القنوات الفضائية .. وشركات توظيف الأموال الإسلامية

ملفات متنوعة

لم أستطع أن أفهم ما ساقوه من مبررات عن أسباب تدمير شركات توظيف
الأموال الإسلامية .. رغم دراستي بعض مبادئ الاقتصاد علي مدي تسع
سنوات في الكليات المختلفة، ولم أستطع أن أفهم القانون الذي وضعوه لها
خصيصا ً لينهوا أنشطتها الواسعة.. رغم دراستي القانون في

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

لم أستطع أن أفهم ما ساقوه من مبررات عن أسباب تدمير شركات توظيف الأموال الإسلامية .. رغم دراستي بعض مبادئ الاقتصاد علي مدي تسع سنوات في الكليات المختلفة .

ولم أستطع أن أفهم القانون الذي وضعوه لها خصيصا ً لينهوا أنشطتها الواسعة.. رغم دراستي القانون في كلية الحقوق جامعة القاهرة .

ولكنني أستطيع من خلال متابعة جيدة لوسائل الإعلام المختلفة أن أرصد ظواهر الحدث دون بواطنه.


أستطيع أن أرصد كيف تضخمت تلك الشركات وملأت إعلاناتها كل الصحف القومية - الحكومية - وغير القومية مدحا وتقريظا ً.. وكيف كتب عنها كل الكتاب مشيدين ومعجبين ومؤيدين إعلانات بأجر ظاهر وإعلانات ظاهرها بدون أجر.

أستطيع أن أرصد تعاون أجهزة الدولة معها.. حتى أن الصحف نشرت افتتاح كبار المسئولين لأحد مشروعات إحدى تلك الشركات والتي استفادت كثيرا من خلال تلك الزيارة في الإعلان والدعاية.

وأستطيع أن أذكر كيف شاركوا في الأنشطة الاقتصادية المختلفة من صناعات وزراعات وتجارة ولعب في البورصات العربية والأجنبية.. وحققوا مكاسب وخسائر .

وأستطيع أن أرصد بكل أمانة أن أحدا ً من المشتركين لم يشك يوما ً من تأخر سداد الأرباح الكبيرة التي كانت تصرف لهم - وكان لي أقارب منهم - أو يشكو من تأخر إعطائه نقوده .. متى أراد استردادها .


وفي النهاية أذكر ثقة الناس الكبيرة فيهم ساعتها وسحبهم الأموال من البنوك الرسمية الربوية.. رغم الفتاوي التي شاعت تنفي الحرمة عن إيداع الأموال فيها.. وتسارع في وضعها في تلك الشركات.. حتى اشتكت البنوك من مشاكل مالية هددتها بالإفلاس نتيجة انصراف الناس عنها.. وكان من هؤلاء المودعين كثير من كبار المسئولين في الدولة .

بل إن هذه الثقة بلغت إلي أن الدولة اقترضت من أحدهم مبلغ أربعين مليونا ً من الدولارات لشراء قمح بسبب نقص السيولة.. وأن الكاتب الكبير عبد السلام داوود كتب أكثر من مرة في عموده الشهير في صحيفة الأخبار يطالب الدولة بسداد المبلغ.. لأنها كما قال فلوس المودعين الغلابة .

وفجأة بدأت صحف اليسار والعلمانية ومعهم بالطبع الصحف القومية تهاجم تلك الشركات.. وتطالب بسن القوانين التي تجعلها كما قالوا تحت السيطرة وسط سيل من الاتهامات الكاذبة والمضخمة.. وربما كان بعضها حقيقيا ً وتجاهلته الأجهزة المعنية في حينها .

وهنا أحس الجميع أن شيئا ً ما يعد لتلك الشركات فسارع كثير من المودعين إلي سحب أموالهم.. بينما لم يشعر الآخرون وهم أكثرية البسطاء ممن وضع تحويشة عمره وتركها دون أن يسحبها .

وهكذا صدر القانون الذي أنهي قصة تلك الشركات.. ليتحول أصحابها ما بين طريد وسجين.. بينما بيعت أصول أموالهم في مزادات بأبخس الأثمان لتتبدد مودعات الغلابة .

ويحمل الأعلام مسئولية ذلك لأصحاب الشركات المسجونين أو الهاربين الذين لا يملكون الدفاع عن أنفسهم.

فاتني أن أذكر كيف أن بعض رجال الأعمال تعهدوا بسداد أموال المودعين.. وهي قرابة المليار جنية مقابل الحصول علي أصول صاحب إحدى هذه الشركات .. وقد بيعت أو قدرت تلك الأصول بأربعمائة مليون جنيه.

ولكن الحملة الإعلامية الهائلة التي وجهت للرجل ولرجال الأعمال جعلتهم يفرون من تلك الصفقة خوفا ً علي أموالهم من نفس مصير السابقين .. وتركوا المحامي ليحكموا بسجنه بتهم لم أفهمها ساعتها .

وفاتني أن أذكر أن مصانع الشريف.. وهي صرح صناعي ضخم لم ينشأ مع تلك الشركات .. وإنما قبلها بأكثر من ثلاثين عاما ً كان من ضحايا هذا القانون.. ولم أفهم أيضا ً لماذا أغلقت شركاته .. رغم أنه لم يكن منهم .


كانت هذه قصة شركات التوظيف الإسلامية تذكرتها بكل تفاصيلها لما خرجت من السجن.. وشاهدت تلك القنوات الفضائية الإسلامية شعرت أنها تسلك نفس الطريق .. البداية نفس البداية مسموح بها في ظل القوانين الموجودة.. ثم الانتشار والتوغل والتفاف المجتمع حولها وانصرافهم عن القنوات القومية - الحكومية - بصورة تهدد بإفلاسها.. أقصد بإغلاقها.. وتأثيرها الفعال في المجتمع المتعطش لكل ما هو إسلامي.

وأدركت أن النهاية ستكون نفس النهاية.. صحفي شهير يجمع بين الصحافة والعمل في التلفاز في برامج المكلميات ضرب ضربة البداية باستضافته البعض من المتكلمين الذين فرضهم التلفاز الرسمي علي تلك البرامج.. ليعزفوا اسطوانات متكررة بصيغ مختلفة لا تقدم جديدا ً.

هاجموا تلك القنوات بشدة وطالبوا بإغلاقها حفاظا علي المجتمع من التطرف والانحراف .. تصور.. وحماية الوحدة الوطنية ونسيج المجتمع الواحد من التمزق.. وكأنما ألقي الصحفي ببرنامجه حجرا ً في بركة راكدة.

سرعان ما تولدت موجات متتالية عقبها لتبدأ أجهزة الإعلام بعدها حملة كبيرة لتسويق فكرة التخلص من تلك القنوات المزعجة .


ثم وقبل أن نفيق من غفلتنا كانت القرارات بالإغلاق تتوالي .. ومعها كلام كثير عن مبررات تلك الحملة التي لم أفهم منها للأسف شيئا ً.. لا أنا.. ولا كثير من المراقبين الذي تابعوا مستغربين تلك الحملة الغريبة علي القنوات الإسلامية .

وأرشح في المرحلة القادمة مواقع النت والذي بدأت صحافتنا وإعلامنا يمهدون الأجواء لإلحاقه بهم

ويبقي السؤال.. لماذا ؟

لا أصدق مزاعم الذين يقولون أن هذه القرارات يقصد بها حماية ما يسمونه الوحدة الوطنية.

فمن خلال متابعتي لهذه القنوات أجزم أنها لم تتعرض لمثل تلك الموضوعات.. ومن تعرض منها كان رزينا ً وموضوعيا ً وحريصا ً علي البعد عن الإثارة والفتنة .. وكانت لهجتهم أخف كثيرا من قنوات أخري لم يشملها قرار المنع.

وكذا لا أصدق حديث الذين يزعمون أن سبب ذلك هو الفتاوى المتشددة التي تشيع التشدد في المجتمع والبعد عن الوسطية .. فهذه القنوات تبتعد تماما ً عن الأمور السياسية والعقائدية التي يقلق الحكومات التشدد فيها .. بل إنهم يتبنون في هذه الموضوعات خطابا شديد الوسطية والاعتدال.. بل والتساهل.

أما التشدد في الأمور الشخصية - إن وجد - فإنه لا يشغل إلا صاحبه ولا يقلق أحدا ً.. ولا أحسب أن يكون سببا لذلك.


أعتقد أن من فعلوا ذلك إنما يريدون أن يستكملوا نهجهم في الإيقاع بين الدولة والتيار الإسلامي .. والذي ساءهم حالة الهدوء والتقارب التي تنعم بها البلاد الآن.

هو نهج تستطيع أن تراه في منح جوائز الدولة لأعداء الدين وفي الحملات الصحفية علي مظاهر الإسلام.. والاعتداء علي الشباب المتدين في الجامعات.. واستبعادهم بصورة فجة من اتحادات الطلاب.. ومثل هذه التصرفات المشينة التي يعملها البعض .. ليعطي لهذا الشباب المتحمس لدينه انطباعا ً بأن الدولة تحارب الدين وما يدعو للتدين.

فلربما استطاعوا استدراج البعض للوقوع في دائرة العنف ليرتقوا علي أنقاض الطرفين.. ويستردوا مكاسبهم التي خسروها بسبب هذا الوفاق.

نسأل الله أن يحمي بلادنا من الفتن والكروب.
 
المصدر: أسامة حافظ - موقع صحيفة المصريين