خواطر حول الحدث

محمد بن أحمد الفراج

هذا الشعب الوفي الذي بعثه من مرقده في هدأة الليل نداء هاتفي واحد فملأ المدن والقرى يتجدد إعجابك به صدقا ووفاء وقد خرج لا لوليمة ولا لنزهة ولكن من المراقد الوثيرة إلى مراقد الإسفلت تحت جنازير الدبابات وليتسلق أبراجها ويقتحم الموت!!

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

هذا الحدث الضخم بمشاهده الخاطفة المثيرة لا بد أن يثير تأملات ويبعث خواطر لدى متابعيه؛ وما أكثرها وأعجبها فمنها:

  • يتضح جليا ويتحقق عمليا تفسير هذه الآيات الكريمات {وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}[يونس:31]؟! {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ؛ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ؛ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ؛ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ؛ وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[النمل:49-53]؛ {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ}[محمد:29]؛ {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81]؛ {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف:52]؛ {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ}[يوسف:102].
  • كان منظر الجماهير ومسمع التكبير مهيبا رهيبا ألقى في قلوب المنقلبين الرعب وقذف فيها الهلع وذكرنا بالآية: { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45].
  • إمبراطوريات إعلامية بحجم الدول!! ما الذي يحوجها - في سبيل تصديق أمانيها - إلى أن تكذب الكذبة البلهاء الصلعاء سريعة الانكشاف؛ فتضع مصداقيتها الساقطة أصلا على شفير اللحد، من مثل حكاية لجوء الرئيس إلى ألمانيا وإغلاق مطار إسطنبول أمامه ووو .. ألا يظن أولئك أنهم مفضوحون؟!! ولو أنهم صبروا حتى يخرج إليهم لكان خيرا لهم.
  • المؤيدون للانقلاب والمستبشرون من متلبرلة أو متسلّقة متسلّفة، ثبت شرعا وسياسة أنهم خونة، كما ثبت أنهم لا دين ولا حمية ولا وطنية ولا إنسانية لديهم أما إفلاسهم شرعا؛ فلأنهم ناصروا خوارج على ولي الأمر؛ شقوا عصا الطاعة وخرجوا بالسيف وأنكى، وهذا البلد مستقر في الجملة مرتق في العهد الجديد سياسيا؛ ناهض اقتصاديا؛ متماسك أمنيا، مستقر داخليا؛ حتى ألد أعداء حكومته وأحزاب معارضتها لم يطلبوا من أحد تدخلا ولا فزعة بل هم من أشد وأصلب من وقف أمام الانقلاب وناهضه مع سائر الشعب؛ فماذا يريد هؤلاء المتدخلون والمؤيدون غير الفساد والإفساد، وأما سياسة؛ فلأن ضحية الانقلاب حليف بلدهم حلفا معلنا ظاهرا متمثلا في اتحاد المواقف والعدو المشترك وإجراء المناورات المشتركة وغير ذلك؛ فإن لم يكترثوا له فلا أقل من أن يكترثوا لدولتهم، ويقدروا الخطر الداهم بسقوط أهم حليفٍ لا يضمن - على الأقل - موقف بديله الذي في أحسن أحواله سيفتح علينا نهرا آخر من الابتزاز كما فعل ويفعل المنقلب الآخر سيء الذكر، وفي أسوأ أحواله وهو المظنون والمتوقع سيدخل طرفا في المؤامرة الدولية لتفريغ المنطقة من النفوذ السني وتمهيد الطريق لتسليمها لإيران خاصة وأن قائد الانقلاب باطني نصيري؛ فثبتت خيانتهم وولاؤهم لعدو بلادهم.. وأما أنه لا دين لهم؛ فلأن صانع الانقلاب والمؤيد له والمخطط والمستفيد منه يهود ونصارى وشيوعيون وشيعة مجوس ونصيرية والخاسر أهل السنة بلدهم والبلد الضحية، وأما أنه لا حمية ولا قومية ولا وطنية ولا غيرة ولا شهامة ولا مروءة لديهم؛ فإن المتضرر الأكبر الترك ومعهم حليفهم العرب، والمستفيد الأكبر أعداء قومهم من فرس وروس وروم، وأما أنه لا إنسانية لديهم ولا رحمة؛ فلما سيترتب عليه لو نجح من الكوارث والمآسى لآلاف اللاجئين الهاربين من جحيم القصف والاضطهاد والأحكام الجائرة أفرادا وأسرا وشعوبا فسيسلم هؤلاء لعدوهم أو يطردون ليكونوا بين مطرقة وسندان؛ خاصة مع ما يمثلون من عبء اقتصادي هائل على بلد سقطت بورصته تبعا لكل انقلاب؛ فلا تسأل عن البلايا والرزايا؛ ولكن الله سلم.
  • هذا الشعب الوفي الذي بعثه من مرقده في هدأة الليل نداء هاتفي واحد فملأ المدن والقرى يتجدد إعجابك به صدقا ووفاء وقد خرج لا لوليمة ولا لنزهة ولكن من المراقد الوثيرة إلى مراقد الإسفلت تحت جنازير الدبابات وليتسلق أبراجها ويقتحم الموت!! أي شعب عظيم أنت يا شعب تركيا!! وهكذا الشعب إذا صدق قادته ومحضوه ثمرة القلوب ومهج النفوس ومقل المحاجر بادلهم الشعب وفاء بوفاء وولاء بولاء؛ وشتان بين هذا الشعب وبين شعب يضحي بنفسه ويواجه بصدره العاري الرصاص؛ ليتخلص من ظلم زعمائه المستبدين: إياكَ أعني واسمعَنْ يا جاره... (الشام). لا أعجب من هذا الشعب إلا رئيسه الفدائي البطل الذي أشاعوا قتله.. ثم هروبه.. ثم اختفاءه.. ثم انتفضتُ فزال القبرُ والكفنُ.

ما كل ما يتمنى المرء يدركهُ *** تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ  

وعهدك بالمنقلَب عليهم يهربون من العواصم إلى الأطراف ليكون أهيأ للهرب وأدعى للتخفّي حتى تنقشع الضبابة؛ وهذا البطل بكل ثقة يعلن أنه سيدخل العاصمتين وظن من ظن أنها حرب دعائية إعلامية ورفع معقناة محمد بن أحمد الفراج:

نويات لأصحابه فإذا هو يبرز فيها وبأبهى حلة وأهدأ أعصاب ويوجه الشعب بأرتب عبارة وكأنه في قصره على أريكته وكان يُظن لو جاء وقد نجا توّاً من شبه الموت الذي لا زال يطارده أنه سيدخل خائفا وجلا أشعث أغبر وحاله كحال القائل:

وأقبلتُ زحفا على الركبتينِ *** فثوباً لبستُ وثوبا أجرّ.

حقا إنه شعب ورئيس دولة:

فلم تكُ تصلح إلا لهُ *** ولم يك يصلح إلا لها

  • ومن الطريف أن للرئيس التركي موقفا متصلبا من وسائل الاتصال التي استعان بالقضاء على حظر بعضها؛ ومع هذا ولما انتزع المنقلبون تلفازه الرسمي لم ينقذه وحكومته بعد الله إلا واحدة منها، مكالمة (سكايب) ولبضع دقائق!! هنا تذكرت عنوانا تحته قصة نظمه صاحب كتاب الفرج بعد الشدة " قد ينتفع الإنسان في نكبته بالصغير ما لا ينتفع بالكبير" أو قريبا من هذا.
  • ومع ذلك كله؛ فلا بد أن نتواصى بالتواضع لله والتذلل وأن ما بنا من نعمة فمن الله ونبرأ إليه من حولنا وطولنا وقدرتنا ورأينا وأن الفضل منه وإليه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ} [المائدة:11]؛ {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ} [النساء:90] وأن نتواصى بتحكيم شريعته وإقامة حكمه ولو شيئا فشيئا خطوة خطوة ومرحلة مرحلة والتآمر بالمعروف والتناهي عن الفكر والسعي في تطهير البلاد التركية وغيرها من كل مظاهر الفساد والمجاهرة به.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.