تونس: ليلٌ طويل.. أم فجرٌ قريب!

أحمد بن عبد المحسن العساف

مع هذا الواقعِ المظلمِ الغشوم في تونس، إلا أنَّنا لم نسمعْ في
إعلامنا العربي شيئاً يُذكر عن الإقصاءِ وكبتِ الحرياتِ والصوت الواحد
والقمع الأيديولوجي في تونس؛ كما أنَّ عواصمَ الحريةِ والديمقراطية في
الغرب صمَّاءَ بكماءَ عمياءَ عن واقعِ تونس المأساوي !!

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


تونس بلدٌ مسلمٌ عربي أفريقي كان يُعرف في تاريخنا وتاريخِ الفتوحِ الإسلاميةِ باسم: " أفريقية "، وهي بلادٌ مرتبطةٌ بانتصاراتِ المسلمين وعزِّهم وأسماءِ قادةٍ عظامٍ وعلماءَ أفذاذٍ ومدارسِ علمٍ شامخة. وقد جرى على تونسَ الخضراءِ ما جرى لأكثرِ بلدان المسلمين من احتلالٍ تحتَ مسمَّى الاستعمار؛ وبعدَ زوالِ هذا الاحتلالِ جثمَ على الشعبِ التونسي حكمٌ طاغوتي لا يرقبُ في مؤمنٍ إلاًًّ ولا ذمة.



ولقد حاربتْ حكومةُ تونس في عهدِ الهالك " الحبيب بو رقيبة " الإسلامَ ومظاهرَ التدَّين والعلماءَ والجامعاتِ الإسلامية؛ بلْ حاربتْ الحياءَ والعفةَ والسمتَ الإسلامي والشيمَ العربية، ولازالتْ هذه الحربُ مستعرةَ الأوارِ في عهدِ "زين العابدين بن علي"، الذي أمضى في الحكم أكثرَ من عشرين سنةً ولا يزال.



ويصعبُ تتبعُ سوءاتِ النظامِ التونسي في مقالةٍ عاجلة؛ غير أنَّي أشيرُ إلى لمحاتٍ من معالمِ جريمةِ "تجفيف المنابع وطمس الهوية" في تونس المسلمة على النحو التالي:

ـ الاستهزاء الصريح بدين الله وأحكام الإسلام وشرائعه وأركانه.

ـ التحاكم إلى قانون كفري باطل حتى في الأحوال الشخصية التي لم تتجرأ على مساسها كثير من الأنظمة.
 


ـ القضاء على التعليم الديني في المساجد وجامعة الزيتونة والعبث بمناهجها؛ ومنع الكتب الشرعية من المكتبات ومعارض الكتاب وآخرها منع ثمانية آلاف كتاب ديني من معرض الكتاب الخامس والعشرين المقام فيما مضى من أيام.
 


ـ محاربة الحشمة والعفاف والحجاب والتضييق على النساء المحجبات.

ـ اعتبار الصلاة في المسجد جريمة يعاقب عليها القانون خاصة مع الشبان.

ـ منح التصاريح للسحرة والكهان والمشعوذين.
 


ـ سنُّ قانون "تنظيم مهنة الدعارة"؛ وافتتاح بيت دعارة وخنا بجانب دار الإفتاء وجامع الزيتونة!

الدعاية للسياحة بتونس على أنها بلد الجنس والدعارة والخمور وتوزيع أدلَّة إرشادية جنسية للسياح.

الاعتداء الآثم على الدعاة ونسائهم وأموالهم بما تشيب له النواصي.
 


ـ رعاية الفجور والزندقة رسمياً مثل تمكين الملاحدة من المناصب العليا ومنح الرئيس الحالي جائزة الدولة ووسام الثقافة لفيلم تونسي يعرض نساءً عاريات تماماً؛ ومن المخازي المحزنة رعاية وزير الشؤون الدينية لمسابقة في السباحة لطالبات كلية الشريعة في جامعة الزيتونة قائلاً: "الآن تخلصت الزيتونة من عقدتها"!
 


إنَّ هذا العرضَ السريعَ لا يُقصدُ منه استجلابُ المدامعِ وتكرارُ الأحزان؛ بل لا بدَّ من عملٍ دؤوبٍ متواصلٍ من قبلِ علماء ودعاةِ ومثقفي تونس وأحرارها لإنقاذِ بلادهم من هذه الهوَّة الحضارية السحيقة التي شوهت وجهَ تونس الجميل، ومن لوازمِ هذا الاستنقاذ التمسكُ بأهدابِ الدين الحكيم على فهمِ السلفِ الصالح ونبذُ مناهجِ التمييع والغلو والعصرنةِ، التي ثبتَ فشلُها خاصةً في بلدٍ أنجبَ فحولَ العلماءِ والمجاهدين، كالشيخ محي الدين القليبي والشيخ محمد الخضر حسين والشيخ محمد الطاهر بن عاشور والشيخ عبدالعزيز الثعالبي وخرَّجت جامعته "الزيتونةُ" المجاهدَ والمصلحَ الجزائري الشيخَ عبدَ الحميد بن باديس، رحمة الله عليهم جميعاً.

 

وقد لا يستطيعُ أهلُنا في تونسَ القيامَ بكلِّ شيءٍ خوفاً من بطشِ النظامِ الجائرِ هناك؛ ولهم علينا حقُّ النصرةِ والتأييدِ والدعاء ونشرِ قضيتهم، وبيانِ خَطَل العُصبة الحاكمةِ هناك وما تجرُّه على الشعبِ التونسي وبلاده من ويلاتٍ وحسراتٍ وتأخرٍ في دينهم ودنياهم.
 


ومع هذا الواقعِ المظلمِ الغشوم في تونس، إلا أنَّنا لم نسمعْ في إعلامنا العربي شيئاً يُذكر عن الإقصاءِ وكبتِ الحرياتِ والصوت الواحد والقمع الأيديولوجي في تونس؛ كما أنَّ عواصمَ الحريةِ والديمقراطية في باريس وواشنطن صمَّاءَ بكماءَ عمياءَ عن واقعِ تونس المأساوي؛ ولو أنَّ تونسَ محكومةٌ بنظامٍ إسلامي لسمعنا جعجعةً بلا جمجمةٍ وصياحاً وعويلاً بغيرِ وجهِ حقٍّ أو بكثيرٍ من الباطل؛ ولله الأمرُ من قبل ومن بعد.

المصدر: موقع مجلة العصر