سلسلة غنائم الصائمين (1) سر بين العبد وربه

خالد بن منصور الدريس

فقد خص الله الصيام بإضافته إلى نفسه دون سائر الأعمال الأخرى، فما سبب ذلك يا تُرى؟

  • التصنيفات: ملفات شهر رمضان -

هو أمر جليل عظيم، لا تُقبلُ الأعمالُ الصالحةُ إلا به، ولا تزكو النفوسُ إلا من خلاله، وهو روح العبادات التي لا حياةَ لها، إلا بوجوده؛ ذلكم هو الإخلاص لله تعالى.

علاقة الصوم بأعمال القلوب؟

يرتبط الصيام بأعمال القلوب ارتباطاً وثيقاً، فقد أخبرنا سبحانه وتعالى أن الثمرةَ الكبرى، والغايةَ العظمى من فرضِ الصوم، بلوغُ التقوى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والتقوى محلها القلب.

علاقة الصوم بالإخلاص؟

يعدُ الصيامُ من أهمِ الوسائلِ المعينةِ على اكتساب الإخلاص والتحلي به، فلذا كان من أجلِّ ما يغنمه الصائمون في رمضانَ أن يتأملوا في حقيقة الإخلاص وما يشوبه من آفات، ثم يراجعوا أعمالهم وأقوالهم، وكلَ تصرفاتهم: أتحقق فيها الإخلاصُ لله تعالى أم لا؟

مفهوم الإخلاص ومعناه؟

والإخلاص: كلمة تدل على الصفاء والنقاء من الشوائب، والمقصود بها شرعاً: تصفية الارادة، وتنقية القصد، وتجريد النية ليكون المقصود بالطاعات وجه الله عز وجل.

سر بين العبد وربه؟

ويستدل على أثر الصيام في اكتساب خصلة الإخلاص، بما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في الحديث الصحيح أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ بعَشْر أَمْثَالِهَا، إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «إِلا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي»

فقد خص الله الصيام بإضافته إلى نفسه دون سائر الأعمال الأخرى، فما سبب ذلك يا تُرى؟

يقول العلماء في الإجابة عن هذا: ذلك لأن الصيام سر بين العبد وربه، لا يطلع عليه غيرُه، وهو أي الصيام مركب من أمرين:

الأول: نيةٍ باطنةٍ لا يطلع عليها إلا الله.

والثاني: تركِ الشهواتِ التي يستتر الإنسان عند فعلها في العادة.

ولذلك قال بعض العلماء: إن الرياء لا يدخل في الصوم إلا في حالات يسيرة كمن يصوم ثم يتحدث بذلك رغبة أن يُمدح ويُثنى عليه.

ويقول الحافظ ابن رجب في بيان العلاقة بين الإخلاص والصيام: "إن من ترك ما تدعوه نفسه إليه لله عز و جل، حيث لا يطلع عليه غيرُ من أمره و نهاه، دل على صحة إيمانه، والله تعالى يحب من عباده أن يعاملوه سرا بينهم و بينه، وأهل محبته يحبون أن يعاملوه سرا بينهم وبينه بحيث لا يطلع على معاملتهم إياه سواه، حتى كان بعضهم يود لو تمكن من عبادة لا تشعر بها الملائكة الحفظة، والنفس البشرية إذا تاقت إلى ما تشتهيه مع قدرتها عليه، ثم تركته لله عز و جل في موضع لا يطلع عليه إلا الله، كان ذلك دليلا على صحة الإيمان، فإن الصائم يعلم أن له ربا يطلع عليه في خلوته، وقد حرّم عليه أن يتناول شهواته المجبول على الميل إليها في الخلوة، فأطاع ربه، و امتثل أمره، واجتنب نهيه خوفا من عقابه، ورغبة في ثوابه، فشكر الله تعالى له ذلك، واختص لنفسه عمله هذا من بين سائر أعماله". أ. هـ

المصدر: tafkeeer.com