الهروب الكبير ٣
محمد علي يوسف
ومن وسائل الهروب أيضاً تَكَلُف الحيرة وإدعاء الجهل بحقائق الأمور والزعم بأن القضايا المطروحة شديدة التعقيد والتشابك، بحيث لا يمكن بحالٍ معرفة الصواب من الخطأ ولا يتصور أن يتمايز حقٌ عن باطل
- التصنيفات: تزكية النفس - الواقع المعاصر -
ومن وسائل الهروب أيضاً تَكَلُف الحيرة وإدعاء الجهل بحقائق الأمور والزعم بأن القضايا المطروحة شديدة التعقيد والتشابك، بحيث لا يمكن بحالٍ معرفة الصواب من الخطأ ولا يتصور أن يتمايز حقٌ عن باطل، هذه الوسيلة المريحة ينتهجها البعض أحياناً بقصدٍ وأحياناً أخرى بغير قصدٍ وإن كانت تلك الأخيرة غير منطقيةٍ إلى حد ما، خصوصاً مع سطوع الحقائق مع الوقت لتبدو الأمور كفلق الصبح حتى يكاد الأعمى أن يبصرها وهل يصح في الأذهان شيءٌ إذا احتاج النهار إلى دليل؟!
للأسف يُصِر هذا النوع من الهاربين على إنكار ذلك السطوع الفاحش والتمايز الصارخ ويركنون إلى ذلك الحل المريح مرددين جملاً من نوعية: ماحدش فاهم حاجة، الأمور مشتبهة ولا شيء واضح، إنها فتن كقطع الليل مظلمة، وهكذا...
يظل إدعاء الجهل والحيرة والاشتباه هو الملجأ والملاذ ويطمئن هؤلاء إلى زوال التكليف وانعدام المسؤولية نظرا لضبابية المشهد وصعوبة الرؤية وغياب الفهم، وينسون أو يتناسون أن ثمة فارقٌ واضحٌ بين تشخيص المشاكل وبين حلها، قد تكون رؤية الحل صعبةً أو تغيب القدرة على إيجاد مخرجٍ لأزمات الواقع، لكن غياب تلك الرؤى والحلول لا ينفي أبداً كونها أزماتٌ أو مشاكلٌ ولا يطمس أبداً حقائق الأشياء ومسببات تلك الأزمات والمشاكل، وإن التشخيص السليم هو أول خطوة من خطوات العلاج الصحيح، المهم.. ألا يعمي المرء عينيه ويصم أذنيه ويغلق عقله عن إبصار وإدراك سطوع الأشياء، أو بشكل أكثر بساطة....ما يستعبطش.