عودٌ على بدءٍ
شيماء علي جمال الدين
احمل همّ الروح وامض وحدك مُتوكلّا على ربّك، واعلم.. أنّك أقوى... أنت بالله أقوى !!
- التصنيفات: تزكية النفس - دعوة المسلمين -
"موجوع حدّ التبلّد.. ممزق حدّ الفناء.. تائه حدّ التلاشي .. لست أنا".
حالة كثيرًا ما نمُر بها، ولا أحسب أن أحدنا قد سلم من لحظات يشعر فيها بضغوطات خانقة تكاد تُزهق روحه، لا تأتي فجأة وإنما نحن من نتجاهل مُقدماتها حتى تأتي لحظة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير فتفجعنا بضرورة التوقّف والمُحاسبة والبدء من جديد!
مع أوّل يوم جديد قُل لنفسك: "أصبحنا على بداية، فكل يوم جديد هو بداية جديدة".
بدايات الأشياء صعبة، ذاك سمْتها، وأصعب منها العود إليها، أن تعلم متى تتوقف وكيف ترجع، ولم تفعل ذلك.. لتبدأ من جديد!!
هي بلا شك صعبة لكنّها جميلة، والبدء من جديد بمثابة استرجاع تلك اللحظات المُميّزة في حياتنا والنجاحات السابقة وتكرار مشاهد الروعة بكل ما فيها من دهشة وحماسة وارتباك، ومُتعة خوض غِمار الحياة!
بالطبع ليس من اليسير أن تُثير غُبار ما فات وتستنفر الذكريات، أن تقف بشجاعة في مواجهة نفسك.. وغيرك، أن تُقرر الحياة وقد ارتضى لك الناس من حولك الموت حيًا، ليس يسيرًا أن تُكمل المسير وهذا يفتُّ في عَضُدَك وهذا يُقوِّض لك عزمك وهذا يقصم لك ظهرك، ليس يسيرًا أبدًا أن تقرر فجأة أن تقطع المسير وتبدأ من جديد.. وحدك، بل معك ربّك، ليس بالأمر اليسير لكنّ الله على كُلِّ شيءٍ قدير !!
العثرات غالبًا تُنبهنا، فكِّر في أنّ تلك الحصاة التي تعثّرت بها ما هي إلّا كبوة ولكلِ جوادٍ كبوة، قُم وانفض عنك تُرابها، مُجرّد حصاة فلا تهتمّ بها ولها، ذاك أقصى ما يمكنها فعله معك!
يقول الشاعر تميم البرغوثي في قصيدته " مُعارضة البُردة":
وَلْتَعْلَمِي أَنَّهُ لا بَأْسَ لَوْ عَثَرَتْ *** خُطَى الأكارمِ حَتَّى يَعرِفُوا السَّدَدَا
وبعض العثرات صدقًا إنّما هي بقدر الله مفتاح بدء جديد كان لزامًا أن نقع فيه كي نُجبر على فعل ما عجزت العزيمة وطول أمد الحزن عن القيام به.
ورُبّ عثرة مرّت في الدرب واعترضت *** كن سَمَتْ بالروحِ وإن تعثّر الجسدا
لا تهرب من أحزانك؛ بل واجهها ولا تخجل من خيباتك؛ تعلّم منها ولا تكتم دموعك بل ابكيها واذرفها، لا تنشغل بمن آذاك أوظلمك أو ثبّطك؛ واعلم... أنّ من أمات روحك حسرة وكمدًا حتى غطّاك الكفن، لن يفجعه أن يواريك بيده التراب !
واعلم.. أنّك أقوى... أنت بالله أقوى !!
احمل همّ الروح وامض وحدك مُتوكلّا على ربّك، فإن رُزقت الصُحبة الصالحة المُعينة فهو فضل من الله ونعمة وإلّا فأنت مُستكفٍ بالله ومُستغنٍ به عمّن سواه، لا تستمد الأمل من أحد لكن لا بأس أن ترى نوره اذا ما أضاء حولك.. كن آمنا واجعله ينبعث من داخلك.
وجميل أن تغتنم مواسم الطاعات وتُجدد إيمانك بتوبة تجُبُّ ما قبلها. عودٌ على بدءٍ للروحِ والقلبِ، والحمد لله الذي يصرف عنّا الأذى ويُعيننا على ذكره وشُكره وحُسن عبادته.
وفي النهايةإنّ ذلك مقال نهايته بداية، وطِّن نفسك على أن يكون كل يوم من أيّام حياتك هو يوم شِعاره "عَوْدٌ على بَدْء".
اللهمّ جدّد الإيمان في قلوبنا والأمل في أرواحنا وردّنا إليك مردًا جميلًا.