[19] سورة الفلق

سهام علي

وقال الواحدي: "قال المفسرون إنها نزلت بسبب أن لبيد بن الأعصم سحر النبي"، وقد قيل: إن سبب نزولها والسورة بعدها أن قريش ندبوا، أي ندبوا من اشتهر بينهم أنه يصيب النبي بعينه، فأنزل الله المعوذتين ليتعوذ منهم بهما، ذكره الفخر عن سعيد بن المسيب.

  • التصنيفات: تزكية النفس - الحث على الطاعات - الأذكار -

نص السورة: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ . مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ . وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ . وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ . وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق:1-5].

التسمية

سمى النبي محمد صلى الله عليه وسلم سورة الفلق بقل أعوذ برب الفلق، فقد روى النسائي عن عقبة بن عامر قال: "اتبعت رسول الله وهو راكب فوضعت يدي على قدمه فقلت: أقرئني يا رسول الله سورة هود وسورة يوسف، فقال: «لن تقرأ شيئاً أبلغ عند الله من قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس» (النسائي، السنن، رقم:[953] وصححه الألباني)، وقد عنونها البخاري في صحيحه -صحيح البخاري- سورة قل أعوذ برب الفلق، وجاء في بعض كلام الصحابة تسميتها مع سورة الناس بالمعوذتين، فقد روى أبو داود والترمذي وأحمد بن حنبل عن عقبة بن عامر قال: "أمرني رسول الله أن أقرأ بالمعوذات" (أحمد في الممند برقم: [17418]، وأبو داود في سننه برقم: [1523]) أي: آيات السورتين، وفي رواية: "بالمعوذتين في دبر كل صلاة"، ولم يذكر أحد من المفسرين أن الواحدة منهما تسمى المعوذة بالإفراد، وقد سماها ابن عطية سورة المعوذة الأولى.

سبب النزول

وقال الواحدي: "قال المفسرون إنها نزلت بسبب أن لبيد بن الأعصم سحر النبي"، وقد قيل: إن سبب نزولها والسورة بعدها أن قريش ندبوا، أي ندبوا من اشتهر بينهم أنه يصيب النبي بعينه، فأنزل الله المعوذتين ليتعوذ منهم بهما، ذكره الفخر عن سعيد بن المسيب.

{قُلْ أَعُوذُ}: ألجأ وألوذ، وأعتصم.

{بِرَبِّ الْفَلَقِ}: أي: فالق الحب والنوى، وفالق الإصباح ومبدع الكائنات.

{مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ}: من كل أذى وشر يصيبني من مخلوق من مخلوقاته، وهذا يشمل جميع ما خلق الله، من إنس، وجن، وحيوانات، فيستعاذ بخالقها، من الشر الذي فيها.

ثم خصص من بعض ما خلق أصنافاً يكثر وقوع الأذى منهم فطلب إليه التعوذ من شرهم ودفع أذاهم، وهم:

{وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}: أي ومن شر الليل إذا دخل وغمر كل شيء بظلامه، والليل إذا كان على تلك الحال كان مخوفاً باعثاً على الرهبة -إلى أنه ستار يختفى في ظلامه ذوو الإجرام إذا قصدوك بالأذى- إلى أنه عون لأعدائك عليك، حتى آلام الأمراض تزداد مع سكون الليل.

{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ}: الساحرات اللاتي ينفثن في عقد الخيط حين يقرأن عليها كما يفعل الساحر المشعوذ إذا أراد أن يحل عقدة المحبة بين المرء وزوجه، إذ يقول كلاماً ويعقد عقدة وينفث فيها، ثم يحلها إيهاماً للعامة أن هذا حل للعقدة التي بين الزوجين.

وفى الآية دليل على أن السحر له حقيقة يخشى من ضرره، ويستعاذ بالله منه ومن أهله، ومثلهم كمثل النمامين الذين يقطعون روابط المحبة، ويبددون شمل المودة، وقد شبه عملهم بالنفث، وشبهت رابطة الوداد بالعقدة، والعرب تسمى الارتباط الوثيق بين شيئين عقدة، كما سمى الارتباط بين الزوجين: عقدة النكاح. فالنميمة تحول ما بين الصديقين من محبة إلى عداوة بالوسائل الخفية التي تشبه أن تكون ضرباً من السحر، ويصعب الاحتياط والتحفظ منها فالنمام يأتي لك بكلام يشبه الصدق، فيصعب عليك تكذيبه.

{وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}: أي ونستعيذ بك ربنا من شر الحاسد إذا أنفذ حسده، بالسعي والجدّ في إزالة نعمة من يحسده، فهو يعمل الحيلة، وينصب شباكه، لإيقاع المحسود في الضرر، بأدق الوسائل، ولا يمكن إرضاؤه، ولا في الاستطاعة الوقوف على ما يدبره، فهو لا يرضى إلا بزوال النعمة، ولا حيلة لدفع كيده، وردّ عواديه، فلم يبق إلا أن نستعين عليه بالخالق الأكرم، فهو القادر على ردّ كيده، ودفع أذاه، وإحباط سعيه، فالحاسد هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره، وإبطال كيده، ويدخل في الحاسد العاين، لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع، خبيث النفس، فهذه السورة، تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور، عمومًا وخصوصًا.

نسألك اللهم وأنت النصير، أن تقينا أذى الحاسدين، وتدفع عنا كيد الكائدين، إنك أنت الملجأ والمعين.

ولا ننسى أن المعوذتين وسورة الإخلاص وآية الكرسي تتمة أذكار ما بعد الصلاة. إلا أن أية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين تتلى مرة واحدة عقب الصلوات ما عدا الفجر والمغرب فكل من المعوذات الثلاث تتلى ثلاث مرات.

Editorial notes: شارك في التنسيق: رانيا قنديل