إنما عبادتك لك أنت(3) الصوم
سهام علي
الجانب الروحاني فى الصوم يميز هذه الشعيرة تمامًا فهو يحلق به بعيدًا عن عالم دنيا الماديات والشهوات إلى عالم السمو الروحاني ويحرره من عبودية المادة تمامًا ويشعره لذة القرب لله سبحانه وتعالى ومتعة العبودية لخالقه وحبيبه الذى يفتح بابه دوما على مصراعيه لمن يطرقه بقربة عبادة أو توبة أو أوبة أو إنابة
- التصنيفات: تربية النفس -
تناولنا الحديث قبلا عن الصلاة والزكاة؛ أما الصوم فهو الفريضة التالية في الإسلام قال تعالى: يا { أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة آية: 183]
وقد جعل الله للصوم أجرا عظيما حيث جاء فى الحديث: «البخاري؛ رقم: [2 749])
»صحيحوقول الله تعالى أن الصوم له من حيث بلوغ الإخلاص مداه، إذ أن الصوم هو العبادة الخفية التى لا يعرف حقيقتها إلا الله فالمرء يستطيع أن يعلن أنه صائم ثم يفطر خلسة.
هل الصوم يختلف عن سائر العبادات من حيث منفعته للمسلم ؟
الصوم من أهم الوسائل التى تعين الإنسان على تربية نفسه وقيادتها وضبطها والتحكم فيها وبناء إرادتها القوية، فامتناع المرء عن أهم احتياجاته وأقوى شهواته تؤهله للامتناع عن أي شئ دون ذلك، وامتلاك زمام أموره كلها وإحكام السيطرة عليها فإذا كان الامتناع عن الحاجات الأساسية يصبح ممكنًا؛ فمن باب أولى الامتناع عن أمور أخرى هي مما يجرح الصوم مثل ارتكاب المحرمات من غيبة وفحش وسب، فما هو أكبر من ذلك كالنميمة والقتل والسرقة والزنا وشرب الخمر وقول الزور وغيرها، فى الوقت نفسه يزدان الصوم بالتحلى بمكارم الأخلاق كالمروءة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وإعانة المحتاج وبسط الوجه وغيرها من محاسن السلوك وكلها أمور لو تأملناها واحدًا بعد الآخر لأدركنا مباشرة نفعها الهائل على المسلم كفرد لا تنقصه قوة العزيمة وقوة الشخصية والاتجاه نحو الكمال.
وبالنسبة للمجتمع فهو مجتمع متحاب مترابط تسوده المودة والمحبة وكل مقومات البنيان القوي غير القابل للتصدع ولا الضعضعة وهذه كلها معان مجملة لو فصلت لاحتاجت الصفحات الطوال، والقلم العبقري الذي يستطيع تصوير فوائد كل قيمة على حدة، فذلك منهج رباني فأنى لقلم بشري وصفه كما ينبغي، وكل هذا الحديث فى شق واحد وهو الشق المعنوي. ومن مغانم الصوم كشعيرة لا يمكن أن يكون الهدف منه هو مجرد الجوع والعطش
فهو بجانب كونه مربيا للإنسان دافعا للترفع عن رغباته وملذاته فهو ينقل الشخص الغني القادر بكل إمكاناته إلى عالم الإنسان الفقير الذى لا يملك حتى قوت يومه وكيف يصل به الجوع والعطش مع كونه واقعا مؤقتا لأنه بعد عدة سويعات سيفطر، فكيف يكون حال الفقير الذي لا يدري متى يجد لقمة الخبز التي قد تسد رمقه وقد لايجدها، فيدرك قسوة الحرمان ويعيش آلام الفقير فيتأكد من عظم فضل الله عليه وكثرة نعمائه فيعرف مدى تقصيره فى شكر المنعم وحمده.
ومن ناحية آخرى يرق قلبه لهذا الفقير ويشعر بحاجته فيفيض عليه حنانًا وعطفًا وعطاءًا و كلها أصلًا من عطاء الله له، فيحظى بثواب الله وبحب المساكين وبكونه ساهم فى الحفاظ على الأواصر التى تقوي المجتمع المسلم وتؤصل شعور الأخوة بين المسلمين غنيهم وفقيرهم كما فى الحديث: «صحيح البخاري؛رقم: [481])
» (البخاري،أما الجانب الروحاني فى الصوم فهو يميز هذه الشعيرة تمامًا فهو يحلق به بعيدًا عن عالم دنيا الماديات والشهوات إلى عالم السمو الروحاني ويحرره من عبودية المادة تمامًا ويشعره لذة القرب لله سبحانه وتعالى ومتعة العبودية لخالقه وحبيبه الذى يفتح بابه دوما على مصراعيه لمن يطرقه بقربة عبادة أو توبة أو أوبة أو إنابة ... وكلٍ يؤدي إلى الآخر فيشعر بخفة فى الروح والبدن ولما لا وهو قد أسلم قياده لرب الكون الذى يضع عنا الأوزار التى تثقل كواهلنا والذى يهون علينا أمور الدنيا بكل ما فيها من هموم وأحمال وهو الذى يحيينا فى جنة الدنيا قبل جنة الآخرة.
أما الآثار الصحية للصوم فلا نستطيع حصرها؛ وقد أكد الطب على أن الصوم يقلل العبء عن القلب ويخلص الجسم من الكوليسترول والشحوم ويقيه من الجلطات، كما أنه يقوي مناعة الجسم ويساعد على تجديد الخلايا الميتة ويخلص الجسم من السموم والمواد الضارة وهو بحق دورة وقائية سنوية لبعض الأمراض وعلاج من أمراض آخرى فهو كما أنه وقاية من الأورام فإنه يحمي من مرض السكري ويعالجه إذا ما هاجم الجسم
كما أنه يفيد فى علاج الأمراض الجلدية و يقي من مرض النقرص و يعالج آلام المفاصل، علاوة على أنه مقاوم للشيخوخة حيث أنه يزيد من إفراز الهرمونات التى تزيد من الحيوية والنشاط كذلك فالالتزام بالسحور يرفع التركيز وحسن الأداء.
أما الهدوء النفسي الذى يحققه الصيام بتقليله من إفراز الهرمونات المحفزة للقلق كالأدرينالين فهو من أفضل الثمار.
وكل تلك الفوائد جعلت بعض الأطباء غير المسلمين يصفون الصوم لمرضاهم كوسلة ناجحة لعلاج كثير من الأمراض.
وهكذا نجد الصوم عطية المولى النفيسة التي يجد قيها المسلم دواء لمعظم العلل والأدواء على اختلاف أنواعها وألوانها.