[04] خاطرة حول قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ} [الملك:10]

والمؤمن الذي يتخذ من هذه اﻵية شعارًا يرفعه، ويحاول تطبيقه، ستكون أفعاله وتصرفاته محفوظةً من الخلل، ومصُونة مِن الزلل، ويكون محلَّ رضا الله تعالى.

  • التصنيفات: ترجمة معاني القرآن الكريم -

تأمَّلت قول الله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ . فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ}  [الملك: 10،11].

فرأيت أنها ترشد اﻹنسان إلى أمرين مهمَّين في حياته:
اﻷول: الاستماع واﻹصغاء الجيد لِما يعرض عليه من أفكار وآراء؛ فقد يكون هذا الذي يستمع إليه سبيلَ نجاته، وسببَ خلاصه في دنياه وآخرته.

وقد وصف الله تعالى مَن يستمع القول اﻷحسن ويتبعه بأنه من أولي اﻷلباب، وأن له البشرى من الله سبحانه؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ . الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 17،18].

الثاني: التعقُّل؛ دلَّ على ذلك قوله: ﴿ أَوْ نَعْقِلُ ﴾ [الملك: 10].
وهي دعوة صريحة للتعقل في اﻷمور، وتقليب وجهات النظر قبل اتخاذ القرار.

وقد جاء هذ التوجيه القرآني بأسلوب بديع؛ حيث صوَّر حال الذي لم يسمع ولم يعقل وهو يُزَجُّ في نار الجحيم.
وها هي ملائكة العذاب تقرِّعه وتُؤنِّبه على سوء فعله!

واﻷدهى في هذه الصورة الرهيبة: هو اعترافه بالحقيقة التي طالما نسيها، أو تغافل عنها، في موطن لا يَزيده ذلك الاعترافُ إلا عذابًا!

ويلاحظ أن هذه الآيةَ جاءت في سورة تبارك، وهي السورة التي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقرأها في كل ليلة، ولعل الحكمة من ذلك: أن تكون هذه اﻵية دستور عمل نعمل على تطبيقه في كل مفردات حياتنا في النهار، بعد أن رسخ في أذهاننا في الليل.

والمؤمن الذي يتخذ من هذه اﻵية شعارًا يرفعه، ويحاول تطبيقه، ستكون أفعاله وتصرفاته محفوظةً من الخلل، ومصُونة مِن الزلل، ويكون محلَّ رضا الله تعالى.

إن التربية العقلية للأجيال أصبحت حاجة ملحَّة في هذا العصر، فهي تنمي العقول، وترسخ في النفوس صفةَ التفكُّر، والتدبُّر!

وهي تعين اﻹنسان على تصحيح علاقته مع الله سبحانه، ورحم الله اﻹمام أحمد بن أبي الحسن الرفاعي (ت: 578هـ) عندما قال: "العاقل يقدِّم بين يدي كل عمل يعمله: لِم؟ ولِمَن؟ فإن كان لله أمضاه، وإن كان لغيره تركه وأبقاه".

وليت باحثًا جادًّا نبيهًا يقوم بكتابة دراسة عن التربية العقلية في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وهو عمل مهمٌّ ستنتفع به كل الفئات، ولا سيما الشباب الذين تؤثِّر فيهم العواطف فينزلقون إلى مخاطرَ ومصائبَ لا حصر لها! 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. عبدالله الأنيس