أعلام وأقزام .. يوسف شاهين (2)
خالد سعد النجار
عندما نتطرق لأزمة الثقافة العربية المعاصرة لا نقصد التجريح أو التشهير، بل المقصود عرضٌ لمسيرة النخبة المثقفة التي تضخمت في الإعلام العربي (مصر نموذجاً)، وأخذت حيزاً وزخماً كبيراً، فرَصدُ واقع هذه النخبة يشير إلى أن وراء الأكمة شيئاً ماكراً يدبر لهذه الأمة، سواءًا كان هذا التدبير داخلياً أو خارجياً، إلا أن المحصلة أن أكثرية هذه النخبة المثقفة لم تكن على المستوى المطلوب الذي يرضاه الدين والعقل والعرف، وأنها أقحمت المجتمع العربي في أمور منافية لعقيدتنا الصافية وأعرافنا الراقية وتقاليدنا السامية، بل وصَدَرَت لنا من غُثاء الغرب الفكري والسلوكي الكثير والكثير، في الوقت الذي كنا في أشد الحاجة لنتعرف على مقومات النهضة العالمية، والاستفادة من خبرات الشعوب المتقدمة في مسيرتها التنموية، في إطار ثوابتنا الدينية الإسلامية الغالية
- التصنيفات: التاريخ الإسلامي - الواقع المعاصر -
عندما نتطرق لأزمة الثقافة العربية المعاصرة لا نقصد التجريح أو التشهير، بل المقصود عرضٌ لمسيرة النخبة المثقفة التي تضخمت في الإعلام العربي (مصر نموذجاً)، وأخذت حيزاً وزخماً كبيراً، فرَصدُ واقع هذه النخبة يشير إلى أن وراء الأكمة شيئاً ماكراً يدبر لهذه الأمة، سواءًا كان هذا التدبير داخلياً أو خارجياً، إلا أن المحصلة أن أكثرية هذه النخبة المثقفة لم تكن على المستوى المطلوب الذي يرضاه الدين والعقل والعرف، وأنها أقحمت المجتمع العربي في أمور منافية لعقيدتنا الصافية وأعرافنا الراقية وتقاليدنا السامية، بل وصَدَرَت لنا من غُثاء الغرب الفكري والسلوكي الكثير والكثير، في الوقت الذي كنا في أشد الحاجة لنتعرف على مقومات النهضة العالمية، والاستفادة من خبرات الشعوب المتقدمة في مسيرتها التنموية، في إطار ثوابتنا الدينية الإسلامية الغالية
فيلم «الناصر صلاح الدين» بعيداً عن كونه عملاً سينمائيا إلا أنه ارتكب أخطاء تاريخية فادحة للغاية، وهي:
1. بهاء الدين قراقوش والي عكا لم يكن خائناً كما صوره الفيلم، بل على العكس كان القائد بهاء الدين قراقوش، أحد قادة صلاح الدين المقربين؛ حيث عُرف بشجاعته وبسالته، والذي استمال في الدفاع عن عكا طوال عامين، حاصرها خلالهم بشدة قوات الصليبيين، ويذكر عنه القاضي بهاء الدين أنه فاجئ القوات وخرج بجنوده من القلعة المحاصرة، ودارت موقعة شهيرة قتل خلالها 70 فارسًا وأسر الكثير.
في كتاب «بدائع الزهور في وقائع الدهور» لمحمد ابن إياس، وكتاب «وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان» لابن خلكان، وفي كتاب «الفاشوش في أحكام قراقوش» ذكر مؤلفه أنه عندما أخذ صلاح الدين مدينة عكا من الفرنج سلمها إليه، ثم لما عادوا واستولوا عليها وقع أسيرًا في أيديهم، وافتدى نفسه منهم بعشرة آلاف دينار، وكان هذا الكلام في سنة 588 هجرية. ففرح به القائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله فرحاً شديداً، وكان له حقوقٌ كثيرةٌ على السلطان وعلى المسلمين، واستأذن في المسير إلى دمشق ليحصل مال إقطاعـه فأذن له. وكلفه القائد صلاح الدين الأيوبي ببناء العديد من القلاع والحصون منها قلعة صلاح الدين بالقاهرة وبناء القناطر الخيرية وتوفى في القاهرة سنة 597 هجرية.
2. القائد الصليبي (ريتشارد قلب الأسد) لم يُضرب بسهم عربي مسموم بمؤامرة من الدوق آرثر، بل مرض بالحمى، وأساساً لم يكن له تابعٌ اسمه آرثر الأمين، ولا حتى آرثر الخائن .. ريتشارد كان لا يثق في أحد، ولا قَبِل دعوة صلاح الدين بالدخول كحاج .. بالعكس، رفض وقتل رسوله، وحارب المسلمين بعدها حرب عنيفة، وبعد صلح الرملة سافر ريتشارد عن طريق البحر عائداً إلى بلاده، حيث واجهته مصاعب جمة في طريق عودته، سار خلالها متنكراً عبر النمسا، واكتشف أمره الإمبراطور (ليوبولد) ملك النمسا ووضعه في السجن انتقاماً من مقتل (كونراد دى مونفران) [الممثل محمود المليجي في الفيلم] .. حيث كان يعتقد أن ريتشارد له يد في قتله، ولم يطلق سراحه إلا بدفع فديةٍ كبيرة، وقُتل بعدها في معركة ضد خصمه اللدود (فيليب أغسطس) ملك فرنسا سنة 1199م.
3. لم يكن ريتشارد قلب الأسد ملكاً متزناً حكيماً في تصرفاته وسلوكياته كما صوره الفيلم: الفارس الجسور، والعدو الشهم النبيل.
تروي المصادر التاريخية أن ريتشارد كان ملكاً جريئاً، أحمر الشعر، قوي البنية، طويل بشكل لافت، وكان يصطاد الأسود بيده من غير سلاح، وضيع النفس لا يلتزم بأخلاق، شديد النهم في الأكل والشراسة، عاشق لمنظر الدم المسال، لا يتورع عن أي خطيئةٍ طالما ترضى طموحه وتحقق أهدافه .. منها أنه قتل البابا نفسه في حادثةٍ مشبوهةٍ لأنه اعترض على سلوكه المشين.
وفي مجلة معروضة في المتحف البريطاني بحث في أصول أنساب الملوك الإنجليز وسيرهم الذاتية للمؤرخ المشهور (جون هارفي 1948) يقول: إن ريتشارد كان عربيد السلوك الجنسي، وذكر تحديداً أنه اعترف وتاب عن هذا السلوك مرتين .. بينما أصدر الدكتور (جون جيلينجهام) بحثا مفصلا آخر سنة 2001 في جامعة أكسفورد ذكر فيه أن ريتشارد كان طبيعياً تماماً .. ما بين هذا وذاك .. يظل ريتشارد إنساناً قذراً وسافلاً.
في حادثة غريبة جدا توضح كيف كان ريتشارد حيواناً في صورة إنسان .. كان ريتشارد يأكل خنازير دائماً على الإفطار، ولما نفدت الخنازير، ذبح طباخه أسيراً عربياً وطبخه لريتشارد، لاحظ ريتشارد أن اللحمة مختلفةٌ عن كل يوم، فسأل الطباخ الذي اعترف له بحقيقة ما صنع، فضحك ريتشارد وأعجبته الفكرة، وأمره أن تكون لحمته اليومية الأساسية من لحوم الأسرى العرب!!.
4. يروي الفيلم قتل ريتشارد قلب الأسد سبعين أسيراً عربياً بعد استيلائه على عكا؛ إثر وشاية بأن صلاح الدين الأيوبي قتل السفراء الصليبيين ورفض الهدنة، ولكن الحقيقة التاريخية تقول أن ريتشارد استبقى 2700 أسيراً كرهائن ضد صلاح الدين؛ للوفاء بجميع شروط الاستسلام، وقد خشي أن يعرقله الأسرى عن التحرك بقواته من عكا، فأمر بإعدامهم جميعًا.
يذكر أنه لم يدخل ريتشارد في التفاوض مع القائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله إلا بعد فشل محاولاته باحتلال مصر، وكان هدف هذه المحاولات إجبار القائد صلاح الدين الأيوبي للتخلي عن فكرة تحرير بيت المقدس وهو ما لم يحدث.
5. من الأحداث المُضافة أيضا المبارزة بين صلاح الدين الأيوبي والسفاح (أرناط) .. لكن ما ورد في كتب التاريخ أن (أرناط) أُحضِر إلى خيمة السلطان مُكبّلاً في الأغلال.
وقال له صلاح الدين: "ها أنا انتصر لمحمد صلى الله عليه وسلّم"، وذلك ردًّا على قول (أرناط): "قولوا لمحمدكم يخلصكم" وهى المقولة التي قالها للأسرى المسلمين عندما ذكّروه بالهدنة الموقعة بين صلاح الدين وملك بيت المقدس، بعد خرق (أرناط) لها ومهاجمة قوافل الحجاج المسلمين الآمنة وأسرهم، وفى هذا اللقاء عرض صلاح الدين على (أرناط) اعتناق الإسلام، ولكنّه أبى، فأخذ صلاح الدين خنجره المعقوف وضرب ذراع (أرناط) ففصله عن كتفه، ثم قامت حاشية صلاح الدين بقطع رأسه، وكانت نهايته.
وفي رواية: بعد معركة حطين المباركة سنة 583 هجرية، والتي تكللت بانتصارٍ كبيرٍ على الصليبيين أعداء الإسلام والمسلمين، أمر القائد صلاح الدين رحمه الله بإحضار الملك (جي دي لوزينيان) والأمير (أرناط) إلى خيمته، ولما مثلوا أمامه قدم للملك شراب الجلاب (الزبيب) المثلج، فشربها الملك وكان على أشد حال من العطش بعد الأسر، ثم ناولها ل(أرناط)، فقال صلاح الدين رحمه الله للترجمان: "إنما ناولتك، ولم آذن لك أن تسقيه، هذا لا عهد له عندي". وذلك كون العادة السائدة كانت أنه لو شرب الأسير أو أكل من مال من أسرة أمِن.
وكان صلاح الدين رحمه الله قد نذر أنه لو ظفر بأرناط قتله بعد أن قتل من المسلمين عدداً كبيراً. بعد ذلك أمر صلاح الدين رحمه الله بإحضار بعض الطعام للملك (جي دي لوزينيان)، وما أن انتهى حتى أمر بإحضار (أرناط) وأوقفه بين يديه ثم قال له: "نعم أنا أنوب عن رسول الله مُحمد صلى الله عليه وسلم في الانتصار لأمته". ودعاه إلى اعتناق الإسلام، فرفض وقال ما يتضمن الاستخفاف بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فسلّ صلاح الدين رحمه الله سيفه وقطع عنق (أرناط)، وأمسكه الجنود وأخرجوا جثته النجسة ورموها على باب الخيمة.
6. محاولة إبراز الصليب على صدر القائد المسلم عيسى العوام وقرع أجراس الكنائس والاحتفال برأس السنة الميلادية. بل بث روح التسامح والأخوة والمودة بين المسلمين والمسيحيين في الجيش العربي إلى درجة تعليق القتال للاحتفال بعيد الميلاد.
وتاريخيا تنص الصحيفة العمرية للخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه والتي وقعها مع بطريريك القدس (صفرونيوس) سنة 15 هجرية حول الوجود النصراني في الديار الإسلامية: "ولا يُظهِروا صليباً ولا شيئاً من كتبهم في شيءٍ من طرق المسلمين.. ولا يضربوا بالناقوس إلا ضرباً خفيفاً.. ولا يخرجوا شعانين". وهذه الأمور الثلاثة من بين أكثر من ثمانية وعشرين بنداً ركز عليها الفيلم عكسياً لأهدافٍ نصرانيةٍ صليبيةٍ بحتة.
أما الاحتفال برأس السنة الميلادية فيقول بحث لدائرة معارف الكتاب العالمي البريطانية: "أسس الحاكم الروماني يوليوس قيصر، الأول من يناير كانون الثاني كعيد لرأس السنة في 46 قبل الميلاد. وكرسَ الرومان هذا العيد للإله يانوس، إله البوّابات والأبواب والبدايات. وشهر يناير كانون الثاني سمّي باسم يانوس الذي كانَ له وجهان: وجه ينظر إلى الأمام، والآخر ينظر إلى الوراء".
لذلك فإن أصل عيد رأس السنة الميلادية وثني بامتياز، كما أنه لم يذكر عنه شيئاً في الإنجيل. فكيف سيحتفل المسلمين مع النصارى في بيت المقدس بهذا الاحتفال الوثني؟
ففي حديث أنس -رضي الله عنه- قال: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: " « »؟" قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه أحمد وأبو داود 1/675والنسائي3/179 والحاكم وصححه ابن تيمية) . فأي عيدٍ ما عدا عيدي الفطر والأضحى فهو باطلٌ في الإسلام.