عذراً رمضان فالفساد لا يستحي
ممدوح إسماعيل
أهلّ علينا شهر رمضان الكريم، وقد جاء هلاله بخطوات بطيئة كأنه يفكر
في تراجع لا يقدر عليه ولا يستطيعه، وكيف لا يفكر هلاله في التراجع،
وهو شهر خصه الله تبارك وتعالى بفريضة الصيام، وأنزل فيه القرآن
الكريم خير كتبه، وخير منهاج لاصلاح وإسعاد البشرية...
- التصنيفات: ملفات شهر رمضان -
أهلّ علينا شهر رمضان الكريم، وقد جاء هلاله بخطوات بطيئة كأنه يفكر في تراجع لا يقدر عليه ولا يستطيعه، وكيف لا يفكر هلاله في التراجع، وهو شهر خصه الله تبارك وتعالى بفريضة الصيام، وأنزل فيه القرآن الكريم خير كتبه، وخير منهاج لاصلاح وإسعاد البشرية...
وكيف لا يفكر هلال الشهر الكريم في التراجع وهو يرى في الأفق غيوما سوداء، ترتفع في السماء من فساد وظلم واستبداد وحروب واحتلال لبلاد المسلمين، وقتل للمسلمين واستباحة حرماتهم، وسرقة أموالهم وذل وتبعية وانهيار حضاري وسياسي وثقافي...
وكيف لا يفكر هلال الشهر الكريم في التراجع وهو يرى قطع الأرحام وعقوق الوالدين، وانتشار الربا وعبادة القبور وعبادة الطواغيت قد انتشر بين المسلمين...
ورغم ذلك كله وغيره، فالشهر الكريم لم ولن يتأخر ولم يتراجع، فقد جاء بكل كرم ورحمة وحنو على المسلمين، ليفتح لهم أبواب الرحمة والمغفرة والعتق من النار...
وكيف يتراجع الشهر الكريم وقد جعل الله فيه ليلة خير من ألف شهر لمن قامها إيمانا واحتسابا...
ورغم أن أبواب الجنة تفتح لعباد الله المسلمين في هذا الشهر الكريم، وتتنزل عليهم الرحمات وييسر الله تعالى لهم الطاعات، فيسلسل لهم الشياطين، إلا أن شياطين الإنس لا يعرفون حرمة الشهر ولا فضله ولا كرمه ولا عظمته، ولا الخير العظيم الذي يمن الله به على عباده الصائمين القائمين المستغفرين، فتجد شياطين الإنس لا يستحيون وفي فسادهم غارقون، وبعضهم ينافقون ويظن أن مجرد حمله لمسبحة وهو ظالم فاسد فاسق يكفي لخداع الناس والشهر الكريم...
وتحكي كتب التاريخ قديما أن الحكام كانوا يفرجون عن المحبوسين خاصة الذين يعارضونهم، ولكن الآن لا تجد أثراً لذلك، ويستمتع المعارض الذي سجن من أجل كلمة حق من الشيوخ والدعاة برمضان في سجنهم فهو أعظم خلوة مع الله تعالى...
رغم أنه من المعلوم أن أفضل الدعاء في ليلة القدر هو: (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عني)، والعفو صفة يحبها الله عز وجل، وينبغي على العباد أن يكثروا من العفو، ولكن الوضع تغير ولم يعد من صفات الحكام العفو في رمضان.
ومن أكثر ما يدعو للتعجب في بلاد المسلمين في الشهر الكريم، أن تجد بعضهم يسارعون في الشكليات من موائد طعام وشنط رمضان، وهم قائمون على ظلم الناس وفساد أحوالهم، والاستعداد بكل همة للتزوير والقضاء على المصلحين!!
فكيف يجتمع القيام على الظلم مع موائد الرحمن؟!
لقد تفضل علينا الرحمن بالشهر الكريم كي تستقيم أحوالنا ظاهرها وباطنها، ولكن هذا لا يحدث بل طغى النفاق والخداع.
ورغم ذلك كله فالأمة ما زالت بخير في هذا الشهر الكريم فهم صائمون مسارعون في الخيرات..
ولكن يأبى المفسدون والمستبدون الظالمون إلا أن ينغصوا على الشهر الكريم فرحته بصلاح العباد، فيسارعون بكل الطرق، وينفقون الأموال الطائلة لإفساد الناس وإلهائهم عن عبادة الرحمن بصناعة مئات المسلسلات التى تكلفت مئات الملايين، ولو أنفقوا نصفها في طاعة الرحمن لعمرت الأرض، ورضى الله تعالى عنهم، ولكنهم قوم مفسدون لا يفقهون.
وكأني برمضان يصرخ فيهم: أيها الفاسدون! ألا ترحمون أنفسكم، وترحموا عباد الله بشهر واحد، تذوقون فيه طعم التوقف عن الظلم والفساد...
شهر واحد تطيعون الله تعالى فيه بإخلاص بعيدا عن النفاق الغارقون فيه طوال العام.
أيها الفاسدون! لكم أحد عشر شهراً فعلتم فيها ما فعلتم من ظلم وطغيان، أفلا تتوقفون شهرا واحدا كي تتعلمون فيه العدل والصلاح، وتنعمون فيه بطعم الرحمة، وتسكنون فيه إلى طلب المغفرة.
وكأني بالشهر الكريم يصرخ فيهم ألا تحبون أن يعتقكم الله تعالى من النار، ألا تشعرون بقسوة نار الأرض، فما بالكم بنار رب السماوات والأرض...
وكأنى بالشهر الكريم يصرخ فيهم أيها الساسة والمسؤلين، توقفوا عن نفاق السياسة وقتال الحفاظ على الكرسي لمدة شهر واحد، كأنه هدنة مع أنفسكم كي تتفكروا بهدوء وروية في حقيقة الأمر، وحقيقة الحياة، ولماذا هذا الصراع القاتل؟ وما فائدته؟ وما جزاءه؟
ثم تفكروا في حلاوة ولذة الإيمان بالله تعالى، والعمل لله والدفاع عن دين الله.
ومع أيام شهر رمضان المبارك وخيره يفوز بخيرها وفضل الله فيها من أحب رمضان وأقبل على طاعة الله تعالى...
ويخسر خيرها أولئك الذين يفسدون ويصرون على التمسك بكراسي الظلم والفساد ولا يستحيون.
وأخيراً...
عذرا رمضان لا تلتفت إلى فسادهم، فأنت أعظم وأكرم من أن تلتفت إليهم، فأنت شهر أنزل الله فيك القرآن هدى للناس، وفتح الله في أيامك أبواب الجنة...
فعذراً عذراً رمضان لا تلتفت إليهم إنهم قوم فاسدون لا يستحيون.
و اللهم لك الحمد أنك بلغتنا رمضان على الإيمان والإسلام...
واللهم لك الحمد أنك أعنتنا على صيام رمضان وقيام أيامه وتلاوة كتابك...
و اللهم لك الحمد على كل خير هديتنا إليه وأعنتنا عليه من غير حول منا ولا قوة...
ووصيتي لكل مسلم أن يكثر من الدعاء في الشهر الكريم، فهو من أقوى أسباب التغير...
فيدعو الله في هذا الشهر الكريم أن يبدل المسلمين حكومات وأنظمة خيراً مما هم فيه، تحكم فيهم بشرع الرحمن العدل، وترحم الفقير الضعيف، وتأخذ على يد الفاسد الظالم، وترفع راية التوحيد، وتخزي راية الشرك وتنصر الإسلام وأهله في كل مكان..
ولا تؤاخذنا ربنا بما فعل السفهاء منا.
ممدوح إسماعيل
محام وكاتب
[email protected]
محام وكاتب
[email protected]
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام