إسلام "كوول"!
سحر المصري
نحن لا نريد الإسلام المشوّه، إسلام عصري أو إسلام "لايت"! خالٍ من الدسم! ليقبلنا الآخر، نريد الإسلام الحق، لا ميوعة فيه ولا تنطّع، ملؤه الإيمان والخضوع لله جل وعلا وحُسْن الخُلُق والرحمة واللطف!
- التصنيفات: ماذا قالوا عن الإسلام -
حضرتُ في دورة مهمة شاركني فيها إخوة وأخوات من جماعات مختلفة.. وفي إحدى جلسات ورش العمل التي تستدعي أن يضع المنتدَب عن كل جمعية المعلومات التي يعرفها عن الجمعيات المشارِكة لفتني أمر توقفت عنده طويلاً أتفكّر!
حين ذُكِرَت إحدى الجماعات الإسلامية وُصِفَت مباشرة: "كوول"!! فتساءلت في نفسي.. هل هناك فعلياً إسلام "متشدّد" وإسلام "كوول"؟! وهل الحكم على جمعية أو شخص ما يكون موضوعياً ومستنداً لمعايير واقعية وشرعية، أم أنها مشاعر شخصية أم "عدوى" اصطلاحية أم مجرد تُهَمٌ تُرمى!؟
سألت البعض ممّن يعيش في مجتمعنا ولم أكن أريد معرفة تعريفات من الكتب: ما مفهومكم للتشدد؟ قال أحدهم: "مَن يحرّم ما أحلّ الله تعالى ومَن لا يفقه الأولويات في الدّين.. ومَن يدعوني لأحكام الدّين في الوقت الخطأ أو بأسلوب متعنّت خطأ!".. وقال آخر: "مَن يلبس في هذا الزمن عباية (بونتاكور) أو مَن تكون لحيته لنصف صدره!".. وردّ آخر: "التشدّد هو ما زاد عمّا أمر الله تعالى به.. والتساهل هو ترك شيء مما أمَر الله أو نبيّه صلى الله عليه وسلّم به"..
هذه بعض أفكار شباب إسلامي حرَكي.. وقد يكون المتشدّد في نظر غير المتديّن هو مَن يزيد في الصلاة أو يغضّ البصر!
وبذلك تختلف فعلياً الآراء والتصوّرات حسب الشخصية والخلفية والمستوى الديني والحركي وما استقاه المرء وممّن استقاه!! فمَن المُحِق وأين الخلل؟!!
برأيي إن الخطأ الأول الذي يقع فيه البعض أنهم يُطلِقون الأحكام من المنطلقات المزاجية لا الشرعية، وهذا مأخذنا على العلمانيين حيث إنهم يأخذون من الدِّين ما يريدون ويقبلونه ثم إذا لم يوافق مصلحتَهم أمرٌ رفضوه! وبذلك تكون الموازين شخصية وليست شرعية!، والخطأ الآخر أن العرف الاجتماعي قد صاغته وسائل الإعلام فأصبح المنطلق لتحديد الأحكام! حتى الشرعية منها!!
أمّا مَن يعتمد على النسبية في إطلاق الأحكام (بمراعاة الزمان والمكان والعُرف) فهي لا تعطي في كثير من الأحيان أحكامًا صحيحة، فالإسلام يسمح بمجاراة العُرف ولكن على أن تكون الثوابت واضحة وكذلك المتغيّرات والغايات والوسائل، وأن يكون المسلم مُلِمّاً بالمساحات التي يستطيع أن يجاري فيها المجتمع وتلك التي يجب أن يثبت عليها حتى لو صدّه كل المجتمع! فلو نظرنا إلى دعوة الإمام المجدِّد حسن البنا ومناداته بمبدأ إحياء اللغة العربية والتكلم بالفصحى فقد تكون مستغرَبة ومستهجنة بالمقياس الغربي والمجتمَعي وبهذا المقياس يكون الإمام قد تشدّد!
باختصار، التشدّد هو ما تجاوز الحد الشرعي والتساهل هو ما أدّى إلى التراخي عن الأمر المشروع! أما الحكمة في اختيار الأسلوب الذي يتناسب مع عقلية الناس حتى تتقبّل الإسلام فهذا من الليونة المطلوبة.
{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا} [هود: 112]!.. فالتشدد من الطغيان.. ولكن أيّ تشدّد؟ تشدد الرهط الثلاث الذين تقالّوا عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم –كما في الصحيحين- فقال أحدهم: أمّا أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا.. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: « »
هذا هو التشدد والتنطع، حين ترغب عما جاء به الإسلام، أما حين تطبّق شريعة الله جل وعلا فهذا اسمه التزام وخضوع! الإسلام هو من يصوغ الحكم فلا نحرّم الحلال والمباح ولا نبالغ بالطاعات لنصل إلى ما لا نطيق ولا نتشدّد ونغلظ في دعوتنا حتى ينفضّ مَن حولنا عن الإسلام بسببنا!
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان مَن يدخل الإسلام يُنعَت مباشرة (صابئ) فكان ذلك محل إهانة مجتمعية إلا أنه محل ثناء عند الله جل وعلا، فميزان الله تعالى مختلف وهو المقصود!
وحَسْب "المتشدّد" بنظرهم قول النبي صلى الله عليه وسلم "طوبى للغرباء" وهو القائل: « » [صحيح الجامع: 8002]، وهو الذي أمر زوجتيه أم سلمة وميمونة –كما في الحديث الصحيح- أن تحتجبا عن ابن أم مكتوم (وهو أعمى)! وهو القائل: « » [صحيح مسلم: 440] هذا في الصلاة فكيف في المجالس الأُخرى حتى وإن كانت دعويّة؟!!
فالاختلاط كان شائعًا فجاء الإسلام ونظَّم العلاقة بين الجنسين فلم يجعل المرأة في سجن ولم يجعلها في الفلاة! والمفارقة أنه حين يقنّن الإسلام خروج المرأة وتعاطيها مع الرجال يكون ذلك تشددًا أما حين تقوم جامعات بريطانية مشهورة بالفصل بين الجنسين فيكون ذلك محل استشهاد بافتخار على سبق الإسلام في تنظيمه للعلاقة بين الجنسين!
أما الحجاب (المودرن) فهل هذا الجلباب هو المذكور في الآية؟ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59]، فإن أرادت المسلمة أن تلبس الجلباب الشرعي الفضفاض أو تتقرّب وتزيد بلُبس النقاب فإنها تُصنّف عند البعض بأنّها متشدّدة! فلِم يُسْكَت عن التي وضعت أغلب ثيابها فباتت تمشي في الشارع وكأنها في بيتها وتلقى القبول بينما التي رغبت إلى ربها جل وعلا تُتّهم بالتشدد وعدم الحكمة في مسايرة المجتمع ليتقبّلها؟!!
وكم تستوقفني ظاهرة الأجنبيات اللواتي يُسلِمن حين يدخلن الإسلام كيف يلتزمن بالحجاب الكامل بل عددٌ منهنّ ينتقِبن وقلّما نجد امرأة قد أسلمت وبقيت على "الجينز" الضيّق واللباس الجاهلي ليتقبّلها المجتمع!! فهل هنّ متشددات أم أنهن فقهن الإسلام بأبعاده وطلّقن الدنيا ثلاثًا؟!
وقد أثارني منذ فترة تعليقات على دعاة يلبسون اللباس الشرعي وبأن ذلك ينفِّر الشباب بينما حين أتى الداعية الأميركي العالمي –القِس المهتدي- يوسف إستس إلى لبنان وأقبلتْ بفضل الله تعالى الجماهير عليه لتُنصت إلى كلامه وهو بلباسه الشرعي كان التعليق "ياي".. لأنه أجنبي!!! فالعربي متشدّد.. والأجنبي "ياي"! أليس ذلك دليلاً على عقلية مهزومة وغير موضوعيّة وازدواجية في المعايير؟!
للأسف بات بعض المتديّنين أنفسِهم يتحاكمون لمعايير الجاهلية فالخلافة –مثلاً- التي وردت فيها أحاديث صحيحة وهمٌ بعيد عند البعض لا يجوز أن نحلُم به خاصة في لبنان وكأنّ الإسلام نزل على مقياس لبنان والجهاد إرهاب وتطرّف مع أنه وردت بذكره والتحريض عليه مئات النصوص في الوحيَيْن والمناخ السياسي والاجتماعي غير مؤهَلَيْن للخوض في الجهاد ولبنان "مش ناقصه مشاكل"! وقد نجح غير الإسلاميين عبر قنوات عديدة إعلامية وسياسية واجتماعية وتربوية في إبعاد المسلمين عن الإسلام الحقيقي وبعضنا- حتى الحركيين منا- سمّاعون لهم لأن الرؤية غير واضحة بما فيه الكفاية وبدل التبريرات لعدم الالتزام الصحيح واهنة وتشوّه الدّين!
لئن كان التمسّك بالإسلام كما نزل هو التشدّد فلنِعم الوصف! ومَن يرمي الناس بالتشدد لأنهم التزموا دينهم في زمن الوهن فأولئك إمّا يبرّرون لأنفسهم "رخاوة" التزامهم وإمّا "يُكوِّلون" الدّين ليتماشى مع ما يرغبون ويا لكرامة التشدّد مقابل ما يفعلون!
وخلاصة القول؛ إنّ الموازين التي يجب أن نرجع إليها في الحكم على الأمور هي موازين الله جل وعلا وإلاّ كنا لولبيين وغير موضوعيين بل ومذبذبين بين ما يريده المجتمع وما يريده الإعلام وغيرهم.
نحن لا نريد الإسلام المشوّه، إسلام عصري أو إسلام "لايت"! خالٍ من الدسم! ليقبلنا الآخر، نريد الإسلام الحق، لا ميوعة فيه ولا تنطّع، ملؤه الإيمان والخضوع لله جل وعلا وحُسْن الخُلُق والرحمة واللطف!
والحَكَم الفصل في كل ذلك هو القرآن والسنّة، وحسبنا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها كما في صحيح مسلم: « » [صحيح مسلم: 2327] فلينظر كلّ منا حين يختار هل يجد في الشريعة ما يدعم نظرته وممشاه؟!
وأتساءل هنا: لو كان الحبيب عليه الصلاة والسلام في زماننا هذا في أي الفريقين يكون؟! مع "المتشدّد" بزعمهم.. أم مع "الكوول"!! سؤال برسم الإجابة!