الشريد

بسمة موسى

مُغمَضُ العينين، أحكي لنفسي حكايات المَهد، و أُدُندِنُ بالأهازيج الحزينة المتنكرة تنتَحِلُ ثَيابَ الفَرَح.

مُغمَضُ العينين، أحكي لنفسي حكايات المَهد، وأُدُندِنُ بالأهازيج الحزينة المتنكرة تنتَحِلُ ثَيابَ الفَرَح.

تَحكي عَن ذاك المُهَرِّج، الضاحِك بين الدُّموع، الباكي في ابتسام، الطَّوافُ بَينَ الحواري والأزِّقة، و بين أطلال مَدينتي العتيقة، يَنثُرُ الورود فَوق رؤوس الصِّغار، ويَزرع الشَّوكَ في حُلوق الكبار، بحكاياتٍ ظاهرها بحلاوة السُّكَّر وباطنها مُرّ العَلقَم.

يَنوحُ بَين أنغامِه الفَرِحة..

أواه يا وَجَعي.. ونَحيب أحلام الطفولة.. أواه يا فَرحي.. وتَسارُع نَبَضاتي العَجولة.
أَوّاهُ يا مَشيبَ أوراقي التي ماذاقت طَعمَ المَطَر..أَوّاه يا أثَري الذي.. من قبلِ أن يوجَد.. اندَثَر.

ثُمّ يَضحَك وهو يَمسح دَمعة، ويَلهو مع الأطفال بِكُرة، ويَحكي لهم حكاية:

"وقَطرة الماء يا صِغار..لَيسَت كَقطَرة العِطر.. لَيست كَقَطرة الزّيت..لَيسَت كَقَطرة المَطَر..!

وليسَ من حيلَ بَينَه وبَين أرض أحلامه.. كَمَن إليها وَصَل وعَبَر..!

والغَيثُ.. ليسَ كَخيوط الدَّمع.. ليس كَسَيلِ الحِمَم..!

ولَيس مَن يَشكو سُفوحَ الجِبال و لا يُحَرِّكُ ساكِناً.. كَمَن يُحَلِّقُ رُغمَ خُدوشه فَوقَ القِمَم..!

يا للعبث الموشى بالأماني..!
يا للألم المُطَرَّز بالقَصَب..!
يا لَحَدائق الأبَدَ الفَتِيّة.. لا نَصَبَ فيها و لا وَصَب..! "

ثُمَّ يُلَملِمُ العَمُّ حكاياتَه وألعابَه و ضَحِكاته، إلا نَزيف حَرفٍ لَم يستطع أن يُضَمِّده، فانبثَقَ في غمغمة قانية بين الدُّموع، وهو يضع حقيبته على ظهره، مُنَكَّس الرأسِ يَمشي بِخُطى وَئيدة..

"إن كان ثَمن العبور إلى واديهم المُقَدَّس، أن تَخلَع روحَك على بَوَّاباتهم و ترتدي أسمالَ روحٍ لا تُشبهك، فلا تدخل، بل اهرُب، واقنَع بِدَبيب حَرفِك في دروب التيه، فَلَرُبما كانَ الوَطَن، و كُن شَريدا ذا شَرَف، و لا تَكُن حقيراً ذا تَرَف! "

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام