في ذكرى إنتفاضة الأقصى

حامد بن عبد الله العلي

( إنّ مهمة إسرائيل لم تتغير مع ذلك الحدث ، وستبقى على نفس درجتها من
الأهمية ، فموقع إسرائيل في قلب الشرق الأوسط العربي ، والإسلامي يعطي
إسرائيل ميزة التحكم في الإستقرار لدول الإقليم ، والحفاظ على النظام
الدولي القائم).

  • التصنيفات: فقه الجهاد -


( إنّ مهمة إسرائيل لم تتغير مع ذلك الحدث ، وستبقى على نفس درجتها من الأهمية ، فموقع إسرائيل في قلب الشرق الأوسط العربي ، والإسلامي يعطي إسرائيل ميزة التحكم في الإستقرار لدول الإقليم ، والحفاظ على النظام الدولي القائم ، والحيلولة دون ظهور توجهات قومية ثورية في العالم العربي ، وقطع الطريق على ظهور حركات إسلامية أصولية ) شلومو جازيت رئيس الإستخبارات العسكرية الصهيونية والمشارك البارز في المفاوضات السرية التي نسقت الترتيبات الأمنية في إتفاق أوسلو ، المصدر : تشومسكي النظام العالمي القديم والجديد341

يدخل خزائن الدول العربية أكثر من 500 مليار دولار عوائد نفطية ، وتملك ثلثي مصادر الطاقة في العالم ، وإحتياطاتها ، وتتحكَّم في أهم مناطق التواصل بين العالم ، وقنوات حركة الإقتصاد ، ومع ذلك تقف عاجزة حتى عن تمديد تجميد المستوطنات !

والحـال أنهـا بذلت شرفها كاملاً غير منقوص ، ومجانا ، ليعبث فيه الصهاينة فيما يسمى إحياء المفاوضـات ، والعجـب أنـّه حتى العاهرة قــد تقاتـل من أجل الحصول على أجرتهـا! وهؤلاء لم يحصلوا على شيء سوى إذلال أوباما نفسه إذلال العبد ، أمام الصهاينة وهو يستجدي تمديد التجميـد ، وهم لايلتفتون إليه .

ليس ثمـة ما يساعد على فهم الفقرة الثانية إلاّ جعلها تحت ضوء الفقرة الأولى ، إنَّ الأنظمة العربية الضالعة فيما يُسمى المفاوضات ، ماهي إلاّ أدوات بيد خلفاء شلومو جازيت !


كتب المفكر الأمريكي تشومسكي عن (أوسلو) أثنـاء مفاوضاتها السريـّة ، وقبل أن يبدأ تنفيذها :

( وستمسح إسرائيل لمنظمة التحرير بتكوين جهاز شرطة ، وتكون مهمّة هذه الشرطة الحفاظ على هدوء الأوضاع في الأراضي المحتلة ، وستستمد عناصر الشرطة الفلسطينية من خارج النطاق التي تعمل لتبدو غريبة على السكان الذين ستضبط الأمن بينهم ، إذ يتألف الأمن الفلسطيني من الذين عاشوا حياتهم خارج الأراضي المحتلة ، وتمّ تدريبهم جيّدا ، وتحاكي إسرائيل في ذلك النموذج البريطاني في الهند ، والسوفيتي في أوربا الشرقية ، والنازي في فرنسا ، ونموذج الولايات المتحدة الأمريكية في أمريكا اللاتينية ، فأكثر من 90% من الجيش البريطاني في الهند من الهنود المرتزقة ، وكذلك كانت حكومة فيشي في فرنسا الموالية للنازية ، وقوات الأمن التشيكية الموالية للسوفيت ، وكما لم تجلب بريطانيا جنودها فيما وراء البحار للسيطرة على الهند ، كانت سياسة الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية منذ أربعينات القرن العشرين تهدف إلى ترك القوى المحليّة ترتكب الأعمال الإجرامية القذرة بالنيابة عنها ، ولعلّ النموذج القريب من الحالة الفلسطينية ما قامت به الشرطة الصينية في ميدان نيانانمين من ذبح المتظاهرين عن طريق شرطة جلبتها من مناطق نائية في الأراضي الصينية ، وتحاول الولايات المتحدة ، وإسرائيل تطبيق نفس المبدأ على غزّة ، وقطاع من الضفة الغربية الذي سيسمح فيه بسلطة فلسطينية ، وسيحقق ذلك فوائد أفضل من إحتلال إسرائيلي مباشر ، شديد التكلفة ، ومدعاة للنقد الدولي بسبب الجرائم البشعة التي ترتكبها ويصعب إخفاؤها ) المصدر السابق ص 360

من يشكُّ للحظة واحدة أن أوسلو ، رجالها ، ومؤسساتها ، وكلّ ما يتبعهـا ، لم تكن سوى ما ذكره هنـا المفكر الأمريكي الحر تشومسكي في كتابه القيـّم جدا الذي أشرت إليه أول المقال ، في نسق واحد تماما منذ جيش أبو حنيك ، إلى جيش كرزاي ، مرورا بصحوات العراق ، ومرتزقة حكومة أفريكوم في الصومال ، من يشك في ذلك فهـو كما يقـول فقهاؤنا عندما يريدون التنديـد بصاحـب الرأي الخاطىء جدا : أضـلُّ من حمـار أهلـه !


يتابع تشومسكي : ( وتحمل السيطرة على الشعوب ، عن طريق قوى محلية مدعومة بقوى أجنبية ، مميزات أيدلوجية إضافة إلى ما سبق ، فالقسوة المتوقعة التي ستستخدمها القوات الوطنيّة ضدّ شعبها ستؤدي إلى كارثة على المستوى الوطني للشعب الفلسطيني على نحو ما يسجل المعلّقون الغربيّون ، وسيثبت للمجتمع الدولي أنّ الشعب الفلسطيني لايستحقّ كلّ هذا الإهتمام ، فها هو يقاتل بعضه البعض ، وسيصبح الإحتلال الإسرائيلي إحتلالاً رحيما مقارنة بما ستفعله الشرطة الفلسطينية بشعبها ، وهو ما يتماثل مع ما يطلقه البعض عن تلك الأيام الرائعة التي عاشتها دول العالم الثالث تحت سيطرة الإستعمار الأوربي ، بعد أن شهدت أفاعيل طواغيت الحكم الوطني )

يتابع تشومسكي : ( لهذه الأسباب اعتبرت إسرائيل منظمة التحرير الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني ، وبدأت معها التفاوض بعد أن حصلت على إلتزام بسحق أي مقاومة فلسطينية للجيش الإسرائيلي ) .

تأمَّلوا ما قالـه جيداً ، ففي الحقيقة لم يقدّم الصهاينة أيّ تنازل _ كعادتهم المعاكسة لعادة النظام العربي _ عندما اعترفوا بمنظمة التحرير ، إنمّـا الذي وقـع هو في الحقيقة التنازل إلى درجة العمالة الكاملة مـن الطرف الفلسطيني من أوسلو _ بالمناسبة كان الموقِّع على ( أوسلو ) هو محمود عباس نفسه بوصفه أمين سر اللجنة التنفيذية _ وكان هذا العميل المخلص للصهاينة _ قيل إنّه بهائي _ يُعـدَّ للقيام بكل الدور الذي وصفه تشومسكي آنفـا .


لقد نصَّت إتفاقية أوسلو على ( إنشاء قوّة شرطة فلسطينيّة من أجل ضمان النظام العام في الضفة ، وقطاع غزة ).

لن إخفي إعجابي بتشومسكي بسبب كونـه غير مسلم ، لأنَّنـا في الإسلام نحترم الشرفاء ، محبّي العدل ، ونبني معهم جسورَنا المحبـِّة للحق والعدل ، والحرية
وكنت أدعو ، ولازلت ، أن نعقد مؤتمراً للحوار الحضارات ، ولكن ندعو إليـه _ خلافا للمؤتمرات المشبوهة التي لايُدعى إليها إلاّ أولياء محور الشرّ الصهيوصليبي !! _ من يقف معنا في عدالة قضايانا، ممن يعرف حقيقة الكيان الصهيوني ، ومخططاته ، ويشاركنا هـمّ إراحة العالم من شروره .

وعجـباً .. هل كان تشومسكي يعلم الغيب ؟!! .. كلا ، لكنه _ في ضوء ما قرأت _ أوسع المفكرين الأمريكيين خبرة بخبث إستراتيجيات الرأسمالية الغربية المتوحشـة ، ولهذا يرى جرائمهـا قبل أن تقـع ، كما يراها غيره بعـدَ وقوعِهـا .

من منطـلق هذه الحقيقة التي شرحها تشومسكي ، ومنها فحسب ، يجب أن ننظر إلى كلِّ ما يحدث على صعيد ما يسمى ( عملية السلام في إطار أوسلـو ) منذ نحـو عشرين عاما إلى اليوم .

ومن منطلق هذه الحقيقة يجب أن نجـدّد في أمّتنا اليـوم خطة التحرير التي أشعلت شرارتها إنتفاضة الأقصى قبل عشرة أعـوام ، مرتكزة على :

إعادة إحياء مركزية قضية تحرير الأقصى بالجهـاد ، وإطلاق كلِّ طاقات الأمـّة لتتمحور حول هذا القضية ، ففي هذا الإطلاق وحده أبلغ الرد على الروح الإنهزامية التي أخنت على أجوائنا ، بسبب ما يسمى ( الحرب على الإرهاب ) ، إذ كان هدف هذا المشروع الخبيث فصل الأمة عن أمّ قضاياها ، وعن كون الجهاد هو حلّها الأوحـد .


وهذا يتطلـَّب :

1ـ حشد الجهود لإطلاق الإنتفاضة الثالثة ، وتأجيج عوامل إشتعالها ، بإعلان التعبئة العامة في الرأي العالم العربي والإسلامي نحو هذا الهدف ،

2ـ تجديد مشروع كسر الحصار على غـزة ، وتسيير القوافل من جميع البلاد الإسلامية .

3ـ تجديد الضغط لفتح العواصم العربية أبوابها لمكاتب فصائل المقاومة الفلسطينية ، وتمكينها من جميع المناشط التي تدعم الجهاد الفلسطيني .

4ـ تحريك كلّ الجهود السياسية ، وتنسيق المواقف بينها ، لطرد ممثلي السلطة الفلسطينية العميلة من البلاد العربية ، وفضح حقيقتها .

5ـ يضع العلماء ، والدعاة برامج منتظمة في جميع مناشطهم الدعوية في جميع منابرهم الإعلامية ، للدفع بالنقاط الأربعة الآنفة على سلّم الأوليات ، وكذلك يفعل الناشطون الإسلاميون ، والسياسيون الشرفاء .


هذا ونحن نعلم أنّ إخواننا الذين في بيت المقدس وأكنافه ، لولا خيانة السلطة العميلة ، لكانت الإنتفاضة الثالثة قد انطلقت الآن ، وألقت ببركاتها على كلّ الأجواء الإسلامية ، فأزالت ما ران عليها من غبش الرؤية ، وتبلـّد الإحساس ، وخمول العزيمة ، وإنخداع بشعارات الإنبطاح التي تسوّقها خدعة ( معا ضـدَّ الإرهاب ) !

وأنهـم لم يقصروا في بذل الغالي والنفيس في الدفاع عن الأقصى ، فهاهـم يتعرضون للتعذيب ، والإعتقال ، والتضييق ، والمطاردة منذ إنطلاق أوسلو ، بل قبلها ، وهم صابرون على هذا الطريق ، لم يستطع عدوهـم أن يثنيهم عن عزمهم ، ولا أن يفت في عضدهـم .

لكنهـم بحاجة اليوم إلى مدّ يد العون إليهم من إخوانهم في العالم الإسلامي ، ليكسروا الطوق الذي أحاط بهم ، ليشعلوا أوار إنتفاضة تحرق كلّ ما جاءت به أوسلو من خبث ، وخيانة ، وعمالة ، وتعيـد الأمة إلى طريق النصـر بإذن الله تعالى .

هذا البيان ، وعلى الله البـلاغ ، وهو حسبنا عليه توكّلنا ، وعليه فليتوكـّل المتوكّـلون .
 

المصدر: موقع الشيخ حامد العلي