حوار الطرشان فى زكاة رمضان
ملفات متنوعة
يحكى أن رجلاً قال لرجل : أين كنت ؟ فقال له : كنت فى أربعين رجل ميت
،فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أربعون رجلاً ماتوا مرة واحده ،
قال له : لا بل رجل مات منذ أربعين يوماً..
- التصنيفات: فقه الزكاة -
يحكى أن رجلاً قال لرجل: أين كنت؟
فقال له: كنت في أربعين رجل ميت،
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أربعون رجلاً ماتوا مرة واحدة؟
قال له: لا، بل رجل مات منذ أربعين يوماً.
فقال: إنا لله، مات منذ أربعين يوماً ولم يدفن إلا اليوم؟
هذا الحوار اسمه حوار الطرشان، وهو ينطبق بشكل مذهل على الحوار الذي يدور كل عام بيننا وبين الجماهير في موضوع زكاة الفطر.
وإليك الحوار الذي دار هذا الأسبوع بيني وبين واحد من العوام في موضوع زكاة الفطر وقارن بينه وبين حوار الرجلين السابق لتكتشف هذا التطابق المذهل.
أنا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هو: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، لماذا لم تقرأ علينا كما وعدت بعض فتاوى الصيام؟
أنا: خشيت من حدوث بلبلة في المسجد لوجود بعض الفتاوى التي لا توافق مذاهب الناس.
هو: كيف؟
أنا: مثل مسألة زكاة الفطر.
هو: مالها زكاة الفطر؟؟؟
أنا: يعني أقصد أنها يجب أن تخرج قوتا لا مالاً.
هو: لا بل ينبغي أن تخرج مالاً كما قال أبو حنيفة.
أنا: من أبو حنيفة هذا؟
هو: من أبو حنيفة؟؟؟ أتجلس تتكلم في دين الله وأنت لا تعرف من هو أبو حنيفة؟
أنا: وماذا تعرف أنت عنه؟ ماذا تعرف من أقواله غير قوله بجواز إخراج زكاة الفطر بالقيمة؟
حدثني عن أبي حنيفة قليلا، قل لي أي شيء عنه.
هو: أقوال أخرى لأبي حنيفة؟
أنا: نعم، أي قول آخر لأبي حنيفة في أي مسألة أخرى..
هو: أنا لست عالماً حتى تسألني هذا السؤال.
أنا: فلماذا إذا تتكلم في العلم ما دمت لست عالماً؟ ولماذا تتكلم عن أبي حنيفة طالما لا تعرفه؟ ولماذا تبنيت قوله إذا لم تكن حنفي المذهب؟ أنا أتعجب من تعظيمك وأمثالك لقول أبي حنيفة في هذه المسألة مع ضعف هذا القول وأنتم الذين تركتم قوله في ألوف المسائل التي أصاب الحق فيها رحمه الله.
إذا كنت تأخذ برأي أبي حنيفة وتصر عليه هذا الإصرار فليكن الأمر كذلك. ولكن قل لي لماذا تحلق لحيتك مع أن أبا حنيفة يحرم حلقها؟ ولماذا لا تصلي الوتر أو حتى تتركه ولو مرة مع أنه واجب عند أبي حنيفة؟ ولماذا تترك عشرات من أقوال أبي حنيفة رحمه الله؟
هل يمكن أن أسألك سؤالا وتصدقني في الإجابة؟
هو: تفضل.
أنا: بالله عليك لماذا أخذت بقول أبي حنيفة في هذه المسألة وهذه ليست عادتك فيما تفعل؟ أعني أنك لست معتاداً على الأخذ بأقوال الفقهاء أو معرفة قول من هذا؟
هو: في الحقيقه أنا لم أسأل نفسي قط هذا السؤال.
أنا: أنا أقول لك، والله أعلم أنك أخذت برأي أبي حنيفة في هذه المسألة مع أنك لست من أهل الفقه ولا من طلبة العلم ولا من الذين يعرفون الأحكام بأدلتها ولم تعرف يوماً أن ماتفعله من شعائر الإسلام هو قول من من الأئمة.
أقول ظني - والله أعلم - أنك غيرت عادتك هذه المرة وتقمصت شخصية غير شخصيتك وتكلمت بلسان غير لسانك لأن قول أبي حنيفة في المسألة وافق هواك.
فقط حين يوافق قول أبي حنيفة هواك في زكاة الفطر تتذكر أبا حنيفة وتردد رأيه وتنتصر له وحين يوافق قول الشافعي في قنوت الفجر أهواءنا نتبع قول الشافعي وحين يوافق قول ابن حزم في الغناء حياتنا نعيد اكتشاف ابن حزم بل ونتحول إلى علماء كبار نضعف حديث المعازف في البخاري لأنه وكما قال ابن حزم حديث معلق.
أخي الحبيب القضية ليست نخرج زكاة الفطر قوتاً أو مالاً، لو كانت هذه هي القضيه لربما هان الخطب لكن المشكلة أكبر من ذلك بكثير.
المشكله في اتباع الهوى ولو خالف الشرع، المشكلة في أن ننصب عقولنا في مقابل الشرع، المشكلة أن نظن أننا أرحم بالفقير من الله ورسوله.
الكارثه أن تقام لنا الحجة على أن من قال بإخراجها مالاً لم تجزئه فنعيد ترديد شبه متهافته فتفند هذه الشبه بأقوال فصل فنلوي أعناقنا ونحيد.
هو: وكيف ذلك؟
أنا: مالك والشافعي وأحمد على أن من أخرجها مالاً لم تجزئه فمن من العقلاء يخاطر بأن تظل هذه الفريضة في ذمته، إنك إن أخرجتها قوتا أجزأتك عند أهل الأرض جميعاً - بمن فيهم أبي حنيفة - ونمت قرير العين مطمئن النفس إلى براءة ذمتك وخلوها من هذه الفريضة وإن أخرجتها مالاً لم تجزئك إلا عند أبي حنيفة وقلة نادرة من أهل العلم، فقل لي بالله عليك من من العقلاء يخاطر هذه المخاطرة؟
ولماذا أصلا تأخذ بقول أبي حنيفة في المسألة وقد تركت عشرات من أقواله في مسائل أخرى؟ أنا أكاد أجن من رجل لا يعرف الكوع من الكرسوع ولا يعرف أحكام سجود السهو، ويتلعثم في قراءة الفاتحة، وإذا قدموه ليصلي بالناس يتصبب عرقاً - حتى لو كانت صلاة العصر - ويوم الجمعة إذا غاب الخطيب لم يجدوا من يرتقي المنبر ليقول: اتقوا الله عباد الله، فجأة صاروا من أهل الفقه المقارن.
رجل جاره يموت من الجوع طول العام وهو ينفق ماله على أجهزة المحمول ذات الكاميرا والصوت المجسم فجأة صارت الرحمة بالفقير تسيل منه على صدره، يذكرني بالذين يطردون الأطفال من المساجد خوفاً على خشوعهم في الصلاة وهم الذين ينهون أعمالهم في الصلاة ويحلون مشاكلهم في الصلاة، نعوذ بالله من خشوع النفاق.
هو: ولكن الفقير يحتاج إلى المال ليشتري أشياء في هذه المناسبة.
أنا : وهل لم يكن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقراء؟! بل كان فقرهم أشد من فقرنا عشرات المرات، كان منهم من لا يملك إلا ثوباً واحداً يتبادل هو وزوجته الصلاة فيه، ثم وهل قيمة زكاة الفطر مالاً تكفي لشراء أي شيء للفقير، لو أن أسرتك مكونة من خمسة أفراد فإن قيمة زكاة الفطر بالنقود لن تتعدى أربعين جنيها فلو أعطيت هذه الأربعين لفقير عنده بنت وولد، بالله عليك ماذا يمكن أن يشتري لهما بهذه الجنيهات؟
أسألك سؤالاً فصلاً: لو أن رجلاً جاء في عيد الأضحى وقال: كل الناس يعطون الفقير لحماً والفقير يحتاج إلى المال أكثر وماذا سيفعل بكل هذا اللحم فضلاً عن مشقة الذبح والسلخ والتعبئة والتوزيع لذلك أنا سأعطي الفقير ثمن اللحم فهل يجزؤه هذا؟
هو: لا طبعاً هذا لا يجوز.
أنا: ولماذا طالما جاز أن تعطيه زكاة الفطر مالاً فلتعطه بدل الأضحية مالاً ولا داعي للذبح والسلخ والمجهود الجبار الذي يبذل منذ شراء الأضحية وحتى تسلم في أكياس للفقراء بل إعطاء الأضحية مالاً أقل في المخاطرة من زكاة الفطر مالاً.
هو: معقول؟؟؟
أنا: نعم لأن حكم الأضحية عند الجمهور أنها مستحبه ولم يقل بوجوبها إلا شيخك أبو حنيفة.
أما زكاة الفطر فواجبة بالإجماع لم يخالف في ذلك إلا قلة من المالكية وليس كل المالكية.
هو: ولكن أنا إن ذهبت للفقير بأرز وذهب غيري بأرز وذهب ثالث بأرز ربما غضب الفقير فماذا سيفعل بكل هذا الأرز.
أنا: لا تذهب بأرز اذهب بتمر، اذهب ببقول، اذهب بزبيب، اذهب بأي قوت.
هو: وماذا أقول للفقير إن قال لي أنا لا أريد أرزاً ولا زبيباً ولا تمراً إنما أريد مالا؟ً
أنا: قل له أنا ما جئت بهذه الأصناف من عند نفسي إنما أرسلني بها سيدي ربي وربك فأنا عبد مأمور أنفذ أوامر سيدي.
أنا: ثم تعالى هنا يا صاحب القلب الكبير منذ متى هبطت هذه الرحمة السيالة على قلبك وقد تركت الفقير يموت جوعاً طول العام؟ عندي لك فكرة تحفظ بها دينك وتصرف فيها هذه العاطفة التي تفيض على ملابسك.
هو: وما هي؟
أنا: أعطه النصاب قوتاً وأخرج من تحت البلاطة جزءاً من المال الذي تنفقه في شراء كماليات لا تحتاج إليها.
أخي في الله أما آن أوان الأدب مع الله؟ لقد كانت خطيئة إبليس أنه نصب عقله في مقابل أمر الله، وظن بعقله وقياسه أنه خير من آدم فكان ما كان، أخي في الله ليس عندي ما أقوله سوى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته وخلفاءه ما أخرجوها قيمة قط.
{ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [البقرة:137]
{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [النساء:65]
{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } [آل عمران:32،31]
أنا: ثم عندي لك مفاجأة العمر.
هو: وما هي؟
أنا: أبو حنيفة لم يقل بجواز إخراجها نقداً بل قال بجواز خروجها بالقيمة يعني قيمة الزكاة من القوت تُقوم بأي شيء فيجوز إخراج مثل القيمة نقوداً أو حديداً أو ملابس أو أي شيء له قيمة، فلا تفتري على أبي حنيفة بعد ذلك وتنسب له أنه قال بجواز إخراجها مالاً فقط.
وأخيراً ما رأيك في الحوار التالي:
أنت: أين كنت؟
أنا: كنت أخرج زكاة الفطر قوتاً.
أنت: ولكن أبو حنيفة قال بإخراجها قيمة.
أنا: ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والخلفاء ومالك والشافعي وأحمد وأصحابهم على وجوب إخراجها قوتاً.
أنت: وهل أبو حنيفة لم يعرف هذا؟
أنا: أبو حنيفة إمام مجتهد أخطأ فله أجر واحد وهو مغفور له إن شاء الله.
أنت: إذا أنت تقول أنك أعلم من أبي حنيفة؟
أنا: أستغفر الله أنا أقول أن أهل العلم أجمعوا على مخالفة أبي حنيفة.
أنت: لعل الحق معه وهم الذين أخطأوا؟
أنا: كيف وهذا قول وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؟
أنت: أين قلت؟
أنا: قلت في أربعين واحد ميت؟
أنت: أربعين واحد قالوا مرة واحدة؟
أنا: لا بل......
أنت: مات منذ....
{ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ } [المائدة:49،48]
المصدر: خالد الشافعي - خاص بموقع طريق الإسلام