أيـن الإخـوان؟!
شريف عبد العزيز
سؤال يتردد بقوة في الأيام القليلة الفائتة في العالم الإسلامي عامة
وفي مصر خاصة، ليس يتردد فقط من المتابعين، بل يتردد أيضا وبصورة أوسع
بين الأوساط الشعبية ورجل الشارع العادي، وهو يري الأحداث المتصاعدة
والقضايا الساخنة تزلزل مصر والعالم الإسلامي ...
- التصنيفات: الفرق والجماعات الإسلامية -
سؤال يتردد بقوة في الأيام القليلة الفائتة في العالم الإسلامي عامة وفي مصر خاصة، ليس يتردد فقط من المتابعين والمراقبين للجماعة الأقدم والأكبر والأكثر تنظيما وحركية في العالم الإسلامي المعاصر، بل يتردد أيضا وبصورة أوسع بين الأوساط الشعبية ورجل الشارع العادي، وهو يري الأحداث المتصاعدة والقضايا الساخنة تزلزل مصر والعالم الإسلامي في هذه الفترة، والإخوان غائبون تماما عن الصورة!
ثلاث نوازل وأين الإخوان؟
خلال الشهر الماضي فقط وقعت عدة أحداث ضخام علي مستوي العالم الإسلامي، كانت بأمثال النوازل التي زلزلت العالم الإسلامي والمسلمين في كل مكان، أول هذه الأحداث أو النوازل تمثل في إقدام القس المخبول تيري جونز علي التهديد بحرق المصحف في ذكري أحداث سبتمبر، أي في أول أيام عيد الفطر، وفي نفس موقع الحدث الشهير، متحديا بهذا مشاعر مليار ونصف من المسلمين في شتى أرجاء العالم، وفي يوم عيدهم، وعلي الرغم من تراجع القس المخبول عن خطوته إلا أنه قد فتح الباب لغيره من المتطرفين والحاقدين في أمريكا وأوروبا للإقدام علي مثل هذه الجريمة البشعة، وأحرقت بالفعل مئات النسخ في استراليا وانجلترا وأمريكا، أما الحادثة الثانية فكانت لا تقل عن سابقتها عندما أقدم رافضي خبيث، ملئ قلبه بالكفر والزندقة والبغضاء لأطهر خلق الله، بسب أم المؤمنين عائشة ووصفها بأقبح الصفات، والثالثة أتت علي يد الأنبا بيشوي الحاقد الجاحد الذي وصف كتاب الله بالمزور، والمسلمين في مصر بالضيوف.
النوازل الثلاثة استقبلها المسلمون في كل أنحاء العالم بموجات عارمة من الغضب والشجب والإنكار والتهديد، واجتاحت العالم عشرات المظاهرات الغاضبة المنددة بجرائم الحاقدين الثلاثة، أو مثلث الكراهية -جونز، الحبيب، بيشوي-، وقد أتبع هذه المظاهرات الغاضبة تنديدات رسمية وإعلامية واسعة النطاق، وتكلمت شخصيات وجهات ظلت صامتة سنوات طويلة، متذرعة بالصبر وطول البال، ولكنها ضاقت ذرعا من روع الجرائم، فنطقت وغضبت ونددت وأصدرت العديد من البيانات الغاضبة المؤثرة، وقد أتت ردود الفعل القوية للمسلمين العادين وعامة الناس أكلها، فتراجع المجنون جونز عن جريمته، وسحبت الكويت جنسية الخبيث شاتم أم المؤمنين عائشة، وأصدرت قرارا بملاحقته دوليا، واضطر بيشوي للتراجع عن إساءاته وبذاءاته، وأجبر شنودة علي الانحناء لموجة الاحتجاجات العنيفة التي اجتاحت بلاد مصر.
خلال ردود الأفعال الغاضبة والتنديدات القوية بهذه النوازل، توقع الكثيرون أن يكون الإخوان في مقدمة المحتجين والمنددين، وتوقعت العديد من الجهات أن يقوم الإخوان بتحريك المظاهرات الغاضبة في كل أنحاء العالم، لما للإخوان من قدرات تنظيمية كبيرة، ومهارة فائقة في مجال التظاهر والاحتجاج خصيصا، وتاريخهم حافل بمئات المظاهرات الصاخبة لما هو دون ذلك بكثير، وتوقعت الأنظمة أن يشغب النواب الإخوان في المجالس النيابية في مصر والأردن وغيرها من مجالس المنطقة بالعديد من الاستجوابات ومشاريع القرارات القوية ضد هذه الإساءات والجرائم بحق الإسلام والمسلمين، ولكن كل هذه التوقعات ذهبت أدراج الرياح، وخاب ظن رجل الشارع العادي وعامة الناس في الإخوان، بعد أن غابوا تماما عن ساحة الأحداث، واكتفوا بمجرد بيان متواضع من فضيلة المرشد بخصوص قضية الأنبا بيشوي، في حين غاب الرد الإخواني تماما عن قضية حرق المصحف وسب عائشة رضي الله عنها، اللهم ما كان من الشيخ القرضاوي من تنديد قوي بالإساءة لأم المؤمنين رضي الله عنها.
لماذا غاب الإخوان؟
يري كثير من المحللين والمراقبين لجماعة الإخوان المسلمين أن غيابهم عن التواجد علي ساحة الأحداث الأخيرة، يمثل انعكاسا طبيعيا لحالة التوجس الحذر، والترقب وجس النبض التي عليها جماعة الإخوان منذ الإحلال والتجديد الذي طرأ علي هيكل مكتب الإرشاد، وحالة التصعيد الأمني والإعلامي الذي تلت تلك التغييرات، في ظل انتخابات برلمانية وشيكة في مصر، وتحت مظلة اتجاه رسمي من النظام نحو منع أي مرشح ينتمي للجماعة بكل سبيل ممكن.
لذلك يري كثير من المحللين أن كلمة السر وراء غياب الإخوان عن المشاركة الفاعلة في الأحداث السابقة، هي الانتخابات البرلمانية المقبلة، فالإخوان بغيابهم عن المشاركة في ردود الأفعال القوية تجاه نوازل الأمة السابقة قد أعطوا منافسيهم حججا قوية، وبراهين لا تقبل الشك، أن جماعة الإخوان لا تختلف كثيرا عن باقي أحزاب المعارضة في مصر والعالم العربي والإسلامي، فالانتهازية السياسية، والنفعية البرجماتية، هي التي تحدد سير الجماعة، وترسم خطواتها المستقبلية، وكل خطوة تتعارض مع أهداف الجماعة وخططها السياسية الخاصة بالوصول لأكبر عدد ممكن من المقاعد في البرلمان، سوف تنحي قسرا من أجندة الجماعة، حتى ولو كنت بمثل وزن النوازل الثلاثة التي فجعت الأمة بأسرها، وانتفض لها رجل الشارع العادي غضبا.
فجماعة الإخوان الآن من وجهة نظر معارضيهم قد طبقوا الشعار السياسي الأشهر، وهو "لا محبة دائمة، ولا عداوة دائمة، بل مصالح دائمة"، فهم قد وضعوا في حساباتهم رد فعل عدة جهات تجاه مشاركتهم في المظاهرات والانتفاضات الشعبية الغاضبة، قد وضعوا في حساباتهم رد فعل النظام، وافترضوا أن النظام سيستغل الفرصة لمزيد من التضييق علي حركة الجماعة في الانتخابات المقبلة، أو أنه سينتهز الفرصة لتشويه صورة الجماعة في الداخل والخارج، والترويج علي أنها جماعة متشددة متطرفة، إذا وصلت للحكم سوف لا تختلف كثيرا عن حركة طالبان أو الشباب.
كما أن الجماعة وضعت في حساباتها رد فعل الخارج، مثل الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وكانت العلاقات بين الجماعة والجهات الخارجية قد أخذت في التحسن البطيء في الأشهر القليلة الماضية، خاصة بعد انضمام الإخوان لجبهة التغيير التي يقودها البرادعي، وخشيت الجماعة من تصنيفات أمريكا المؤذية التي قد تعطل كثيرا من مصالحها وتحركاتها، خاصة وأن ملف الأقباط هو ملف شائك التعامل معه أشبه بمن يمشي علي سلك البهلوان، أي خطوة خاطئة تهوي بصاحبها من عليه.
كما أن الجماعة أرادت أن تطمئن أيضا الكنيسة المصرية علي مستقبلها تحت ظل حكم الإخوان إن هم وصلوا يوما لسدة الحكم، والجماعة تقود منذ إعادة تشكيل مكتب الإرشاد فيها حملة علاقات عامة وسط أقباط مصر، فقد تقدم الدكتور عصام العريان عضو مكتب الإرشاد, بتكليف من قيادة الجماعة, يوم27 يناير الماضي, بخطة عمل, تهدف إلي ما يمكن أن نطلق عليه "حملة علاقات عامة" وسط أقباط مصر, تهدف إلي تغيير صورة الجماعة في أذهان أكبر عدد من المسيحيين المصريين, وفق خطة تضمنت تكليف كوادر الجماعة القيام بزيارات للتعرف علي جيرانهم من الأقباط وزملائهم في العمل, والتخطيط لزيارتهم في الأعياد ومواساتهم في المصائب والأمراض. تتضمن الخطة أيضا تكليف الدكتور عبد الرحمن البر, الأستاذ بجامعة الأزهر, وعضو مكتب إرشاد الجماعة, بإعداد بحث فقهي ودعوي يتضمن اختيارات فقهية تناسب وضع الإخوان في المرحلة الحالية(مرحلة عدم التمكين- أو الاستضعاف), تهدف الدراسة إلي إزالة الحرج عن كوادر الجماعة, وبث روح الطمأنينة في نفوس الأقباط, كجزء من إطار الحركة السياسية للجماعة في مرحلة (عدم التمكين), وهي المرحلة التي يجوز فيها - لدي الإخوان المسلمين وفق فقه الاستضعاف- تبني رؤي تحول دون الصدام مع أي فريق في المجتمع, علي أن يتم تركيز المعركة مع فريق السلطة.
قد يري الكثيرون من المتعاطفين مع الجماعة أن ما أقدمت عليه الجماعة له ما يبرره، وأن فقه المصلحة يقتضي تغليب المصالح علي المفاسد، أن المرحلة المقبلة لا مجال فيها للعواطف، تحتاج لأقصي درجة من الحنكة السياسية والخبرة التفاوضية، إلي آخر هذه القائمات من المبررات المحفوظة، والحجج التي تساق عند كل تراجع وغياب للجماعة، كما قد يري البعض أن هذا الهجوم والنقد غير بناء، ولا يخدم جهة سوي النظام أو أعداء الإخوان المتربصين بهم، ولكن الغياب المحزن للجماعة عن المشاركة في مواجهة الأحداث الأخيرة، قد ترك أثرا كبيرا ليس في نفسية المراقبين والمحللين، بل عند رجل الشارع العادي وعموم الناس الذين كانوا يرون في الجماعة حركة إسلامية تهتم بقضايا الإسلام وتضعها في قمة أولوياتها، ولكن وللأسف الشديد يبدو أنهم قد أخطئوا.
المصدر: موقع مفكرة الإسلام