[03] حدد درجتك
خالد أبو شادي
كانت بعض الصالحات تتوخى أشد الأيام حرًا فتصومه، فيقال لها في ذلك فتقول: "إن السعر إذا رخص اشتراه كل أحد!!"
- التصنيفات: تزكية النفس -
قال صلى الله عليه وسلم: «
» [صحيح الجامع: 6006]ليست الجنة درجة واحدة، وبالتالي ليس الثمن المدفوع فيها واحدًا، فمشتري أدنى درجة في الجنة ليس كشاري أعلى الدرجات، وأعلى درجة هناك تستوجب أعلى بذل هنا، وقمة الأجر لديه تتطلب أسرع السير إليه، فأين بلغت في الجنة حتى الآن أخي الخاطب؟!
وقد سبق وأن أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدد درجات الجنة ليُشعل نار التنافس بين المؤمنين أيهم يحوز أعلاها، فقال صلى الله عليه وسلم: « » [صحيح الجامع: 3120].
بل ونقل صورة تفصيلية ومشاهدة حقيقية لما رآه أهل الجنة بعد أن استقر لهم في الخلد المقام، فرأوا الدرجات الأعلى والمكانة الأرقى لمن سبقهم في دنياه فكوفئ في الجنة منتهاه. قال صلى الله عليه وسلم: «
» [صحيح الجامع: 2027].لكن التمايز في الجنة ليس في الدرجات وحدها بل في كل شي، ونأخذ مثلًا لذلك: الشراب:
فارق كبير بين المقربين وهم السابقين، وبين الأبرار أو أصحاب اليمين وهم المقتصدين، فالمقربون يشربون بعيون الجنة صرفًا محضًا لا يخالطه شيء، كما قال تعالى في سورة المطففين في شراب الأبرار: {وَمِزَاجُهُ ۥ مِن تَسۡنِيمٍ . عَيۡنً۬ا يَشۡرَبُ بِہَا الۡمُقَرَّبُونَ} [ المطففين: 27-28 ]، وقال يشرب بها المقربون ولم يقل منها إشعارًا بأن شربهم بالعين نفسها خالصة لا بها وبغيرها، وعين التسنيم أعلى أشربة الجنة، يشرب بها المقربون صرفًا، وتُمزج لأصحاب اليمين مزجًا، جزاء وفاقًا.
قال ابن القيم: "وهذا لأن الجزاء وفاق العمل، فكما خلصت أعمال المقربين كلها لله خلص شرابهم، وكما مزج الأبرار الطاعات بالمباحات مُزِجَ لهم شرابهم، فمن أخلص أُخلِص شرابه، ومن مزج مُزِج شرابه".
لكن!! كيف نترجم هذا التنافس واقعًا ملموسًا؟!
كانت بعض الصالحات تتوخى أشد الأيام حرًا فتصومه، فيقال لها في ذلك فتقول: "إن السعر إذا رخص اشتراه كل أحد!!"
تشير إلى أنها لا تؤثر إلا العمل الذي لا يقدر عليه إلا قليل من الناس لشدته، تبغي بذلك درجة أعلى في الجنة ومكافأة أكبر هناك، فأشق الصدقات هو أن تنفق مما تحب، وأشق الصلوات ما كان في جوف الليل بعد نوم وفي خلوة، وأشق الأعمال عمومًا ما انعدم فيه حظ النفس ورؤية الخلق، ولن يُعدم عاشق حيلة يصل بها إلى الحبيبة.
اسم بهمتك نحو الجنة، ثم استعد لتحمل الآلام والمشاق في سبيلها، ويشهد لك بذلك الإمام ابن القيّم: "كلما كانت النفوس أشرف والهمة أعلى كان تعب البدن أوفر وحظه من الراحة أقل".