاه الله بنفس
راضية وقلب مطمئن بالإيمان.
والمجاهدون في داخل فلسطين- وفقهم الله جميعاً- يعانون مشكلات عظيمة
في جهادهم لأعداء الإسلام فيصبرون عليها رغم أن عدوهم وعدو الدين
الإسلامي يضربهم بقوته وأسلحته. وبكل ما يستطيع من صنوف الدمار وهم
بحمد الله صامدون وصابرون على مواصلة الجهاد في سبيل الله كما تتحدث
عنهم الأخبار والصحف ومن شاركهم في الجهاد من الثقات، لم يضعفوا ولم
تلن شكيمتهم ولكنهم في أشد الضرورة إلى دعم إخوانهم المسلمين
ومساعدتهم بالنفوس والأموال في قتال عدوهم عدو الإسلام والمسلمين
وتطهير بلادهم من رجس الكفرة وأذنابهم من اليهود.
وقد منَّ الله عليهم بالاجتماع وجمع الشمل على التصميم في مواصلة
الجهاد. فالواجب على إخوانهم المسلمين الحكام والأثرياء أن يدعموهم
ويعينوهم ويشدوا أزرهم حتى يكملوا مسيرة الجهاد ويفوزوا- إن شاء الله-
بالنصر المؤزر على أعدائهم أعداء الإسلام.
وإني أهيب بجميع إخواني المسلمين من رؤساء الحكومات الإسلامية وغيرهم
من الأثرياء في كل مكان بأن يقدموا لإخوانهم المجاهدين في فلسطين مما
آتاهم الله من فضله ومن الزكاة التي فرضها الله في أموالهم حقاً لمن
حددهم الله جل وعلا في سورة التوبة وهم ثمانية. قد دخل إخواننا
المجاهدون في فلسطين من ضمنهم.
والله- تبارك وتعالى- قد فرض حقاً في مال الغني لأخيه المسلم في آيات
كثيرة من كتابه الكريم كقوله سبحانه: {
وَالَّذِينَ فِي
أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ
} [المعارج:24]، وقوله تعالى: {
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا
مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا
مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ
} [الحديد:7] وقوله سبحانه: {
مَثَلُ الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ
أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ
وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
} [البقرة:261]، وقوله سبحانه: {
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا
تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
[البقرة:195] وهو سبحانه يثيب المسلم على ما يقدم لإخوانه ثواباً
عاجلاً وثواباً أخروياً يجد جزاءه عنده في يوم لا ينفع فيه مال ولا
بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، كما أنه يدفع عنه في الدنيا بعض
المصائب التي لولا الله سبحانه ثم الصدقات والإحسان لحقت به أو بماله
فدفع الله شرها بصدقته الطيبة وعمله الصالح. يقول الله- عز وجل-: {
وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ
تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا
} [المزمل:20]، ويقول عز وجل: {
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ
يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
} [سبأ:39]، ويقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: «
ما
نقص مال من صدقة»(5)، ويقول صلوات
الله وسلامه عليه: «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار
»(6)، ويقول صلى الله عليه وسلم في
الحديث الصحيح: «اتقوا النار ولو بشق تمرة
» (7).
وإخوانكم المجاهدون في داخل فلسطين- أيها المسلمون- يقاسون آلام
الجوع والجراح والقتل والتشريد فهم في أشد الضرورة إلى الكساء
والطعام، وفي أشد الضرورة إلى الدواء، كما أنهم في أشد الضرورة إلى
السلاح الذي يقاتلون به أعداء الله وأعداءهم. فجودوا عليهم أيها
المسلمون مما أعطاكم الله واعطفوا عليهم يبارك الله لكم ويخلف عليكم
ويضاعف لكم الأجور. كما جاء في الحديث الصحيح عن جرير بن عبد الله
البجلي رضي الله عنه قال: «كنا في صدر النهار عند رسول- الله صلى الله
عليه وسلم- فجاءه قوم عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف
عامتهم من مضر بل كلهم من مضر. فتمعر وجه رسول الله- صلى الله عليه
وسلم- لما رأى ما بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام
فصلى. ثم خطب فقال:{
يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا
كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
} [النساء:1]
والآية التي في الحشر:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ
} [الحشر:18]
تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من
صاع بره، من صاع تمره. حتى قال: ولو بشق تمرة. فجاء رجل من الأنصار
بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت عنها. ثم تتابع الناس حتى رأيت
كومين من طعام وثياب. حتى رأيت وجه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-
تهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: من سن في
الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص
من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من
عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء
» (8). رواه مسلم في صحيحه.
ثم هذه النفقة أيها المسلمون تؤجرون عليها وتخلف عليكم كما تقدم في
قوله سبحانه: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ
تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا
} [المزمل:20]، وفي قوله سبحانه: {
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ
يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
} [سبأ:20].
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي: «
يقول الله عز وجل: يا ابن آدم أنفق أُنفق عليك
»(9). ونسأل الله عز وجل أن يضاعف
أجر من ساهم في مساعدة إخوانه المجاهدين ويتقبل منه وأن يعين
المجاهدين في فلسطين وسائر المجاهدين في سبيله في كل مكان على كل خير
ويثبت أقدامهم في جهادهم ويمنحهم الفقه في الدين والصدق والإخلاص وأن
ينصرهم على أعداء الإسلام أينما كانوا إنه ولي ذلك والقادر
عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز (رحمه الله تعالى)
الرئيس العام (السابق) لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة
والإرشاد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري في (الأدب) باب رحمة الناس والبهائم: 6011، ومسلم
في (البر والصلة والآداب) باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم: 2586.
(2) صحيح البخاري (الصلاة): 481، صحيح مسلم (البر والصلة
والآداب):2585)، سنن الترمذي (البر والصلة): 1928، سنن النسائي
(الزكاة): 2560، سنن أبو داود (الأدب): 5131، مسند أحمد بن حنبل:
4/405.
(3) رواه البخاري في (الجهاد والسير) باب فضل من جهز غازياً أو خلفه
بخير: 2843، ومسلم في (الإمارة) باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله:
1895.
(4) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين من الصحابة) مسند أنس
بن مالك: 11837، وأبو داود في (الجهاد) باب كراهية ترك الغزو:
2504.
(5) رواه مسلم في (البر والصلة والآداب) باب استحباب العفو والتواضع:
2588.
(6) رواه الترمذي في (الجمعة) باب ما ذكر في فضل الصلاة: 614.
(7) رواه البخاري في (الزكاة) باب اتقوا النار ولو بشق تمرة: 1417،
ومسلم في (الزكاة) باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة: 1016.
(8) رواه مسلم في (الزكاة) باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة:
1017.
(9) رواه البخاري في (النفقات) باب فضل النفقة على الأهل: 5352،
ومسلم في (الزكاة) باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف: 993.