أبناء الأصول
حنان لاشين
"أبناء الأصول" أيضًا هم من لا يتغيَّرون إن تغيرت الظروف، وهم من لا تفوتُهم مناسبة سعيدة أو حزينة تخصُّك إلَّا وكانوا أول من يجاورُك فيها.
في الحقيقة، يطلقونها أيضًا على مَن لديهم عادات طيِّبة، وطباع راقية، وهنا نتوقف.
"بنت أصول" هكذا يصفون المرأةَ الوقور التي تجبرُ مَن أمامها على احترامها، لا تتخطَّى الحدود، ولا تتصرف بطريقة تسيء إلى صورتها، دون تصنُّع؛ لأنها نشأت هكذا منذ نعومة أظفارها.
"ابن أُصول" هكذا يصفون الرجلَ النبيل، الشَّهْم، صاحب المواقف الرائعة والأخلاق الحميدة.
"أبناء الأصول" أيضًا هم من لا يتغيَّرون إن تغيرت الظروف، وهم من لا تفوتُهم مناسبة سعيدة أو حزينة تخصُّك إلَّا وكانوا أول من يجاورُك فيها.
في الحقيقة، يطلقونها أيضًا على مَن لديهم عادات طيِّبة، وطباع راقية، وهنا نتوقف.
قد يبحثُ الشابُّ عن عروس على دينٍ، ويتجاهل أيَّ سماتٍ أخرى، وربما لا يحاولُ أثناء فترة الخطبة أن يتقرَّب منها فكريًّا، أو يسأل عنها حتى، وربما لا يلتفت إطلاقًا لعاداتهم ومعاملاتهم في البيت؛ فيعيش تعيسًا بعد الزواج، ويعاني حتى تتغيَّر وتتطبع بطِباعه، أو تعتاد على طباعه دون أن تتغيَّر وتتعايش معه.
وربما تقبلُ الفتاة خاطبًا لها؛ لأنه شيخ ويدرسُ العلمَ الشرعي ومشهور بصلاحه، ويكون فعلًا على دينٍ وخلُق، ولكنه أيضًا ذو شخصية تفتقدُ للحكمة، ولحُسن إدارة بيت تسكنه أنثى!
يظُنون أن الزواجَ حالة ملائكيَّة من السموِّ والالتقاء الروحي، يتطلَّعون للمثاليَّة المطلقة، وعندما تناديهم احتياجاتهم الفطرية، وتتقلَّب نفوسهم وأبدانهم، وتصطدم طبيعة شخصياتهم المتباينة - يصرخون؛ وذلك لأنهم كانوا يحلِّقون بعيدًا عن الواقع، ويرفعون سقف التطلُّعات، ويقبلون الارتباط بالمظهر، وربما بعض الجوهر يكون رائعًا جدًّا وجميلًا، وقد تكون فعلًا الشخصية التي قبلت أنت الزواج منها ممتازةً، ويحسدك عليها الجميع، لكنك لم تَذُقْ طعم السعادة! وذلك بسبب الطباع والسلوك، يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: "إن سلوك الإنسان مجموعةُ عادات؛ عادات في الأكل وفي الشرب، وفي المشي وفي اللبس، وفي أسلوب مخاطبة الناس، بها يكون الإنسان محبوبًا أو يكون مكروهًا، وبها يكون موقَّرًا محترمًا، أو يكون مزدرًى محتقرًا، وربما يكون هذا الحبُّ وهذا الكره، وهذا التوقير وهذا التحقير، لعادة تافهة لا يَأبه صاحبها لها ولا ينتبه إليها".
دعوني أطرح الأمثلة: فتاةٌ طيبة تتزوج من شيخٍ وطالب علمٍ، لكنَّه جاف جدًّا في مشاعره، ولم يعتَدْ على شُكر أمِّه وأخته على أي لفتة أو مجهود بسيط في البيت، تعوَّد على الغِلظة، ردودُه حادة، حتى نظراته تفتقر إلى الرحمة، لا يخرجُ إلا للعمل، وفي أوقات فراغه من المسجد إلى البيت، ومن البيت إلى المسجد، أولى اهتماماته طلبُ العلم الشرعي، ويلقي على كاهلها كلَّ مسؤوليات البيت والأبناء، ولا يفكر حتى في الخروج معها ليرفِّه عنها وعنهم، وكأنها كائن مستأنس محبوس في البيت، فهل ستكون سعيدة؟!
شاب رائع يتزوَّج من فتاة على خلق ودين، حافظةٍ للقرآن، وكأن المِسكَ يفوح من فمِها كلما تحدثت، لكنها لم تتعود على أن تكون أنثى في بيت أهلها، تربَّت على الأدب والحياء، لكن الأنوثة لا، ليست رقيقة، ولا تحسنُ اختيار ملابسها، ولا تعرف كيف تتزين فتظهر محاسنها لزوجها، أو غير نظيفة، أو فظَّة غليظة، أو لن تقوم بالطبخ لأن طلب العلم الشرعي أهمُّ، فهل سيكون سعيدًا معها؟!
الزوج الذي لا يهتمُّ بنظافته الشخصية، كثيرُ اللوم، أو العصبي الذي يعتبر دخوله للبيت حظرًا للتجوال حيث يخاف منه الجميع؛ لأنه كثير الصراخ بحجة أنه مُرْهق جدًّا بسبب العمل، أو البخيل، أو الذي يسمع لشكاوى أمِّه من زوجته، ويسمع لشكاوى زوجته من أمه، ولا يقيم الأمور بعقل، فيسيء للاثنتين؛ فتسوء الأمور، وتزداد الفجوة بينهما اتساعًا ... كلها نماذجُ لرجال ربما يُصلُّون ويحفظون بعضًا من القرآن، لكن المشكلة هنا في الأخلاق والطباع!
الزوجة المهملة، كثيرةُ الشكوى، كثيرةُ الطلبات، الكئيبة، التي تضعُ رأيَ والدها فوق رأي زوجها، التي تغار كثيرًا، وتعاقب زوجها على اهتمامه بأمِّه، وكأنه ارتكب جُرمًا! التي لا تشكر زوجَها على المعروف، ولا تغفر له إن أخطأ ... كلها نماذج لنساء ربما مصلِّيات ومتحجِّبات أو منتقبات، لكنها طباع وأخلاق!
تسلُّط الزوج الشديد وتربُّصه لزوجته، وكأنها محبوسة في قفص من الممكن أن يؤدي لانهيار علاقتهما، رغبة الزوج في اقتناء زوجته وكأنها متاعٌ لا إرادة له ولا روح، قد تقتل روحها وهي بين يديه، فتعيش معه كشبحٍ.
كثرةُ لوم الزوجة لزوجها ومعاملته كابنٍ لها تربِّيه سببٌ في نفوره منها، وأحيانًا طريقتها في التوجيه، وكأنها مديرة مدرسة وهو طالب فيها - تجعله يهرُب.
إذًا، نجاح الزواج هنا لا يتوقَّف فقط على التديُّن، هناك شيء آخر ضروري وهام، ولا بدَّ أن ننتبه له؛ الزواج ليس الانتقال إلى قصر فوق السحاب، الحياة فيه ورديَّة، وخالية من المشاكل، أنت تحتاج لشريكٍ يقوِّيك، يتحمل ضربات الأيام معك، يشد يدَك إن سقطت، وينفض الغبار عن قدميك، ثم ينظرُ في عينيك ويخبرك أنك بخيرٍ وأنه معك ولن يتركك ... لن تترككَ إن مررتَ بضائقة ماديَّة، لن يترككِ إن تأخرتِ في الانجاب، لن تترككَ إن اضطررتَ إلى بيع السيارة لسداد دَيْن، لن يترككِ إن ازداد وزنكِ؛ فالأمر في الحقيقة أنه يحبكِ أنتِ بروحكِ وليس الأمر بدنًا فقط، لن تترككَ إن قررت أن تنتقل أمُّك لبيتك - والذي هو بيتها؛ لأنها أمك - لأنها تعلم فضلها عليكَ، وستتحمل وتحسن إليها معك.
نحتاج للتمحيص ونحن نختار، عندما تتزوجون تخيَّروهم من أبناء الأصول، أصحاب الخلُق مع الدين؛ فكلاهما مهم، وضَعْ في حسبانك أن تراقبَ العادات والطباع...
وأنت أيضًا انتبه لنفسك، وكذلك أنت ... إن العاقل منا من يفتح عينيه، ويراقب الناس ليتعلَّم، تعلَّم من الناس، نقِّب عن الخير، وكلما اكتشفت خُلقًا حميدًا ضُمَّه وتخلَّق به، وراجع طِباعك، وعاداتك، وأخلاقك؛ فما كان صالحًا فاحمَدِ اللهَ عليه، وتمسَّك به، وزِدْ منه، وما كان طالحًا ينفر الناس منك، فاعمل على تغييره، واستَعِنْ بالله، فالإنسان لا يُلامُ على شيء خلَقَه الله فيه، لن تُلام على ملامحك، ولا اسمك، لكن خُلقك ستسأل عنه.