[45] العشرة بين الزوجين
بيان لأسس العشرة والعلاقة بين الزوجين طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - دعوة المسلمين -
الرجل سيد أهله، والمرأة سيدة بيتها
الحمد لله
أولا:
روى ابن السني في (عمل اليوم والليلة:388) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ نَفْسٍ مِنْ بَنِي آدَمَ سَيِّدٌ ، فَالرَّجُلُ سَيِّدُ أَهْلِهِ ، وَالْمَرْأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِهَا» وصححه الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة:2041) على شرط مسلم.
والرجل سيد أهله داخل البيت وخارجه، فله القوامة والولاية على البيت وأهله حاضرا وغائبا، مسافرا ومقيما، صحيحا ومريضا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : "الزَّوْجُ سَيِّدٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ . وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى : {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}" . وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: النِّكَاحُ رِقٌّ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ عِنْدَ مَنْ يُرِقُّ كَرِيمَتَهُ. وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ [ يعني:أسيرات]» فَالْمَرْأَةُ عِنْدَ زَوْجِهَا تُشْبِهُ الرَّقِيقَ وَالْأَسِيرَ ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ سَوَاءٌ أَمَرَهَا أَبُوهَا أَوْ أُمُّهَا أَوْ غَيْرُ أَبَوَيْهَا بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ " انتهى من ( مجموع الفتاوى:32/ 263) .
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" الرَّجُلُ قَيّم عَلَى الْمَرْأَةِ، أَيْ هُوَ رَئِيسُهَا وَكَبِيرُهَا وَالْحَاكِمُ عَلَيْهَا وَمُؤَدِّبُهَا إِذَا اعوجَّت " انتهى من
(تفسير ابن كثير:2/292) .
أما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : « وَالْمَرْأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِهَا» فهذه سيادة نسبية، فهي سيدة على أولادها، وعلى خدمها، فلها السمع والطاعة عليهم، وليس لهم مخالفتها، ما لم تأمر بمعصية الله تعالى.
يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في أول الحديث : «كُلُّ نَفْسٍ مِنْ بَنِي آدَمَ سَيِّدٌ» فهذه سيادة نسبية، ولو لم يكن للرجل من يسوده، فهو سيد نفسه وجوارحه ومسئول عن ذلك، كما قال الله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36].
قال المناوي رحمه الله تعالى:
" ( كل نفس من بني آدم سيد فالرجل سيد أَهله) أَي : عِيَاله من زَوْجَة وَولد وخادم ... وَمن لَا أهل لَهُ وَلَا زوج سيدٌ على جوارحه " انتهى من (فيض القدير:5/47) .
وهذه السيادة هي مسئولية ، يسأل عنها الإنسان يوم القيامة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » رواه البخاري (7138)، ومسلم ( 1829).
وهذه السيادة هي سيادة مقيدة ببعض الأشخاص، أم السيادة المطلقة التي تكون على عموم المخلوقات فهي لله تعالى وحده.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" لا يستحق أحد أن يوصف بالسيادة المطلقة إلا الله عز وجل فالله تعالى هو السيد الكامل السؤدد، أما غيره فيوصف بسيادة مقيدة مثل سيد ولد آدم، لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والسيادة قد تكون بالنسب، وقد تكون بالعلم، وقد تكون بالكرم، وقد تكون بالشجاعة، وقد تكون بالملك، كسيد المملوك، وقد تكون بغير ذلك من الأمور التي يكون بها الإنسان سيدا، وقد يقال للزوج: سيد بالنسبة لزوجته، كما في قول الله تعالى: {وألفيا سيدها لدى الباب } " انتهى من (مجموع فتاوى ابن عثيمين:3/109).
ثانيا:
القوامة من الأمور التي خص الله تعالى بها الرجل دون المرأة، والمقصود بها أن الزوج أمين على زوجته، يتولى أمرها، ويقوم عليها آمراً ناهياً كما يقوم الوالي على رعيته، وليس للمرأة قوامة على الرجل، ولو كانت هي التي تنفق عليه.
وسيادة المرأة في بيتها لا تتعارض مع قوامة زوجها ، لأنها – كما سبق- إنما تسود أولادها وخادمتها فهي سيادة مقيدة ببعض أمور البيت، أما سيادة البيت على سبيل العموم فهي للزوج.
ثالثا:
لم يجعل الشارع القوامة بيد الرجل بصورة مطلقة، بحيث يفعل الرجل بزوجته ما يشاء، وفق رغباته وهواه، وإنما قيد هذه القوامة بضوابط وقيود ، فمن هذه الضوابط:
- وجوب أداء الزوج لواجباته تجاه زوجته ، من المهر والنفقة والكسوة والسكنى .
- وجوب معاملة الزوج لزوجته بالمعروف {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19].
- أمرها بطاعة الله تعالى، ونهيها عن معصية الله تعالى.
- تأديبها إذا نشزت كما أمر الله تعالى، ولا يتعدى حدود الله تعالى معها، فلا يقبح الوجه ولا يضرب فيؤذي، ولا يهجر إلا في البيت.
- ألا يستخدم قوامته عليها فيذلها ويقهرها، ويسفه رأيها، ويتعرض لأهلها بالسوء بالفعال أو المقال، ويؤذيها أمام أولادها، فيسبها ويضربها أمامهم.
فهذه القوامة هي ولاية من الولايات الشرعية للرجل على أهل بيته ، فتقيد بما تقيد به الولايات، من وجوب إصلاح من تحت ولايته والإحسان إليهم والرفق بهم وأداء حقوقهم ، والعمل على مصلحتهم .... إلخ.
رابعا:
لا تجوز مخاطبة الكفار والمنافقين مخاطبة إجلال وإعظام ، كأن يقال لأحدهم : " السيد فلان " أو " سيدنا " أو " سيدي " ونحو ذلك ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «لاَ تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ ، فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ» رواه أبو داود ( 4977 ) ، وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود).
قوامة الرجل على المرأة
الحمد لله
قال الشيخ محمد صالح المنجد:
القوامة من الأمور التي خص الله بها الرجل دون المرأة ، والمقصود بها أن الزوج أمين عليها يتولى أمرها ، ويصلحها في حالها ويقوم عليها آمراً ناهياً كما يقوم الوالي على رعايتها ، قال الله تعالى : {وللرجال عليهن درجة } وقال الله سبحانه : {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} قال ابن كثير: " أي الرجل قيم على المرأة أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت"، وقال العلامة الشيخ الشنقيطي: "أشار إلى أن الرجل أفضل من المرأة وذلك لأن الذكورة شرف وكمال ، والأنوثة نقص خلقي طبيعي، والخلق كأنه مجمع على ذلك؛ لأن الأنثى يجعل لها جميع الناس أروع الزينة و الحلي وذلك إنما هو لجبر النقص الخلقي الطبيعي … ولا عبرة بنوادر النساء لأن النادر لا حكم عليه ".
ومن أسباب القوامة:
1- كمال العقل والتمييز، قال القرطبي: إن الرجال لهم أفضلية في زيادة العقل والتدبير فجعل لهم حق القيام عليهن لذلك.
2- كمال الدين: لأنّ المرأة تحيض وتنفس فلا تصلي ولا تصوم في هذه الفترة بخلاف الرّجل.
3- بذل المال من الصداق والنفقة فهذا واجب على الرّجل دون المرأة.
ولذلك إذا امتنع الزوج من النفقة على المرأة فلها الفسخ عن طريق القضاء.
والخلاصة أنّ القوامة للرجل كما بيّن القرآن وإن أنفقت عليه وعلى نفسها وعلى أولادها فإنّ يكون من الإحسان كما قال الله تعالى : {فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً } فالقوامة للرجل في جميع الحالات ولا يمكن تصور أن الرجل يستأذنها قبل أن يخرج مثلا . والله تعالى أعلى وأعلم .
و لمزيد من التوسع في المسألة ينظر: (أحكام القرآن لابن العربي:1/531) (أحكام الجصاص:2/188) (تفسير القرطبي:2/169) (تفسير ابن كثير:1/491) ، (أضواء البيان للشنقيطي:1/136-137 مهم).
حسن معاملة المرأة في الإسلام
الحمد لله
ليس من شك عند أدنى منصف أن دين الإسلام هو دين الرحمة والعدل ، وأن من أبرز معالمه: أنه يدعو إلى مكارم الأخلاق، وصالحها، وينهى عن سيئها وسفسافها.
ويمكننا أن نشير إلى بعض المعالم الواردة في معاملة المرأة، والعنف معها فيما يلي:
- قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } [النساء:19].
كانت إحداهن في الجاهلية إذا مات زوجها، كان ابنه أو قريبُه أولى بها من غيره، ومنها بنفسها، إن شاء نكحها، وإن شاء عضلها فمنعها من غيره ولم يزوّجها حتى تموت ، فحرّم الله تعالى ذلك على عباده .
انظر : (تفسير الطبري:8 /104).
- وقال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19].
وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى ، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة.
(تفسير السعدي:ص 172) .
- وقال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].
فمن آيات الله تعالى الدالة على رحمته وعنايته بعباده وحكمته العظيمة وعلمه المحيط، {أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} تناسبكم وتناسبونهن وتشاكلكم وتشاكلونهن {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} بما رتب على الزواج من الأسباب الجالبة للمودة والرحمة ، المانعة من النفور؛ فحصل بالزوجة الاستمتاع واللذة والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم، والسكون إليها، فلا تجد بين أحد في الغالب، مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة.
(تفسير السعدي:ص 639) .
- لم يشرع الإسلام للرجل أن يمارس أي عنف مع المرأة، سواء في حقوقها الشرعية التي ينشأ الالتزام بها من خلال عقد الزواج، أو حال طلاقها والانفصال عنها.
وإنما شرع عند النشوز والعصيان الوعظ والتذكير، فإن لم يؤثر ذلك شرع الهجر في المضاجع، فإن لم يفلح ذلك في تقويمها: شرع الضرب الخفيف غير المبرح للتأديب؛ صيانة للأسرة من التفكك، ورعاية لحق الأولاد، وخوفا من الفتنة ، وفرارا من قطيعة الرحم وما قد يصحب الطلاق من آثار وخيمة وأضرار جسيمة.
ومعلوم أن العاقل يحتمل أدنى الضررين لتلافي أشدهما، ويتطلب المنفعة الراجحة بتحمل المفسدة المرجوحة ، فيحتمل المريض مرارة الدواء وآلام العملية الجراحية رجاء الشفاء والعافية ؛ قال الله تعالى : {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34]. وروى مسلم (1218) عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع : «اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ».
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" ضرب غير مبرح، أي غير شديد ولا جارح لجسدها، بل هو ضرب خفيف يحصل به التأديب" انتهى من (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين:24/ 483) .
- بل حتى هذه الحال الطارئة، مع التقييد السابق ذكره : ليس هو الخلق الفاضل، ولا العمل المحبوب، لما يخشى من أن يجر ذلك إلى التعدي، والزيادة عما رخص فيه الشرع. روى أبو داود (2146) عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ » فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ - يعني نشزن وتجرأن - فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ».
وصححه الألباني في (صحيح أبي داود).
«لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ» أَيِ: الرِّجَالُ الَّذِينَ يَضْرِبُونَ نِسَاءهُمْ ضَرْبًا مُبَرِّحًا أَوْ مُطْلَقًا، بَلْ خِيَارُكُمْ مَنْ لَا يَضْرِبُهُنَّ، وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُنَّ أَوْ يُؤَدِّبُهُنَّ وَلَا يَضْرِبُهُنَّ ضَرْبًا شَدِيدًا يُؤَدِّي إِلَى شِكَايَتِهِنَّ.
(مرقاة المفاتيح:5/ 2127) .
- وروى البخاري (4942) ومسلم (2855) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: "خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ثُمَّ ذَكَرَ النِّسَاءَ فَوَعَظَ فِيهِنَّ ، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِلَامَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ، وَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ ؟»".
- وروى الترمذي (1162) وصححه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ، وَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِمْ».
وصححه الألباني في (صحيح الترمذي).
- وروى الترمذي أيضا (1163) وصححه عَنْ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ رضي الله تعالى عنه: " أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَّرَ، وَوَعَظَ، فَذَكَرَ فِي الحَدِيثِ قِصَّةً، فَقَالَ : «أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ».
وحسنه الألباني في (صحيح الترمذي).
- وروى ابن ماجة (3678) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ، وَالْمَرْأَةِ» وحسنه الألباني في (صحيح ابن ماجة).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى:
" الواجب على الزوج أن يتقي الله تعالى، ويراقب الله سبحانه وأن يعاشر زوجته بالمعروف، بالكلام الطيب والأسلوب الحسن، لا يضرب ولا يقبح، وأن يكون كلامه طيبا وفعله طيبا، هذا هو الواجب عليه، لكن إذا عصت الزوجة وخالفت الأوامر، له ضربها ضربا غير مبرح ضربا خفيفا، قال الله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} هذا إذا خاف نشوزها وصارت تعصي عليه، وتخالف أوامره، له هجرها ووعظها، والضرب يصير في الأخير، يعظها أولا، كأن يقول: يا بنت فلان خافي الله تعالى، عليك بطاعة الزوج ، اتقي الله تعالى، راقبي الله تعالى، اتركي هذا العمل، أو يهجرها يوما أو يومين أو ثلاثة في المضجع، لا بأس بهذا، فإذا ما نفع الهجر ولا نفع الكلام، له ضربها ضربا غير مبرح ضربا خفيفا، لا يكسر عظما، ولا يجرح بدنها، إذا كان الهجر ما أجدى والموعظة ما نفعت، أما كون الزوج عادته التأسد على الزوجة، والاكفهرار وسوء الكلام ، فهذا ليس من أخلاق المؤمن، والواجب أن يكون الزوج خلقه طيبا مع زوجته ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس أخلاقا مع أزواجه ، فالواجب على الزوج التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم ويكون طيب الخلق مع زوجته حسن المعاشرة " انتهى من (مجموع فتاوى ابن باز:21/ 254-255) .
نفقة الزوجة واجبة على زوجها بالمعروف
الحمد لله
نفقة الزوجة واجبة على زوجها بالمعروف ؛ لقول الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7]، وقول الله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع : «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» رواه مسلم (1218).
وقوله صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان : «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» رواه البخاري (5364) ومسلم (3233).
وهذه النفقة تجب إذا استلم الزوج زوجته، لا بمجرد العقد، في قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة .
فإذا سلمت المرأة نفسها ومكنت زوجها من الاستمتاع بها، وجبت النفقة.
وكذلك لو بذلت نفسها، وكان التأخير من الزوج، فإنه تلزمه النفقة، كما لو عقد عليها، وقالت أو قال أهلها: متى ما شئت أن تأخذها فخذها، لكنه أخر الدخول لسبب من جهته، فتلزمه النفقة.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: "وجملة الأمر: أن المرأة إذا سلمت نفسها إلى الزوج ، على الوجه الواجب عليها، فلها عليه جميع حاجتها، من مأكول، ومشروب، وملبوس، ومسكن" انتهى.
وقال في (روض الطالب) مع شرحه (أسنى المطالب:3/432) : "لا تجب النفقة بالعقد بل بالتمكين" انتهى.
وقال الحجاوي في (زاد المستقنع) : " ومن تسلّم زوجته، أو بذلت نفسها، ومثلها يوطأ، وجبت نفقتها ".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في شرحه: " وقوله: "أو بذلت نفسها" يعني قالت: لا مانع لدينا من الدخول ، ولكن الزوج قال: أنا لا أريدها الآن، عندي اختبارات لمدة شهر، وسآخذها بعد هذا الشهر، فمدة هذا الشهر تجب فيه النفقة على الزوج؛ لأن الامتناع من قِبله " انتهى من (الشرح الممتع:13/487).
توفير مسكن خاص للزوجة
الحمد لله
أولا: لقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من دخول أقارب الزوج الأجانب على الزوجة كما جاء عن عقبة بن عامر : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت» . رواه البخاري (4934) ومسلم ( 2172).
فلا يجوز لها الخلوة بأحد من أحمائها اللهم إلا إذا كانوا صغاراً لا يُخشى منهم ولا يُخشى عليهم.
ثانيا: يجب على الزوج أن يؤمن لزوجته مسكناً يسترها عن عيون الناس ويحميها من البرد والحر بحيث تستكن وتستقر وتستقل به ويكفي من ذلك ما يلبي حاجتها كغرفة جيدة الحال مع مطبخ وبيت خلاء إلا أن تكون الزوجة اشترطت سكناً أكبر من ذلك حال العقد ، وليس له أن يوجب عليها أن تأكل مع أحدٍ من أحمائها . وتوفير المسكن يكون على قدر طاقة الزوج بحيث يليق عُرفا بحال الزوجة ومستواها الاجتماعي .
أ. قال ابن حزم رحمه الله تعالى:
ويلزمه إسكانها على قدر طاقته لقول الله تعالى : {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} [الطلاق:6] . أ . هـ . (المحلى:9/ 253 ) .
ب. وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
ويجب لها مسكن بدليل قوله سبحانه وتعالى {أسكنوهن} ، فإذا وجبت السكنى للمطلَّقة فللتي في صلب النكاح أولى ، قال الله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} ، ومن المعروف أن يسكنها في مسكن، ولأنها لا تستغني عن المسكن للاستتار عن العيون، وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع . أ . هـ . (المغني:9 / 237).
ج. قال الكاساني رحمه الله تعالى:
ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربها ، فأبت ذلك عليه : فإن عليه أن يسكنها منزلا منفردا … ولكن لو أسكنها في بيت من الدار _ ( أي في غرفة ) _ وجعل لهذا البيت غِلقاً على حدة كفاها ذلك وليس لها أن تطالبه بمسكن آخر لأن الضرر بالخوف على المتاع وعدم التمكن من الاستمتاع قد زال أ.هـ (بدائع الصنائع: 4 / 23).
من حق الزوجة على زوجها توفير مسكن آمنٍ لها، ويختلف هذا المسكن باختلاف قدرة الزوج وسعته ، فالغني يوفِّر ما يليق به، والفقير لا يجب عليه إلا بقدر ما أعطاه الله تعالى .
ولا يجوز للزوج أن يُسكن مع زوجته أحداً تتضرر بوجوده معها كأمِّه أو أبيه أو أبنائه من غيرها، فإن كان أحد والديه محتاجاً له، وهي لا تتضرر بوجوده : فننصح الزوجة بأن تتقي الله تعالى في هذا المحتاج، وعليها أن تعلم أن برَّها بوالدي زوجها هو من حسن عشرتها له ، والزوج العاقل يحفظ هذا لزوجته ، ويؤدي بعلاقتهما إلى مزيد من الارتباط والمودة والمحبة.
وإن أمكن الزوج أن يجعل بيتاً لوالديه، وبيتاً لزوجته، ويقربهما من بعضهما : فهو فعل حسنٌ، ويكون بذلك قد أعطى كل ذي حق حقَّه، ولم يتسبب في قطيعة ولا خلافات.
ومن رأى المشاكل والخلافات التي تدب في البيوت وبين الزوجين بسبب سكن المرأة مع أهل زوجها أو العكس، علم أن الحكمة فيما قال العلماء، من حق المرأة في السكن المنفرد، ولكن إذا رضيت المرأة بالسكن مع أهل زوجها إحساناً لعشرة زوجها، وبراًّ بوالديه لاسيما مع حاجتهما للخدمة ، فلا حرج عليها ولها الثواب والأجر من الله تعالى على هذا الإحسان إن شاء الله تعالى، ولكن لتوطن نفسها على الصبر والتحمل. والله سبحانه المستعان، وعليه التكلان.
والله تعالى أعلى وأعلم.
آداب الجماع
الحمد لله
إن الإسلام أتى للناس بكل خير في أمور معاشهم ودينهم ومحياهم ومماتهم لأنه دين الله عز وجل.
قال الشيخ محمد صالح المنجد:
الجماع من الأمور الحياتية المهمة التي أتى ديننا بتبيينها وشرع لها من الآداب والأحكام ما يرقى بها عن مجرد أن تكون لذّة بهيمية وقضاء عابرا للوطر بل قرنها بأمور من النيّة الصالحة والأذكار والآداب الشرعية ما يرقى بها إلى مستوى العبادة التي يُثاب عليها المسلم . وجاء في السنّة النبوية تبيان لذلك ، قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (زاد المعاد): ( وأما الجماع أو الباه، فكان هديه فيه - صلى الله عليه و سلم - أكمل هدي، يحفظ به الصحة، وتتم به اللذة وسرور النفس، ويحصل به مقاصده التي وضع لأجلها، فإن الجماع وضع في الأصل لثلاثة أمور هي مقاصده الأصلية:
أحدها: حفظ النسل ، ودوام النوع إلى أن تتكامل العدة التي قدر الله بروزها إلى هذا العالم .
الثاني: إخراج الماء الذي يضر احتباسه واحتقانه بجملة البدن .
الثالث: قضاء الوطر، ونيل اللذة، والتمتع بالنعمة، وهذه وحدها هي الفائدة التي في الجنة، إذ لا تناسل هناك، ولا احتقان يستفرغه الإنزال.
وفضلاء الأطباء يرون أن الجماع من أحد أسباب حفظ الصحة. (الطب النبوي:ص249) .
و قال رحمه الله تعالى : (ومن منافعه - أي الجماع - : غض البصر ، وكف النفس ، والقدرة على العفة عن الحرام ، وتحصيل ذلك للمرأة ، فهو ينفع نفسه في دنياه وأخراه ، وينفع المرأة ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهده ويحبه ، ويقول : «حبب إلي من دنياكم : النساء والطيب» رواه أحمد 3/128 والنسائي 7/61 وصححه الحاكم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» (البخاري 9/92 و مسلم 1400) . (الطب النبوي: 251).
ومن الأمور المهمة التي ينبغي مراعاتها عند الجماع:
1 - إخلاص النية لله عز وجل في هذا الأمر، وأن ينوي بفعله حفظ نفسه وأهله عن الحرام وتكثير نسل الأمة الإسلامية ليرتفع شأنها فإنّ الكثرة عزّ ، وليعلم أنه مأجور على عمله هذا وإن كان يجد فيه من اللذة والسرور العاجل ما يجد ، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «وفي بُضع أحدكم صدقة» - أي في جماعه لأهله - فقالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال عليه الصلاة والسلام : «أرأيتم لو وضعها في الحرام ، أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» رواه مسلم 720 .
وهذا من فضل الله العظيم على هذه الأمة المباركة، فالحمد لله سبحانه الذي جعلنا منها.
2 - أن يقدِّم بين يدي الجماع بالملاطفة والمداعبة والملاعبة والتقبيل ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلاعب أهله ويقبلها.
3 - أن يقول حين يأتي أهله «بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فإن قضى الله بينهما ولدا ، لم يضره الشيطان أبدا » (البخاري 9/187 ).
4 - يجوز له إتيان المرأة في قبلها من أي جهة شاء ، من الخلف أو الأمام شريطة أن يكون ذلك في قُبُلها وهو موضع خروج الولد ، لقول الله تبارك و تعالى : {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} . وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول! فنزلت : {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج» (البخاري 8/154 ومسلم 4/156) .
5 - لا يجوز له بحال من الأحوال أن يأتي امرأته في الدبر ، قال الله عز وجل : {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} ومعلوم أن مكان الحرث هو الفرج وهو ما يبتغى به الولد، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «ملعون من يأتي النساء في محاشِّهن : أي أدبارهن» رواه ابن عدي 211/1 و صححه الألباني في (آداب الزفاف: ص 105). وذلك لما فيه من مخالفة للفطرة ومقارفة لما تأباه طبائع النفوس السوية ، كما أن فيه تفويتا لحظ المرأة من اللذة ، كما أن الدبر هو محل القذر، إلى غير ذلك مما يؤكد حرمة هذا الأمر.
6 - إذا جامع الرجل أهله ثم أراد أن يعود إليها فليتوضأ ، لقوله صلى الله عليه وسلم : «إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا ، فإنه أنشط في العَوْد» رواه مسلم 1/171 . وهو على الاستحباب لا على الوجوب . وإن تمكن من الغسل بين الجماعين فهو أفضل ، لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عله وسلم طاف ذات يوم على نسائه ، يغتسل عند هذه وعند هذه ، قال فقلت له : يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا ؟ قال : «هذا أزكى وأطيب وأطهر» (رواه أبو داود والنسائي 79/1).
7 - يجب الغسل من الجنابة على الزوجين أو أحدهما في الحالات التالية:
- التقاء الختانين : لقوله صلى الله عليه وسلم : «إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ (وفي رواية : مسّ الختان الختان) فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْل » .(رواه أحمد ومسلم: 526) وهذا الغسل واجب أنزل أو لم يُنزل. ومسّ الختان الختان هو إيلاج حشفة الذّكر في الفرج وليس مجرّد الملاصقة.
- خروج المني و لو لم يلتق الختانان : لقوله صلى الله عليه وسلم : «إنما الماء من الماء»(مسلم: رقم 1/269).
قال البغوي في (شرح السنة:2/9) : (غسل الجنابة وجوبه بأحد الأمرين : أما بإدخال الحشفة في الفرج أو خروج الماء الدافق من الرجل أو المرأة) .
ويجوز للزوجين الاغتسال معا في مكان واحد ولو رأى منها ورأت منه، لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد تختلف أيدينا فيه فيبادرني حتى أقول : دع لي ، دع لي قالت : وهما جنبان» (البخاري ومسلم).
8 - يجوز لمن وجب عليه الغسل أن ينام ويؤخر الغسل إلى قبل وقت الصلاة ، لكن يستحب له أن يتوضأ قبل نومه استحبابا مؤكدا لحديث عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أينام أحدنا وهو جنب؟ فقال عليه الصلاة والسلام : «نعم ، ويتوضأ إن شاء» (رواه ابن حبان: 232 ).
9 - ويحرم إتيان الحائض حال حيضها لقول الله عز وجل: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} ، وعلى من أتى زوجته وهي حائض أن يتصدق بدينار أو نصف دينار كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أجاب السائل الذي أتاه فسأله عن ذلك . أخرجه أصحاب السنن وصححه الألباني في (آداب الزفاف: ص 122). لكن يجوز له أن يتمتع من الحائض بما دون الفرج لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يضاجعها زوجها» متفق عليه.
10 - يجوز للزوج العزل إذا لم يرد الولد ويجوز له كذلك استخدام الواقي، إذا أذنت الزوجة لأنّ لها حقّا في الاستمتاع وفي الولد، ودليل ذلك حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال : «كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا» . (البخاري 9/250 ومسلم 4/160 ).
ولكن الأولى ترك ذلك كله لأمور منها: أن فيه تفويتا للذة المرأة أو إنقاصا لها. ومنها أن فيه تفويت بعض مقاصد النكاح وهو تكثير النسل والولد كما ذكرنا سابقا.
11 - يحرم على كل من الزوجين أن ينشر الأسرار المتعلقة بما يجري بينهما من أمور المعاشرة الزوجية ، بل هو من شر الأمور ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها» ( مسلم 4/157 ). وعن أسماء بنت يزيد رضي الله تعالى عنها أنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود ، فقال : «لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها ؟! فأرّم القوم - أي سكتوا ولم يجيبوا - ، فقلت : إي والله يا رسول الله ! إنهن ليفعلن ، وإنهم ليفعلون . قال: فلا تفعلوا ، فإنما ذلك مثل شيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون» (رواه أبوداود برقم 1/339 )، وصححه الألباني في (آداب الزفاف: ص 143).
هذا ما تيسر ذكره من جملة من آداب الجماع ، فالحمد لله سبحانه الذي هدانا لهذا الدين العظيم ذي الآداب العالية والحمد لله تعالى الذي دلّنا على خير الدنيا والآخرة. وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
والله تعالى أعلى وأعلم.