مقال من فوق أسطول كسر الحصار

ملفات متنوعة

نقدر أننا أمام عدو من ورائه معسكر يمتلك من العدة والعتاد والأموال
ما ليس لنا به قبل بحسابات المادةت لكني أنقل إليكم مشاعر وروح التحدي
والإصرار والعزيمة التي تملأ قلوب وتعلو وجوه كل المشاركين في القافلة
(حتى من غير المسلمين).

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

 

أكتب هذا المقال بعد صلاة فجر يوم السبت 29/5/2010، من على ظهر سفينة (الحرية لغزة) التركية العملاقة الواقفة في عرض البحر بالمياه الدولية بالقرب من قبرص في انتظار تجمع باقي السفن المكونة لأسطول (الحرية لغزة) والمقرر أن يتجه إلى غزة بعد ساعات.
 
ويوجد على ظهر هذه السفينة التي أقلعت بنا من مدينة أنطاليا بجنوب تركيا أكثر من سبعمائة متضامن من أكثر من أربعين دولة من بينهم برلمانيون وسياسيون وحقوقيون وناشطون ينتمون إلى مؤسسات إغاثية وجمعيات أهلية من مختلف الأجناس والأعراق والأديان (على رأسها هيئة المساعدات الإنسانية التركية وحركة غزة الحرة الأوربية وحركة شريان الحياة والحملة الأوربية لكسر الحصار ووفود لحركات سويدية ويونانية وبريطانية، وكان من فضل الله أن انضم لهذه الجهود- هذه المرة- جهود عربية وإسلامية واسعة على رأسها المشاركات الجزائرية والكويتية والماليزية).
 
 
يتكون الأسطول من ثمانية سفن، ثلاثة منها للشحن حملت أكثر من عشرة أطنان من المساعدات (التي تميزت هذه المرة أنها لم تكتف بالأغذية والأدوية بل ضمت لأول مرة مواد البناء من حديد وأسمنت وحوائط جاهزة لإعمار ما دمرته الحرب الصهيونية على غزة من بيوت ومدارس ومساجد،...).
 
كما أن الجديد- هذه المرة- أن المساهمين في القافلة اشتروا السفن ذاتها لتصبح آلية مستمرة لكسر الحصار عن غزة لحين انتهاء الحصار بشكل نهائي، وقد قدرت تلك المساهمات الشعبية بأكثر من عشرة ملايين دولاراً كان أسخاها إلى جانب المساهمات التركية الضخمة المساهمات الجزائرية والكويتية والماليزية.
 
 
وصلت إلى إسطنبول (برفقة أخي د. حازم فاروق) ومنها إلى مدينة أنطاليا (جنوب تركيا على الساحل الشمالي للبحر المتوسط) صباح الأحد 3/5/2010، وبقينا هناك حيث ترتيبات الشحن وتنسيقات وصول السفن القادمة من مختلف دول العالم (السويد- بريطانيا- أيرلندا- اليونان) لتلحق بالسفن والوفود المنتظرة في تركيا، ورغم أننا كمصريين لم نشارك سوى بأجسادنا إلا أن الوفود العربية (التي شاركت بملايين الدولارات وبعشرات المشاركين) قد اختارتني رئيسا ًلها (وهو شرف لا أستحقه إلا أنها دلالة مكانة شعب مصر في نفوس الأمة العربية).
 
 
خلال وجودنا في أنطاليا استمعنا عبر وسائل الإعلام إلى عروض صهيونية تقول غزة!!! كما استمعنا لعرض من مسؤلين مصريين بترحيب بالقافلة وباستعداد لإدخالها عبر العريش!!!

عقدت الاجتماعات تلو الاجتماعات واستقر قرار المنظمون بالإجماع على رفض هذه العروض لأن الغرض الرئيسى من قافلة السفن هذه المرة هو كسر الحصار وليس مجرد إدخال المساعدات
(هذا فضلاً عن رصيد التجربة المريرة التي عانتها قوافل شريان الحياة- بقيادة المناضل البريطاني جورج جالاوي- حين جاءت في المرة الاولى من غرب أوربا مروراً بشمال إفريقيا لتدخل لمصر عبر السلوم، وفي المرة الثانية من شرق أوروبا مروراً بتركيا وسوريا لتدخل لمصر عبر العريش، ومرة ثالثة حين جاءت راسا ًلتشتري المساعدات من القاهرة، ولاقت هذه القوافل الثلاث ما لاقته من عنت ومضايقات ورفضت السلطات دخول بعض المساعدات واعتبر كل المشاركين في القافلة الأخيرة غير مرغوب فيهم مصرياً).
 
علق المتحدث باسم وزارة الخارجية الصهيونية على القافلة فقال أنه لا يوجد حصار على غزة وأن البضائع والمساعدات جميعها تدخل إلي غزة ولا يوجد ما يستدعي هذا العمل الدعائي الذي لن تسمح به دولته، سمعنا أن معبر رفح تم فتحه لعبور قافلتين من الإمارات العربية تحمل عديد من شاحنات المساعدات!!!، وهنا فقط أذكر بخطورة أن يتم فتح وإغلاق المعبر بما يخدم المصالح الصهيونية حيث يغلق حين يكون مطلوب صهيونيا ًالضغط على أهل غزة- كما حدث أثناء الحرب عليها-! ويفتح حين يكون مطلوب تبييض وجه الكيان الصهيوني أمام الرأي العام العالمي ورفع الحرج عنه، على كل حال فقد قرر المشاركون أن الهدف هذه المرة ليس مجرد توصيل المساعدات ولكن كسر الحصار، بمعنى أن من واجبنا أن نتساءل بكل قوة:
إلى متى تعيش غزة وحدها- دون باقي مدن العالم كله- في عزلة وانفطاع وسجن كبير، حيث لا مطار جوي ولا ميناء بحري ولا منافذ برية طبيعية يتواصلون من خلالها مع باقي البشر؟!
 
لماذا أهل غزة- دون غيرهم من البشر- لا يحصلون على ضرورات حياتهم من طعام وشراب ودواء- فضلاً عن الكماليات التي هي أيضاً من حقهم كبشر- إلا تهريباً من خلال الأنفاق وبأغلى الأسعار؟!
 
لماذا مرضى غزة يمنعون من العلاج المناسب فيموتون؟! ولماذا طلاب غزة- دون غيرهم يمنعون من الخروج لتحصيل العلم؟ ولماذا حجاج غزة- دون غيرهم- يمنعون من آداء الفريضة أو مناسك العمرة؟
 
ولماذا أهل غزة- دون غيرهم من البشر- يمنعون من التواصل مع أهليهم وذويهم خارج غزة إلا لفترات محدودة ولأشخاص محدودين وبتصاريح من عدوهم؟
 
ولماذا بيوت ومدارس ومساجد غزة- دون غيرها- إذا تعرضت للتدمير لا يملك أهلها إعمارها؟! ولماذا بنوك غزة دون غيرها من مدن العالم لا تستقبل التحويلات البنكية؟
 
ولماذا أهل غزة- دون غيرهم من الشعوب- يعاقبون على اختيارهم لحكومتهم المنتخبة من خلال أنزه انتخابات عاشتها المنطفة العربية؟!
 
وأما آن لكل هذه الجرائم ضد الإنسانية ان تتوقف؟!
 
 
لقد استمرت جريمة الحصار بكل ما ترتب عليها من جرائم في تزايد مستمر عبر السنين (بالمناسبة تم هدم وتدمير مطار غزة الدولي الذي كان يستوعب 700000 مواطن فلسطيني سنوياً في ديسمبر 2001)، واستمر الحصار بشكل كامل منذ 2007، وحرص الكيان الصهيوني على تطبيع الحصار وتعويد العالم كله عليه، وشاركت حكومات وأنظمة في الحصار وصمتت الشعوب (التي لم تملك من أمرها شيئاً)، لحين وقع العدوان الصهيوني البربري على المحاصرين في ديسمبر 2008، فقام أحرار العالم ليعلنوا أن الصمت لم يعد ممكناً، وأنه إذا قبلت الحكومات والأنظمة بذلك- رضاً أو عجزاً- فإن الشعوب تستطيع أن تصنع شيئاً، ومن ثم تجيء هذه الحملة لتكسر الحصار بنفسها- بالدخول بحراً إلى غزة ولتفتح الطريق- مرة بعد المرة- أمام الملاحة البحرية من وإلى غزة، ولتهدي هذه السفن لأهل غزة لاستخدامها في التواصل مع العالم من حولهم.
 
 
طرح الإعلاميون المرافقون للقافلة علينا السؤال مراراً: ما هي السيناريوهات المتوقعة أمامكم؟، كما استمعنا في الأيام الثلاثة الأخيرة لتهديدات الصهاينة وتحذيراتهم (ليس فقط بأنهم لن يسمحوا بمرور القافلة وبوصولها إلى غزة، ولكن بلغنا قرار مجلس الوزراء الصهيوني المصغر الذي عهد للجيش بمهمة التصدي والمواجهة للقافلة لتتحول من مهمة سياسية إلى مهمة عسكرية)، ثم زفت إلينا وسائل الإعلام الخبر أن الجيش الصهيوني قد أعد عديد من الخيام والمعسكرات في أسدود بغرض إعتقال كل من على السفن، تدارسنا الخبر واستقر الرأي بالإجماع على المسير قدماً إلى غزة رأساً، وعدم التجاوب مع أي عروض بديلة وعدم الإلتفات للتهديدات والتحذيرات، وأعلن القائد العظيم بولنت يلدرن (رئيس هيئة الإغاثة الإنسانية التركية) مرة تلو المرة أنه ليس أمامنا من خيارات سوى الدخول إلى غزة بحراً (لتحقيق كسر الحصار عن الشعب المحاصر) مهما لاقينا من صعوبات، فإن منعنا فسنصر على مسيرنا فإن أعتدي علينا (ولو بالقتل أو الأسر) فلسنا أغلى من مليون ونصف مليون يتعرضون للقتل والأسر والجوع والحصار، ولن يعدو ما يحدث لنا أن يكون جريمة جديدة تضاف لسلسلة جرائم الكيان الصهيوني (التي تسلسلت من دير ياسين وكفر قاسم إلى قانا وجنين وخان يونس وما سجله تقرير جولدستون ببعيد)، لكن الجريمة هذه المرة ستكون ضد ممثلين لأكثر من أربعين دولةولعلها- هذه المرة- توقظ ضمير الإنسانية فيتحرك ضد هذه الجرائم ويرفض الصمت ويقف معنا يعلن أن الصمت لم يعد ممكناً.
 
 
هذه هي رسالتنا التي نريد بثها:
إما أن تنجح مهمتنا لكسر الحصار ومن ثم تتواصل المهمة لحين إنهائه، وحينذاك نستطيع كشعوب أن نتقدم لمواجهة باقي جرائم الصهيونية (التي أساءت للبشرية ووصمت جبينها بالعار)، سواء تلك التي تقع على الشعب الفلسطيني في غزة المحاصرة، أو تلك التي تقع عليه في الضفة من (طرد وسحب هويات وإغلاق وحواجز عسكرية ومصادرة أراضي ومطاردات وملاحقات واعتقالات) أو في القدس من (حفريات وتهديد مقدسات وتهويد أحياء وهدم بيوت وبناء مستوطنات) أو حتى في الشتات من منع حق في العودة للديار بالمخالفة لكل شرائع وقوانين الأرض والسماء، أو أن نوقظ ضمير العالم بما ترتكبه إسرائيل ضد مشاركين في عمل إنساني وصولاً لانتفاضة إنسانية عالمية شعبية ضد كل جرائم الاحتلال بل ضد الاحتلال ذاته.
 
نقدر أننا أمام عدو من ورائه معسكر يمتلك من العدة والعتاد والأموال ما ليس لنا به قبل بحسابات المادةت لكني أنقل إليكم مشاعر وروح التحدي والإصرار والعزيمة التي تملأ قلوب وتعلو وجوه كل المشاركين في القافلة (حتى من غير المسلمين).
 
ترى ماذا ستسفر عنه الساعات القادمة؟ أتصور أننا أمام لحظة فارقة في تاريخ الأمة بل في تارخ البشرية حين يتحرك ممثلون لكل الأجناس والأعراق والأديان في إصرار على الدفاع عن قيم الحق والعدل والحرية وفي محاولة لتحسين وجه الإنسانية الذي تلطخ طويلاً فهل تقف الشعوب موقف المتفرج أم تناصر هذا التحرك وتعضده وتقف في وجه خصومه بكل قوة حتى ينتصر؟!

 
المصدر: محمد البلتاجي