الفطام الثاني واليوم الأول من الدراسة

ملفات متنوعة

يعد اليوم الأول من العام الأول للدراسة أشبه بالانسلاخ، وفي الغالب
لا تمر الأيام الأولى من التحاق الطفل بمدرسته من دون دموع غزيرة، في
عيون كثير من الأطفال..

  • التصنيفات: تربية الأبناء في الإسلام -


يعد اليوم الأول من العام الأول للدراسة أشبه بالانسلاخ، وفي الغالب لا تمر الأيام الأولى من التحاق الطفل بمدرسته من دون دموع غزيرة، في عيون كثير من الأطفال.


وإن كان للأسرة وخاصة الأم دور مؤثر ومعنى كبير، فلا يمكن وصفها بالكلمات لأنها مرتبطة مباشرة بأحاسيس لا تعرفها إلا الأم ، كما أن الأمومة لا تعترف بالطبقية ولا بالفوارق الاجتماعية، وتجد الحرص الشديد والاهتمام البالغ ظاهرا في كل تصرفات الأم حتى من قبل بدء الدراسة
ولو تأملنا اليوم الأول من المدرسة فيمكننا أن نسميه "الفطام الثاني" الذي يفصل الأم عن طفلها. وهو خطوة مهمة وأساسية في حياة الطفل وحياة أهله على حد سواء. فان معاناة الفراق التي يشعر بها الطفل والخوف أو الرهبة التي تنتابه من هذا العالم الجديد الذي سيدخله، ستظهر بلا شك في أساليب متعددة في قبل وأثناء الأيام الأولى لبدء العام الدراسي، قد تكون بالبكاء ورفض المدرسة التي يعتقد الطفل بأنها المكان الذي سيبعده عن أمه وسيسلخه من بيئته وعائلته، وقد يدفعه إلى البكاء والصراخ أحيانا.


ولأهمية هذا الأمر وتداركاً لبعض المشكلات التي قد تنجم عنها، تشهد العائلات الواعية التي يتهيأ أحد أبنائها لدخول المدرسة للمرة الأولى استنفارا لتهيئة الطفل نفسيا ومعنويا لتقبل هذا العالم الجديد. علما بأن إدارات المدارس تولي أهمية كبرى لاستقبال الأطفال وتعمل على تبديد هواجسهم وبالتالي تجاوز الحواجز التي قد تحول بين الطفل وبين الاندماج في المجتمع التعليمي ، كل بحسب وضعه الاجتماعي، وبين قبوله المدرسة. ويعزو المختصون في علم النفس العلاجي سبب المشكلات التي يعانيها الطفل في عامه المدرسي الأول وخصوصا في الأيام الأولى إلى أمور عدة وأهمها، الإحساس بـ"الهجر" الذي يشعر به الطفل عندما يبتعد عن أهله ، إضافة إلى خروجه من الإطار العائلي حيث الطمأنينة والأمان إلى عالم جديد في الغالب لا يعرف عنه الكثير وربما لا يعرف عنه شيئا، مما يشعره بـفقدان خصوصيته ومكانته التي تمنحه إياها عائلته، وهناك عامل آخر قد يزيد من هذه المشكلة وهي استعداد الطفل البنيوي للخوف. ولكن علينا أن نميز بين الطفل الذي اعتاد المكوث في الحضانة وبين الذي لم يفارق والديه قبل ذلك، فالأول ينسجم بشكل أسهل من دون صعاب تذكر فيما يعاني الثاني من بعض المشكلات.


والمتابع للعمل التربوي في المدارس يعرف أن اليوم الأول لدخول تلاميذ الروضة الأولى المدرسة هو"أصعب الأيام"، ويحتاج إلى عمل وإعداد قبل فترة من بدء العام الدراسي بجهد مضاعف كي يتم استقبال هؤلاء التلاميذ في ظل أجواء مريحة لنخفف قدر الإمكان من رهبة الانتقال إلى عالم جديد قد يجعله يشعر بالغربة"، كما يلحظ أن " برنامج اليوم الأول يقوم على النشاطات الحركية والألعاب والهدايا التي يحبها الأطفال في هذه السن".


ومن المؤكد أن للإدارات التعليمية والتربوية وخاصة المعلمات والمعلمين والطرائق التربوية المتبعة في المدارس لاستقبال هؤلاء الأطفال دورا مهما في إراحة الطفل نفسيا، إذ من الضروري أن يتم احتضانهم من قبل المدرسة أو الحضانة بمحبة ومودة. ومن الأفضل أن تقوم الأم أو الأب بمرافقة الطفل في اليوم الأول كي يعتاد على الفكرة ويكتسب سلوكا جديدا، وبالتالي يتأكد من أن أسرته لن تتخلى عنه بل إنها ستعود لتأخذه بعد قليل، وبذلك يتأقلم يوما بعد يوم مع الأجواء المدرسية والبرنامج اليومي الذي سيقوم به.


وعن طرائق التعامل مع الأطفال في بداية السنة الدراسية فمن المهم أن تتوزع الأدوار في المؤسسة التعليمية لاستقبال الأطفال بطرائق مبتكرة وجاذبة ، والحرص على أن يكون استقبالهم في مكان خاص بعيد عن الصفوف الأقدم كي يكون الاهتمام بهم أكثر، ومن الأفضل أن يكون الأيام الدراسية الأولى قصيرة وتتدرج طولا ساعة بساعة خلال الأسبوع الأول ، على أن تبدأ بأقل من ساعتين تقريبا. كل هذه الأمور مجتمعة تساعد في تجاوز المشكلة يوما بعد يوم".


كما أن للتواصل الدائم مع الأهل وخصوصا في الأيام الأولى للمدرسة أثر بالغ في ضبط الانفعالات والسلوكيات من البداية كما أن لها نتائج ملموسة في التقدم الدراسي بسرعة نظرا لدفع استقرار الأطفال وهدوء الانفعالات . ويؤكد خبراء التربية: "في اليوم الأول نطلب من أولياء الأمر مرافقة أبنائهم والبقاء معهم حوالي ساعتين أو أكثر في الملعب حيث يلعبون ويتعرفون على مربيهم، وبعد ذلك نطلب منهم الانصراف، عندها يرافق كل مربي أو مربية تلاميذها إلى الصف كي يتعرفوا على هذا المكان الجديد الذي سيمضون فيه معظم أوقاتهم خلال السنة الدراسية.


ومن التجارب الناجحة في هذا الميدان تخصيص اتصالات واستقبال الأهل للاطمئنان على أولادهم، وهنا علينا أن نكون صادقين معهم، فإذا كان وضع الطفل متأزما، عندها نطلب منهم المجيء لأخذ أبنائهم". ولا مانع من أن نسمح للأهل بالبقاء لفترة أطول أو قد نطلب منهم أخذ الطفل معهم إلى المنزل، كي لا نجبره على فعل شيء لا يرغب به في المرحلة الأولى وبالتالي كي لا يكره المدرسة في أول الطريق".


ومع ذلك تبقى المعاناة موجودة مع هذه الفئة من الأطفال، وخصوصا مع من اعتاد البقاء بشكل دائم مع والديه، لكن نسبتها تتدنى كثيرا وقد لا نواجهها بتاتا، مع هؤلاء الذين قضوا فترة في الحضانة قبل دخولهم المدرسة، فالتعامل معهم يكون أسهل.


ومن المهم أن نشير إلى أن معظم هذه المشكلات لا يمكن اكتشافها في المقابلة الشخصية الأولى قبل تسجيل الطفل، "وقد نلاحظ ضعف شخصية الطفل أو دلعاً زائداً أو أنه لا يعتمد على نفسه كثيرا ، كذلك تعلق الطفل الشديد بأهله...، عندها نطلب من الأم والأب أن يقوما بخطوات تمهيدية قبل اليوم الأول للمدرسة مثلا، الابتعاد قليلا عن الطفل ووضعه في أجواء المدرسة والعالم الجديد الذي سيصبح فردا منه والاتكال على نفسه وغيرها من الأمور التي تساعد الطفل على الانسجام مع هذه المرحلة المهمة والأساسية في حياته، والعناية به عناية دقيقة واهتماما خاصا".


ولتدارك قدر الإمكان المشكلات التي قد يواجهها الأهل في هذه المرحلة الحساسة من حياة الطفل، ينصح بضرورة التمهيد للطفل عن عالم المدرسة إما بالكلام أو بالصور ومن الأفضل مرافقته لزيارة هذا المكان والتعرف عليه قبل بدء العام الدراسي.


ومع التفرقة بين الطلاب الذين سبق لهم دخول الحضانة وغيرهم إلا أن مجرد انتقال الطفل إلى عالم جديد، سيجعله يشعر بإحساس الغربة، خصوصا أنه أيضا في الحضانة تكون العناية شبيهة بتلك التي يتلقاها في المنزل، في حين أن الوضع في المدرسة يختلف لناحية أن الاهتمام يكون للمجموعة وليس للفرد.


ومن التجارب الناجحة أيضا دعوة الأهل والأطفال قبل بدء العام الدراسي لرؤية المدرسة بجميع أركانها بما فيها الغرفة والمقعد الذي سيشغره الطفل منذ يومه الأول، وتمهد هذه الخطوة عملية تعريف الطفل بالعالم الجديد الذي ينتظره، ويتم التركيز على الزوايا الخاصة باللعب في الغرفة لتشجيعه على المجيء إلى المدرسة، وخلال الزيارة الأولى يختلط الأطفال مع أصدقائهم الجدد. فهذه الخطوة تمهد على الأطفال الطريق لبدء مشوارهم الدراسي الطويل وتساعد على التكيف قبل بدء الدراسة وتحفز الأطفال على التنشئة الاجتماعية السليمة وتحقيق الأهداف المنشودة. .
جعله الله عاما دراسيا مباركا .


12/10/1430 هـ
 

المصدر: د. مبروك رمضان - موقع المسلم