سبيلك إلى قوة الإرادة
أم الفضائل وركيزة النجاح الكبرى، بها يبلغ المرء المنال ويحقق الآمال، إنها (قوة الإرادة).
- التصنيفات: تربية النفس - الواقع المعاصر -
عزيزي القارىء الكريم ..أهلاً بك
حديثنا اليوم حول أم الفضائل وركيزة النجاح الكبرى، بها يبلغ المرء المنال ويحقق الآمال، إنها (قوة الإرادة).
أعزائي:
كثير من الناس من يتصور في نفسه قصوراً متوهماً عن إنجاز المهمات، وكأن أصحاب الانجازات ليسوا من البشر، فإذا نظر إلى حافظ القرآن، أو إلى طالبٍ متفوقٍ في دراسته، أو إلى مبتكرٍ، أو إلى عالمٍ، أو إلى خطيبٍ بارع، أو إنسانٍ متميزٍ قلل من قيمة نفسه، واتهم ذاته بعدم القدرة على مقارعة هؤلاء، واستمر على ما هو عليه، في مكانه لا يتقدم إن لم يكن يتراجع.
فهذا وأمثاله ندعوهم دعوةً صادقةً للتوكل على الله أولاً، ومن ثم نريد منهم أن ينفضوا غبار الأوهام وارتداء رداء قوة الإرادة بعزيمة تتهاوى معها كل المثبطات والعوائق، وسيلحظ بإذن الله الفرق قريباً .
ومهما كانت نية الإنسان طيبةً فإنها وحدها لا تكفي حتى تتحقق أهدافه، ولكن لا بد أن يكون ذا إرادة قوية وعزيمة ماضية، ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر أصحابه أن يتعلموه: عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا أَنْ نَقُولَ: « » (رواه أحمد والترمذي).
فالإرادة القوية، والالتزام والمثابرة هي الضريبة التي لا بد أن يدفعها كل سائر على درب النجاح والامتياز، وفي هذا المقال نريد أن نتعرف على الوسائل العملية التي بها يستطيع الإنسان أن يمتلك الإرادة القوية، والعزيمة الماضية التي تدفعه قدماً نحو تحقيق أهدافه:
1- قوة الإيمان:
إذا أردت أن تقوي عزيمتك وإرادتك فعليك أولاً بالطاقة الروحانية، وأقصد بها الطاقة الإيمانية، أن تتوكل على الله أولا ثم تنهض، قال تعالى: {وَعَلَى اللَّـهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: جزء من الآية 23].
فاشدد يديك بحبل الله معتصما *** فإنه الركن إن خانتك أركان
ثم أن تلجأ إليه داعياً متضرعاً بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: « » (رواه أحمد والترمذي).
2- اشحن طاقتك العاطفية:
حاول أن تغذي طاقتك العاطفية، وأقصد بها تحسّن علاقتك مع الجميع، مع أسرتك مع أصدقائك وجيرانك، فإن أصابها خمول فسينتقل إليك هذا المرض بلا شك وعندئذ لن تستطيع أن تتقدم إلى الأمام خطوةً، حاول أن تحب لغيرك ما تحب لنفسك وحرر طاقتك وهذا سيخلق لديك طاقةً قويةً في أعماقك ويجعل منك إنساناً ذا إرادة، إنساناً معطاءاً كريماً سخياً على من تحب.
3- تدريب النفس على قوة الإرادة:
فالإرادة كالعضلة سواء بسواء، يمكن أن تُنَمَّى بالتدريب والمران، وعادة الالتزام إنما تكتسب بالتدرج؛ والمثابرة أمر عظيم في تنمية قوة الإرادة، فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود: 1368).
والفكرة العامة التي تنبني عليها تمرينات تقوية الإرادة هي أن تُكره نفسك على فعل أشياءٍ لا تحبها، بل هي ثقيلة عليها (مخالفة لهواها)، ورويدًا رويدًا تألف النفس المكروهات، ولا تعود تجزع من ملاقاة العقبات والصعاب.
الإرادة في حقيقتها شجاعة في مواجهة العقبات، يدفع إليها الصبر الذي هو بدوره القدرة على حبس النفس على مكروهاتها.
4ـ ممارسة رياضة المشي:
عوِّد نفسك على أن تمشـي مسافاتٍ طويلةٍ، فالمشـي وصفةٌ سحريةٌ كبرنامجٍ تدريبيٍ لتقوية الإرادة، وقد جربها أناسٌ كثيرون وأجمعوا على أثر المشي في تقوية إرادتهم، ويكون هدف هذا البرنامج الوصول إلى أن تقطع 42 كيلو مترًا مشيًا في يوم واحد، هذا من شأنه أن يعلي من إرادتك بشكل كبير.
ولكن بالطبع لا تبدأ بهذا المعدل الكبير، ابدأ بشكل تدريجي، مثلًا بأن تمشـي كل يوم لمدة ساعة (متوسط سرعة الإنسان العادي 6كم/ ساعة) لمدة أسبوع، ثم في الأسبوع الثاني لمدة ساعتين يوميًّاً، ثم في الثالث تمشـي ثلاث ساعاتٍ يوميًّاً، وهكذا حتى تصل إلى 42 كم (وهي مسافة الماراثون) في يوم واحد، وستفاجأ أن إرادتك قد زادت إلى حدٍ بعيد بعد هذا البرنامج التدريبي الممتع.
5ـ ضبط ساعات النوم:
درِّب نفسك على ألا يزيد عدد ساعات نومك على ست إلى ثمان ساعاتٍ في اليوم، فاقتصار ساعات النوم على ما يحتاج إليه الجسم فقط دون الفضول، دليلٌ واضحٌ على قوة الإرادة، وذلك بأن تقسر نفسك على الاستيقاظ فور النداء عليك أو سماع جرس المنبه؛ فإن في هذا الاستيقاظ السريع ما يشعر المرء بإرادته.
6- حرمان النفس من شيء اعتادته:
هذا أيضاً دافعٌ قويٌ للإرادة؛ أن تحرم نفسك من شيء اعتادته أو تحبه، فإنك تستشعر بذلك أنك أكثر سيطرة على نفسك، ومن الوسائل الرائعة لذلك الصيام مع احتساب الأجر عند الله تعالى، ففي الصيام تحرم نفسك من الأكل طوال اليوم، ولاشك أن هذا يُقوِّي إرادتك، وهذه من الأسباب التي تجعلنا نشعر أننا أكثر سيطرة على أنفسنا أثناء الصيام، ولذا؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: « » (صححه الألباني)، أي درع ووقاية لمن هَمَّ بارتكاب الذنوب أو اقتراف المعاصي، وقال صلى الله عليه وسلم: « » (متفق عليه).
والصوم مثالُ فقط، وإلا فإن هناك أشياء كثيرة تستطيع أن تحرم نفسك منها؛ لتستشعر سيطرةً أكبر على نفسك؛ فقد تحرمها من اللعب بلعبةٍ على الحاسب الآلي مثلاً، أو تحرمها من أكلةٍ معينةٍ تشتهيها بشدة، أو الامتناع عن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ليومين متتالين، كل هذا من شأنه أن يزيد من قوة إرادتك.
7- القدوة الحسنة:
إنّ القراءة في سير الأنبياء والصالحين والعظماء والنابغين من ذوي الهمم العالية، والإرادة الحديدية، من شأنها شحذ الهمم وتقوية الإرادة بطريقةٍ كبيرةٍ، ولذا؛ فحري بك أن تقرأ في سير هؤلاء الأفذاذ وأن تتأسى بهم، ولقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بمن قبله من الأنبياء، الذين هم القمة في قوة الإرادة وتحمل الأذى حتى بلوغ الهدف بدون تقصيرٍأو إخلالٍ عليهم جميعاًً صلوات الله وسلامه، فقال تعالى: {أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّـهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام:90].
وأمرنا عزّ وجلّ أن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عز من قائل: {قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].
فعلى كل من يريد أن يُعلي همته، ويشحذ إرادته أن ينظر إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى أصحاب الهمم العالية من صالحي هذه الأمة، ثم يختار النموذج الذي يشعر أنه يناسبه ليقتدي به في حياته.
وأنت حينما تقرأ في سير الصحابة والصالحين من بعدهم تستشعر أن هناك شخصية معينة أو بعض الشخصيات تميل إلىها وتشعر بالقرب منها؛ فعليك بالبحث عن هؤلاء ليكونوا نموذجاً لك في رحلتك نحو النجاح.
8- صحبة ذوي الهمم العالية:
وبالإضافة إلى القدوة فأنت تحتاج إلى صحبةٍ صالحةٍ من ذوي الهمم العالية من العلماء العاملين، والدعاة المخلصين، والشباب المتدينين الناجحين؛ لتتطبع بطباعهم الحسنة، وبخصالهم الحميدة وبهمهم العالية وإرادتهم الفولاذية، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يصبر نفسه مع أمثال هؤلاء، فقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28] ، وهكذا يا طالب النهوض، اصبر نفسك مع الصالحين وإلزمهم؛ فإن درجة إرادتك بل درجة إيمانك ودينك ستنتظم غالباً على درجة من تصحبه، قال رسول الله: « » (حسنه الألباني / صحيح سنن أبي داود: 4833)، وكما قال الشاعر:
أنت في النـاس تقــاس*** بالذي اخترت خليلًا
فاصحب الأخيار تعلو*** وتنــــل ذكرًا جميلًا
9- إياك والتسويف:
لا تبنِ حياتك على التسويف ولكن تعلم دائماُ بأن تقوم بالعمل في وقته فهذا يعطيك طاقةً وقوةً تساعدك في التغلب على الإحباط، وتثبت لديك قوة الإرادة ومضاء العزيمة حتى تصير عادة راسخة في نفسك.
فما استعصى على قوم منال *** إذا الإقدام كان لهم ركاباً
وأخيراً..
إلى المعالي قدماً ..رزقنا الله وإياك قوة الإرادة على ما يحبه ويرضاه.